يرسم عمر خيثر الخط العربي، ويبدع بريشته، ويعزف الموسيقى ويتغنى بالشعر، وهكذا هو الفنان؛ يستنشق عبير شتى الفنون ويمزج بينها، حتى إنه يغيّر من طبيعة كل فن على حدة من دون أن يتخلى عن أصالتها. التقت «المساء» بالفنان عمر خيثر بالرواق الذي يشرف على إدارته «عسلة حسين»، وتحدثت معه عن أعماله الفنية التي اجتمعت في لوحات فنية تضم الرسم الزيتي أو بتقنية أخرى في هذا المجال، وكذا الخط العربي ومقاطع شعرية وحكما وأمثالا، حتى الموسيقى ليست ببعيدة عن مجال الفنان، الذي يعزف على العديد من الآلات الموسيقية وفي مقدمتها آلة الساكسفون، إذ يلتجئ إليها حينما تتجمد الأفكار في ذهنه ويتضاءل الإلهام في أعماقه. تحدّث عمر إلى «المساء» قائلا إنه فنان اهتم بالفن التشكيلي وتنقّل بين أساليبه المختلفة واحتك بمدارسه المتعددة، ليجد نفسه في عالم الخط العربي، فولج دياره الكلاسيكية، ومن ثم رغب في التجديد، خاصة أنه مهتم بالبحث والتقصّي في مجال الفن، ولهذا أقحم هذه الدراسات في عالم الخط، وأضفى عليها رتوشات فنية من العصرنة في اللمسة الفنية الشخصية وتطبيق التجريدية على الرموز البربرية. وأشار عمر إلى أنه في العادة يتأثر بأبيات شعرية أو حكمة أو مثل أو مقولة، فتنمو فكرة معيّنة في خوالجه، لتتطور إلى أشكال معيّنة من رسم زيتي أو مائي وغيرهما، وبعدها يكتب النص الذي يكون في الغالب أبياتا شعرية لشعراء عرب في اللوحة، بالخط المغربي ويوقّعه باسم صاحب الشعر. ومن بين أعمال عمر نجد لوحة كُتب فيها «إيمان»؛ حيث كتب كلمة «إيما» بالأسلوب المعتاد، أما حرف «النون»فكتبه بالخط العربي وبالحجم الكبير، ورسم أيضا أشكالا أخرى. أما النص فهو أبيات شعرية للشاعر أحمد مطر، يقول فيها: «يا أيها الإنسان يا أيها المجوّع، المخوَّف، المهان يا أيها المدفون في ثيابه يا أيها المشنوق من أهدابه يا أيها الراقص مذبوحا على أعصابه يا أيها المنفي من ذاكرة الزمان شبعت موتا فانتفض آن النشور الآن بأغلظ الأيمان واجه أغلظ المآسي بقبضتيك حطّم الكراسي أما إذا لم تستطع فجرّد اللسان» وهكذا يعشق عمر خيثر الشعر، فيكتب في أغلب لوحاته أبياتا شعرية لأحمد مطر ومفدي زكريا ومحمود درويش ومحمود مفلح وغيرهم، بيد أن هناك لوحات تخلو من الشعر؛ فمثلا لوحة رسم فيها الفنان ساعة وكتب فيها «إنسان»، وقسمها إلى 12 خصلة يجب أن يتحلى بها الإنسان، وهي الإيمان، الوفاء، الحكمة، العلم، الصبر، الإحسان، الصدق، الإيثار، الإخلاص، المحبة، الإنصاف والعمل، وربط المحبة زمنيا بالإخلاص مثلا، وهكذا ينتقل رقاص الساعة من قيمة معنوية إلى أخرى، كما رسم الفنان لوحات أخرى بمناسبة احتضان الجزائر للمهرجان الثقافي الإفريقي الثاني 2009، استعمل فيها ألوانا أخرى، إذ إنه في العادة يستعمل كثيرا الألوان الترابية التي يراها تمثل منطقة المغرب العربي، ورسم فيها أشكالا تمثل القارة السمراء، وتم عرضها أثناء اختتام المهرجان مرافقة بالموسيقى. وفي لوحة أخرى كتب كلمة «عرب» وقدّم أبياتا شعرية للشاعر محمود مفلح. وفي هذا السياق قال الفنان إن جسد العين هو الباء في حد ذاته، فحرف الكاف هو بداية لحرف ألف، ومن ثم الباء فالدال، مضيفا أنها نفس القياسات والحركات، وهو ما يتميز في الخط العربي. في إطار آخر، تحدّث الفنان بإسهاب عن عمله في فن «الخط العربي»، فقال إن النصوص الشعرية تدعّم موضوع لوحته، خاصة أن هذه الأخيرة لا تحمل أي عنوان. أما عن النقطة التي لا تخلو منها أي لوحة فقال عنها الفنان إنها جاءت في البداية بطريقة عفوية، ليصبح لها مكان أساسي في كل عمل، خاصة أنها تُعتبر وحدة قياس في الخط العربي. وتحدّث الفنان عن استعماله للرموز البربرية التي يحوّرها بطريقة معاصرة. أما عن الدوائر التي تزيّن لوحاته فقال إنها تحدث توازنا في الفضاء، مضيفا أنه يستعمل أحيانا مواد طبيعية في أعماله، مثل القهوة و»التيزانة». أما في مجال الموسيقى، فعمر خيثر عازف ماهر على آلة الساكسفون، حيث يعزف في فندق جزائري رفقة عازف على آلة البيانو، كما يشارك مع عدة فرق فنية، وكان عضوا في فرقة «أتنوسفار» حينما كان يعيش في قسنطينة، حيث كان يعزف موسيقى هي مزيج بين الجاز والبلوز ومقطوعات جزائرية، في حين لعمر محاولات في مجال الشعر كتبها عن العشرية السوداء والجمال وقصة معاناة صديق له. وفي إطار إدارته لرواق «عسلة حسين» التابع لمؤسسة «فنون وثقافة»، وهذا منذ أقل من شهر، تحدّث الفنان عن مشاريعه في هذا الصدد، فقال إنه يصبو إلى تنظيم نشاطات موازية للمعارض الفنية تخص الموسيقى والشعر، وهذا لجذب المزيد من الجمهور، إضافة إلى تنظيم لقاء بين الفنان العارض ومحبيه وكل فضول في التعرف على الفن التشكيلي الجزائري. كما يهتم الفنان بشريحة الأطفال؛ حيث ينوي تنظيم نشاطات خاصة بهم.بالمقابل، دعا الفنان إلى فتح المزيد من الفضاءات الخاصة بالعرض حتى يجد الفنان الفضاء الذي يعرض فيه وكذا الذي يلتقي فيه بنظرائه من الفنانين.