سمحت أشغال الترميم التي شملت في الأشهر الماضية مختلف المعالم الأثرية لعاصمة الزيانيين في إطار تظاهرة ''تلمسان عاصمة الثقافة الإسلامية'' بإعطاء الوجه اللائق لأجزاء من مطعم الرحمة التاريخي الذي أنشأه العالم الورع سيدي أحمد بلحسن الغماري في القرن الخامس عشر للميلاد. (وأج) ويعد هذا المطعم الذي أطلق عليه ''قوت القلوب'' من أقدم مطاعم الرحمة وأشهرها التي عرفتها المنطقة باعتباره استمر منذ تأسيسه في أداء دوره الخيري في إطعام المعوزين وإيواء ابن السبيل وتقديم يد المساعدة للفقراء والمحتاجين إلى غاية السنوات القليلة الأخيرة. ويقع هذا المرفق الخيري بدرب ''سبعة أقواس'' التاريخي المحاذي للجامع الكبير بقلب مدينة تلمسان إذ تروي المصادر التاريخية أن الرجل الصالح سيدي بلحسن الغماري قد اتخذ في بداية الأمر قبته لاستقبال طلبته الوافدين من كل حدب وصوب لأخذ العلم منه والاستماع إليه ضمن الحلقات العلمية التي كان ينظمها يوميا بالمسجد. وللتكفل بهؤلاء الطلبة والتخفيف من معاناتهم بادر الشيخ إلى توفير بعض المؤونة لهم مما تيسر له جمعه من الميسورين والمحسنين بالمدينة في إطار الزكاة أو الصدقات. ثم تبلورت في ذهن الرجل الصالح فكرة إنشاء مطعم لاستقبال طلبته الكثيرين بالإضافة إلى أبناء السبيل والفقراء والمعوزين بالمدينة. وبعد وفاة الشيخ في سنة 874 هجري (1470 ميلادي) أبى أتباعه إلا أن يواصلوا سعيه ويتموا أعماله الخيرية بالتكفل بالضعفاء والمحتاجين عن طريق تحويل الجناح المجاور للقبة التي تحتضن جثمان شيخهم حبوسا يحوي بصفة دائمة مطعما للفقراء. واستمرت هذه السنة الحميدة لسنوات عديدة، بل تعززت بفضل النقلة الطيبة التي غرسها سيدي بلحسن في نفوس التجار والفلاحين والأغنياء بصفة عامة، حيث اعتاد هؤلاء في كل موسم أو مناسبة أن يبعثوا بأعشار بضاعتهم وأموالهم إلى ضريحه ليتم توزيعها على الفقراء واليتامى والمعوزين من قبل القائمين على ''الحابوس''. وبفضل هذا الدور النبيل صار المكان يدعى بالعامية درب ''سيدي بالحسنات'' لما يجد به الفقير والمحتاج من إحسان وحسن معاملة وهو الاسم الذي لا زال يحمله إلى اليوم مع العلم أنه تحول فيما بعد الى ملجأ للعجزة قبل أن يحتضن غداة الاستقلال ولمدة غير قصيرة مطعم مائدة رمضان تحت إشراف الهلال الأحمر الجزائري ليصبح في الأخير جناحا إدرايا. وحسب الباحثين في التراث فإن سيدي بلحسن الذي ينتسب لمدينة ندرومة قد عرف بتقواه وورعه وعلمه الغزير في أمور الدين وتلاوته الجيدة لكتاب الله الشيء الذي ''جعل قبته تكون مقصدا للطلبة من بينهم سيدي أحمد الزروق البرناسي الذي اكتسب شهرة كبرى في تاريخ زوايا المغرب العربي وكذا العالم سيدي محمد بن يوسف السانوسي. و بعد وفاته تحولت قبة الشيخ الغماري إلى مزار للتبرك خصوصا من طرف النساء اللائي كن يقصدن ''درب سيدي بلحسنات'' بحثا عن السكينة والطمأنينة تحت ظلال شجرته وبين أقواسه السبعة. ويثبت وجود مطعم ''قوت القلوب'' لمدينة تلمسان أن موائد رمضان أو الرحمة التي تنظمها الهيئات والجمعيات الخيرية مع حلول شهر الصيام بمختلف مناطق البلاد لإفطار الفقراء وعابري السبيل تعد سنة حميدة متجذرة في المجتمع الجزائري وقد ورثت عن السلف الصالح.