لا يستطيع أحد أن يتصوّر أن سكان قطاع غزّة الذين يتعرّضون للقصف من الطائرات والبوارج الحربية الإسرائيلية، الذين استشهد منهم قرابة المائتي شهيد وأصيب منهم المئات بجراحٍ مختلفة، إصاباتُ بعضهم خطرة وحرجة، فضلا عن هدم بيوتهم وتدمير منازلهم واستهداف مساجدهم والقتل الذي يلاحقهم في كلّ مكان والإحساس باليأس العام المسيطر عليهم من محيطهم العربي وحالة اللاّ مبالاة وعدم الاهتمام التي يجدونها من المجتمع الدولي والمحيط العربي، مازالوا مع ذلك كلّه يحتفظون بالأمل والابتسامة وخفّة الرّوح. على الرغم من أن كلّ بيتٍ في غزّة أصابه العطب فلم يعد يصلح للعيش، وما من أسرةٍ إلاّ ولحقها ضرر وفقدت عزيزا أو خسرت أخا أو حبيبا، إلاّ أن الابتسامة لم تفارق أهل غزّة والأمل لم يغادر قلوبهم والدعابة لم تضلّ طريقها إليهم والكلمات التلقائية المعبّرة بقيت تنساب على ألسنتهم. رغم المرارة والألم والحزن والأسى إلاّ أنهم حافظوا على خفّة دمهم ودعابة روحهم وطرافة تعليقاتهم، فبدت كلماتهم لطيفة فيما بينهم وقاسية على عدوهم وعاتبة على إخوانهم وأشقّائهم، ولعلّهم بطرائفهم ونكاتهم كانوا أكثر تعبيرا وأكثر ملامسة للجراح والآلام والآمال، وهي طرفٌ ونوادرٌ جميلةٌ وحلوةٌ، لاذعةٌ ومؤثّرةٌ، جاذبةٌ ومثيرةٌ، وفيها روح المقاومة وإشادةٌ بها واستهزاءٌ بالإسرائيليين وتهكّمٌ عليهم، ومنها: - سيّدة تتّصل بإذاعة الأقصى وتطلب من المذيع (يمه إذا ما فيها غلبه وإزعاج، بدنا صاروخين على المستوطنة اللّي حدنا برام اللّه)، يردّ المذيع: (ولو يمه، غلبتك راحة، أنت بتؤمري). - أوفير جندلمان الناطق باسم نتنياهو: (حماس تقصف أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين). المذيع: (شو مالك؟ أسلمت؟). (لا واللّه، بس صواريخ القسّام طلعت الواحد من دينه). - نتنياهو للكابينت الإسرائيلي (المجلس الوزاري المصغّر): (انتبهوا.. كلّ هاد والقسّام لسا بسورة الفيل.. لو وصلوا إلى سورة الأنفال شو راح يصير فينا؟). - هلا أبو عبيدة (الناطق الرّسمي باسم كتائب الشهيد عزّ الدين القسّام): (أوّل حرب سمّاها طيور الأبابيل، الثانية حجّارة السجيل والثالثة العصف المأكول، يبدو عليه مصرّ يحفّظ اليهود سورة الفيل كلّها، بس يا خوفنا من مفاجأة الفيل). - (كلّ النّاس تفطر في رمضان قطايف، لكن أهل غزّة يفطرو كلّ يوم على القذائف). - طائرة استطلاع فلسطينية تطلق صاروخا تحذيريا على الكنيست الإسرائيلي تمهيدا لقصفه، (يلاّ... يمكن نتنياهو ما يلحق يطلع). - استهداف درّاجة نارية في تل أبيب، أوباما: (أكلوا زفت اليهود، ورّطوا حالهم مع غزّة، أنا قلتهم غزّة ما حدا بيعرف يلعب معها، نصحتهم خليكو بعيدين عنها، بس هم ما بيسمعو النصيحة، يلاّ ذوقوا). - غدا نتائج الثانوية العامّة، الطالب الرّاسب سيضعه أهله في بيت مهدّد بالقصف. - (سامعين يا شباب في صوت طيّارات وزنانة سامعها فوق تل أبيب، معقول هاي طائرات الاستطلاع تاعت القسّام، واللّه لنكيف يا شباب). - طائرة استطلاع قسّامية تطلق صاروخا على تجمّع لمدنيين إسرائيليين في شارع الملك جورج بالقدس، ونتنياهو يدين ويهدّد بالانضمام إلى 31 منظّمة دولية. - (أنا حاسس أنه أفيخاي أدرعي حافظ آيات وأحاديث أكثر منّي). - (مرحبا.. محسوبكم نتن ياهو، من قلب المجاري أعلن أنّي أريد تهدئة، نفسي أشم هوا، دخيلكم أكلت هوا... ارحموني). - نتنياهو: (تهدئة ولا مش تهدئة يا متعلّمين يا فهمانين يا بتوع المدارس، القسّام تقصف حيفا بصاروخ R160). كثيرة هي التعليقات التي يتداولها أهل غزّة ويتبادلونها فيما بينهم، يسرّون بها عن أنفسهم ويستخدمونها في التهكّم على الإسرائيليين والاستهزاء بهم، وهي في أغلبها تحمل معاني القوة والتحدّي وتعبّر عن الرّوح المعنوية العالية لأبنائهم، وأنهم غير خائفين من التهديدات الإسرائيلية وغير مبالين بحربها عليهم، وكلّهم ثقة بأن المستقبل لهم، وأن الأرض ستعود إليهم، طال الزمن أم قصر فإنها لهم وحدهم.