لاتفتأ فرنسا على لسان مسؤوليها السياسيين والبرلمانيين تدعو الجزائر إلى النظر إلى المستقبل دون أخذ الماضي الاستعماري لفرنسا في الحسبان في علاقتها مع باريس وفي تعاملها مع هذا الماضي حتى في أعيادها الوطنية ومنها على الخصوص الذكرى الخمسين للاستقلال التي نحضر للاحتفال بها. هذا ما نقرأه من تصريح وزير الخارجية الفرنسي آلان جوبي أمام لجنة الشؤون الخارجية بالجمعية الفرنسية الذي تمنى أن تحيي الجزائر عيد استقلالها في جو من الاتزان، ولسنا نفهم من هذه العبارة إلا رغبة فرنسا في أن تتقدم الجزائر بالشكر لفرنسا الاستعمارية التي كرست إمكانياتها لاحتلال الجزائر وتمجيد الاحتلال الذي جثم على صدور الجزائريين طيلة 132 سنة ارتكبت خلاله أبشع الجرائم ضد الانسانية وانتهكت فيه الأعراض واغتصبت الأراضي والأملاك من أصحابها لتملك للمعمرين المغامرين الذين جاءوا من كل أنحاء أوروبا. إن الجزائر التي تحتفل بنصف قرن من استقلالها إنما تجدد العهد مع الذاكرة التاريخية إدراكا منها بأنه لا مستقبل بدون ماض، خاصة وأن الجزائر لا مبرر عندها من أن تخجل من تاريخها الحاضر منه والحديث والقديم، فلم تكن يوما من الأيام لا استعمارية ولا متآمرة على حرية الشعوب حتى تخرج اليوم من الدفاع عن قيم الحرية والإنسانية، وعلى العكس من ذلك فهي تفتخر بأنها صنعت ثورة فريدة من نوعها في التاريخ المعاصر وكانت مثالا للتحرر من ربقة الاستعمار الذي جثم طويلا على صدور الشعوب المضطهدة. فأي تطرف يخيف جوبي قد يميز الاحتفلات بهذه الذكرى العزيزة على كل جزائري وعلى كل حر في العالم وفي فرنسا نفسها التي وقف أحرارها ضد سياسة بلدهم الاستعمارية ونددوا بالجرائم التي اقترفها؟ فإذا كانت مطالبة فرنسا بالاعتراف بجرائمها في حق الشعب الجزائري تطرفا فأهلا بالتطرف وإذا كان تمسك الجزائر بالاعتذار عن هذه الجرائم تطرفا فأهلا بالتطرف وإذا كان إظهار فاتورة الاستعمار هو الآخر تطرفا فأهلا بالتطرف أيضا. وما نقوله في النهاية أن فرنسا هي المعقدة بماضيها الاستعماري وتظهر ذلك في مناسبة وبدون مناسبة لأن جرائمها موثقة في أرشيفها وعلى أجساد ضحاياها وتلويث محيطها بالإشعاعات النووية وقنابلها المروعة على مساحات شاسعة مازالت إلى اليوم تحصد الشهيد تلو الشهيد.