بقلم: محمد قروش أزمة القيّم العميقة التي تمرّ بها الجزائر، والتي تتجلّى انعكاساتها بشكل واضح على كلّ المستويات الهيكلية للمجتمع هي في مجملها نتاج واضح لعدّة إخفاقات على عدّة مستويات، خاصّة الحضارية والفكرية التربوية والاجتماعية التي عاشتها البلاد منذ الاستقلال إلى اليوم. فما نلاحظه اليوم من مشاكل وأمراض وآفات واضطرابات تكاد تعصف بالمجتمع بكلّ فئاته ومكوّناته هي نتيجة منطقية لتدنّي المستويات الفكرية والعلمية والتربوية وغياب أفكار ومشاريع وسياسات قائمة على أسس حضارية صلبة، نابعة من توجّهات وأفكار المجتمع الجزائري وانتماءاته التاريخية، وهو ما أدّى إلى التعثّر في كلّ التوجّهات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية للبلاد وأحدث حالة من التخبّط يكاد يفقد الجزائريين بوصلتهم ويجعلهم فريسة للتيّارات المتضاربة من الشرق والغرب. ومما ساهم في ذلك بشكل كبير تدهوّر منظوماتنا التربوية والأسرية والثقافية التي أدّت الى انعكاسات خطيرة على كلّ المجالات الأخرى السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وهو ما أحدث فراغا كبيرا وتدهوّرا خطيرا على مستوى القيّم الحضارية والاجتماعية الذي أصبحنا نعيش نتائجه اليوم. إن انعدام المشروع الفكري والحضاري خلق أجيالا منسلخة وأُسرا مفكّكة ومجتمعا متدهوّرا متناحرا ودولة مهلهلة، والأكثر من ذلك فقد ساهم في تحطيم الإنسان الجزائري عن طريق تقويض أساساته ومرجعياته الثقافية والفكرية والحضارية، وهو ما أدّى إلى انهيار منظومة القيّم بشكل رهيب وأنتج أجيالا لا تعتدّ بقيم المجتمع ولا بمكوّناته الأساسية. تضاف إلى ذلك كلّ محاولات الهدم التي تمارسها التيّارات الوافدة من وراء البحار التي أصبحت اليوم تستهدف قلوب وعقول النّاس من خلال وسائل جهنّمية رهيبة تهدف إلى مسخ وسلخ وتشويه الأسس والمرجعيات الفكرية والتاريخية والحضارية التي يقوم عليها المجتمع. إن انهيار قيّم العمل والعلم والمعرفة والتطوّر والتربية والأخلاق والإخلاص والضمير واحترام الآخر والمنافسة والاجتهاد وتقدير العائلة والمجتمع وحبّ الوطن وإتقان العمل والصدق والصراحة والأمانة والمسؤولية والواجب والانتماء الحضاري والعرقي وغيرها من القيّم هي في الحقيقة دليل واضح على انهيار منظومة القيّم التي لن يقوم دونها أيّ بناء سياسي أو اقتصادي أو اجتماعي وثقافي، لأنها في النهاية هي ذات القيّم التي تشكّل الإنسان وتجعله خليفة في الأرض لكي يقوم بإعمارها وبنائها ويؤسس لمجتمع يعيش في وطن متكافئ ومتجانس تسوده الطمأنينة والأمن والرخاء، وفي حال انهيار هذه القيّم فإن كلّ المقوّمات المادية والمالية ستتحوّل إلى أسلحة للدمار والتناحر والتشاجر والتقاتل وتقضي على وجود الإنسان ذاته.