بقلم: محمد قروش ما تعانيه الأجيال الصاعدة في الجزائر من إهمال وتلاعب وتدمير أمر يثير الشفقة والحيرة والتساؤل في آن واحد حول مصير هذه الفئات التي أصبحت تعيش انفصاما حقيقيا على كلّ المستويات الحضارية والثقافية والاجتماعية. ذلك أن الفشل التربوي وضعف المستوى الدراسي والانفصام اللّغوي والفكري والتسيّب الاجتماعي وجنوح الأحداث إلى الجريمة والتسرّب المدرسي وتعاطي المخدّرات وحبوب الهلوسة والخمور والإهمال والشذوذ والانحلال الأخلاقي والتقليد الأعمى للغرب والغزو الثقافي والاستيلاب الفكري وغياب روح المسؤولية وحب الوطن وغيرها من الأمراض والأورام السرطانية التي تتصاعد أرقامها يوميا لدى الخبراء ومصالح الأمن، هي كلها مؤشرات خطيرة توحي بزلزال اجتماعي خطير قادم قد يأتي على الأخضر واليابس ويهدد مستقبل البلاد ومصيرها. إن نظرة بسيطة على ما يحدث في المجتمع من خلال المؤشرات الإحصائية والاجتماعية يجعلنا ندرك أن هذه الأجيال الجديدة هي ضحية لواقع اجتماعي وثقافي خطير يعيشه المجتمع الجزائري، تتنوع ملامحه بين التفكك الأسري والانحلال الاجتماعي والأخلاقي والفشل التربوي والتعليمي والبعد عن المبادئ والأصول الحضارية والدينية والاستيلاب الثقافي، وهو ما أدى إلى انهيار منظومة القيم وسيطرة المبادئ المادية على باقي الروابط الدينية والاجتماعية الذي خلق أجيالا مشوهة ممسوخة فكرا وعقلا وجسدا وروحا. ورغم صيحات المختصين والخبراء ووسائل الإعلام التي تدق ناقوس الخطر في كل مناسبة، إلا أن هذا الانهيار الاجتماعي يستمر في التصاعد بفعل تدمير مقومات المجتمع الحضارية والثقافية الذي تمارسه عدة تيارات داخل المجتمع، إضافة إلى الانفجار الإعلامي الذي ولد الصدام الحضاري والفكري الذي يعيشه العالم العربي والإسلامي مع الغرب بفعل تيارات العولمة الجارفة التي تحاول فرض سطوتها على المجتمعات. إن مسؤولية الدولة والمؤسسات الاجتماعية كالمدرسة والمسجد والجمعيات التربوية والمدنية كبيرة في وضع استراتيجية واضحة تقوم على مشروع ثقافي وتصور حضاري لإنقاذ ما يمكن إنقاذه وإعادة التوازن للمجتمع من خلال إعادة الاعتبار لتماسك الأسرة والمجتمع وتطوير التربية والتعليم على أسس حضارية وثقافية نابعة من أصالتنا وانتمائنا وثوابتنا وخلق بدائل حقيقية لمواجهة تيارات الغزو الوافدة من الخارج من أجل تحصين المجتمع وبناء أجيال واعية بمسؤولياتها الحضارية والوطنية لكي تواصل المسيرة التي بدأها الأسلاف والأجداد والنجاة من مخالب العولمة المتوحشة التي تهددنا في هويتنا وانتمائنا وتاريخنا وأوطاننا.