احذروا سيف الوقت وقت رمضان.. بين الاستغلال والضياع الأيَّام تَمضِي سريعًا وهي لا تعودُ، وكلُّ يوم يمرُّ على المسلم هو خلقٌ جديد، وعلى عمَلِه شهيد، وإذا مضَى فلن يَرجِعَ ويعودَ. والوقت - كما يُقال - كالسيف؛ إنْ لم تقطَعْه قطَعَك، وعلى المسلم أنْ يُحاسِبَ نفسَه على أوقاته التي تَضِيعُ سُدًى، وينبغي للمسلم أنْ يضَع نصبَ عينَيْه أنْ يعمل في دُنياه لطاعة الله - تعالى - بل إنَّ كلَّ خُطواته وحَركاته وسَكناته؛ كما قال - تعالى -: (قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ) [الأنعام: 162، 163]. فالمسلم مسؤولٌ عن عُمره الذي يعيشُه؛ هل قَضاه في الخير وطاعة الله، أو في الشرِّ وطاعة الشيطان؛ لذلك يقولُ الرسول - صلى الله عليه وسلم -: ((لا تزول قدَمَا ابن آدم يوم القيامة من عند ربِّه حتى يُسأَل عن خمسٍ: عن عُمره فيمَ أفناه؟ وعن شبابه فيمَ أبلاه؟ وعن ماله من أين اكتسَبَه وفيمَ أنفقه؟ وماذا عَمِلَ فيما عَلِمَ))؛ (صحيح الجامع، رواه الترمذي 2/ 67، وأبو يَعلى، وصحَّحه الألباني في (السلسلة) 2/ 666 رقم 946). وصدق الشاعر: دَقَّاتُ قَلْبِ الْمَرْءِ قَائِلَةٌ لَهُ: إِنَّ الحَيَاةَ دَقَائِقٌ وَثَوَانِي وليسأل المسلم نفسَه في كلِّ يومٍ وفي بداية شهر رمضان في كلِّ عامٍ: ماذا عمل لله - تبارك وتعالى - من أعمال؟ وبماذا استغلَّ أوقاته؟ فكم يقصر المسلم في جنْب الله - تعالى - وكم يُفرِّط ولكنَّه يستمرُّ في غيِّه ومعصيته لله - تعالى - وهذا لا شكَّ أنَّه من قسوة القلوب! وقد وصَف الله - تعالى - المُفرِّطين واللاهين في الدُّنيا يوم القيامة بقوله - تعالى -: (قَالَ كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ * قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ فَاسْأَلِ الْعَادِّينَ * قَالَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا لَوْ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ * فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ _ [المؤمنون : 112 - 116]. وجاء عنه - عليه الصلاة والسلام - أنَّه قال: ((نِعمتان مَغبُونٌ فيهما كثيرٌ من الناس: الصحَّة والفَراغ))؛ (رواه البخاري 11/ 229). قال ابن حجر في (الفتح) 11/ 229: ومِن شُكره امتثال أوامره، واجتناب نواهيه، فمَن فرَّط في ذلك فهو المغبون. قال أحد الصالحين: (العمر قصيرٌ، فلا تُقصره بالغفلة)، فلذلك العجب كل العجب أنْ نسمَع من البعض أنهم يَعِيشُون في فراغٍ قاتِل ولا يَعرِفون أين يذهَبُون وماذا يفعلون! أخي الصائم، احرِصْ على ما تبقَّى من أيَّام شهر رمضان المبارك، واجتَهِدْ فيه بالأعمال الصالحة، والحِرص على أداء الصلوات جماعةً في المسجد، واحرِصْ على أداء النَّوافِل والصدقات، وبذْل المعروف والإحسان، واجعَلْ لك وِردًا يوميًّا، وليكن جُزءًا أو جُزأين من كتاب الله - تعالى - فهو خيرُ مُعِين على استِثمار وقتك، في تلاوته الأجر العظيم، وكان السلف يختمون القُرآن عدَّة مرَّات. واحرِصْ على قِراءة كتب أهل العِلم النافعة؛ لتزيد من عِلمك وتفقُّهك في دِين الله - تعالى - خُصوصًا كتب التفسير والحديث والفقه وغيرها. وكذلك احرِصْ على ذِكر الله - تعالى - وتسبيحه وتحميده؛ كما قال - تعالى -: (وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ) [الأحزاب: 35]. وكذلك الحِرص على النَّدوات والدُّروس اليوميَّة في مختلف المساجد وسُؤال أهل العلم فيما تجهَلُه، وكذلك صِلة الأرحام الواجبة عليك لقول الله - تعالى -: (وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء : 1]. وأيضًا زيارة الدِّيوانيَّات التي تزيدُ من أواصِر الأخوَّة والمحبَّة، ويستغلُّها المسلم في الدَّعوة إلى الله - تبارك وتعالى - والأمر بالمعروف والنَّهي عن المنكر. ولا شكَّ أنَّ رمضان مدرسةٌ لتنظيم وقتِ المسلم واستِثماره في طاعة الله - عزَّ وجلَّ - فليَحرِصْ كلُّ مسلمٍ على هذه الأوقات وألاَّ يُضيِّعها في النوم والسَّهر أو اللعب.