أربع اعمال ابداعية تُعتبر من روائع الأدب العالمي ، وبالأخص ثلاث منها ، وموضوع هذه الأعمال هو حوار الانسان مع الطبيعة ، وأبطالها حيوانات ، لأن الحيوان هو أظهر مظاهر الطبيعة !. الأولى هي الأقدم ، والثانية والثالثة حديثة ، والرابعة معاصرة ! ثلاث روايات وليدة الخيال ،الابداعي والتصوير الفني للتعبير عن أفكار فلسفية ووجودية تعبر عن فلسفة الكاتب أو العصر بأكمله ! وواحدة قالت مؤلفتها أنها حقيقية وبطلها عاش في الواقع وأولاده وأحفاده موجودون و التقت بهم الكاتبة! ونقاد الأدب ومتخصصو الادب المقارن يقولون أن الأولى ملهمة الثانية والثالثة!. الأولى تتحدث عن الروح وحقيقة الوجود ، والثانية هي الاهم والأشهر في العالم تتناول فكرة الصراع والرغبة في السيطرة ، والثالثة مثلها وإن حدثت وقائعها في مكان مختلف . الثانية والثالثة يتوزع ابطالها الطيب المنتصر والشرير الخاسر في النهاية ، أما الأولى فيها بطل واحد طيب ، ولا مكان للصرع أو العنف فيها ، وإنما السلام والهدوء والطمأنينة وان تخلَلَ ذلك قلق معرفي!. الأولى حي بن يقظان لمؤلفها الفيلسوف الاندلسي الكبير ابن طفيل ، والموضوع هو الوصول الى الله عن طريق العقل ، ولو بدون الشريعة ، وذلك ما توصل اليه حي بن يقظان بالنظر المتواصل في الطبيعة ومظاهرها من حيوان ونبات وجماد... وقد ربته ظبية وهو رضيع ... والظبية حيوان لطيف مسالم ، وهو اختيار له مغزاه ... لماذا لم يختر ابن طفيل حيوانا أخر كالذئاب أو القردة كما فعل الكاتبان الأخران ؟ ولم تحدثنا القصة عن أي صراع بين الحيوانات في الغابة ، ولا بينها وبين حي بن يقظان ! وبعد موت الظبية تواردت الاسئلة على عقله حتى توصل الى أن للوجود خالق عاقل هو أول الوجود ، لكنه عجز عن التعبير عن ذلك حتى التقى سلمان وأبسال! فعلماه اللغة ، وعبرا له عن اكتشافاته بتعبير اللغة ومصطلحات الشريعة. الثانية طفل الادغال لمؤلفها الكاتب والسياسي روديارد كيبيلنغ ، صاحب نوبل للآداب 1907، والبطل الطفل ماوكلي الذي ربته الذئاب التي تحدت بقيادته رغبة النمر شاروخان في السيطرة على أدغال البنغال! والقصة من البداية حتى النهاية صراع مستمر بين ماوكلي وأصدقائه و شاروخان وإتباعه من قردة وضباع وخنازير برية... وتنتهي القصة بقتل شاروخان رمز الشر في الادغال من طرف ماوكلي باستخدام النار ، ثم عودة ماوكلي الى أهله من البشر!. الثالثة مثل الأولى ، طرازان القردة ، لمؤلفها الكاتب الامريكي ادغار رايس بوروس(1875-1950) ، حدثت في أدغال افريقيا ( المستعمرة ايضا مثل الهند) ، والرواية وإن حظيت بالشعبية إلا أن كاتبها وُصم بالعنصرية والتعجرف ، وطرازان طفل ربته القردة،ولما كبر تمرد على سيطرة الفهد الأسود على الادغال الافريقية ، وبعد صراع طويل استطاع التغلب عليه وقتله .وتنهي القصة بعودته الى أهله وذويه. أما الرابعة فليست بالرواية الفنية و انما وثائقية ، لمؤلفتها الكاتبة السويدية مونيكا زاك ، ظهرت سنة 1993، والبطل الطفل هدارة الذي نسيه اهله في الصحراء الجزائرية مترامية الأطرف ، فربته طيور النعام ليتنقل معها مكتشفاً الصحراء . وقدمت لنا الكاتبة حوارات متخيلة بين الطيور وهدارة ، من خلالها نكتشف سحر الصحراء وكذلك قسوتها ... إذا هي أربع حيوانات ؛ ظبية ، ذئب ، قرد ونعامة وأربع أبطال حي بن يقظان ، ماوكلي ، طرازان وهدارة ، وأربع أعداء الجهل ، النمر شاروخان ، الفهد الأسود و الطبيعة الصحراوية القاسية ! وأربع عوالم جزيرة في المحيط ، ادغال الهند ، ادغال افريقيا الوسطى والصحراء الكبرى. وثلاث أفكار الوصول الى التوحيد عن طريق الفطرة ، والسيطرة على الادغال وسكانها من حيوانات عن طريق العقل ، وتصوير للصحراء الفاتنة وتقاليد البدو الرحل. أربع كتاب من عصور مختلفة ابن طفيل ، كيبيلنغ ، ادغار رايس و مونيكا كل واحد منهم قدم لنا بأسلوبه الفني الخاص ومرجعيته الفكرية حوارات ممتعة بين الانسان والطبيعة.