يبدو أن فريق اتحاد العاصمة قد حفظ درس الموسم الماضي وإلاّ كيف نفسّر انطلاقته القوّية في دوري أبطال إفريقيا؟ حيث يحتلّ صدارة مجموعته بتسع نقاط من ثلاثة انتصارات متقدّما الثنائي المرّيخ السوداني وحامل اللّقب وفاق سطيف بخمس نقاط مقابل لا شيء لمولودية العلمة. بما أن فريق اتحاد العاصمة يشكّل أحد أقطاب الأندية الجزائرية اِرتأينا أن نسلّط عليه الضوء حيث سنتعرّف وعلى مدار ثلاث حلقات على تاريخه الحافل بالألقاب فيكفي أن نقول إنه أوّل من كان له شرف الفوز بأوّل لقب وطني بعد الاستقلال. ترى من هو فريق الاتحاد؟ كيف ظهر إلى الوجود؟ ومن هم مؤسّسوه؟ ذلك ما سنتعرّف عليه في حلقة هذا العدد فرحلة سعيدة في دهاليز تاريخ الاتحاد.. اتحاد العاصمة. جويلية 1936 هكذا جاءت فكرة تأسيس الاتحاد بدأت قصّة تأسيس فريق اتحاد الجزائر أو العاصمة من أحد المحلاّت الصغيرة بالقصبة في جويلية 1936 عندما قرّر عمر عيشون ومصطفى كاوي تأسيس فريق وجمعية رياضية مسلمة لا يسمح لأيّ أوروبي بالمشاركة فيها. تميّزت تلك الفترة بتعثّر الحركة الوطنية بقيادة الأمير خالد نجل الأمير عبد القادر وظهور حزب (الشعب) الأب الرّوحي ل (الأفالان). وكانت سنة 1936 عاما للتحضير فقام الرجلان بتكثيف الاتّصالات بمساعدة أرزقي مدّاد أب الشهيدة وريدة مدّاد فوقع اختيارهما على الشهيد علي لحمر المدعو علي زيّاد وسيد أحمد كماط لتأسيس أوّل مكتب لاتحاد العاصمة كان ل (علي زيّاد) شرف ترأسه فيما عادت الرئاسة الشرفية للسيّدين عيشون وأرزقي مدّاد. وبالإضافة إلى الرياضة والنضال كان عمر عيشون ومصطفي كاوي يتردّدان كثيرا على نادي الترقي الذي كان يسيّر من طرف الشيخ طيّب العقبي الذي بارك تأسيس فريق الاتحاد الرياضي الإسلامي كما أنه سيكون لابنه شرف حمل ألوان الاتحاد كحارس مرمى فيما بعد. الخامس جويلية 1937 تأسيس فريق الاتحاد العاصمة يعود تأسيس فريق اتحاد العاصمة إلى تاريخ الخامس جويلية 1937 وهي الذكرى التي صادفت المئوية وسبع سنوات على احتلال الجزائر من طرف الجيش الفرنسي الغاشم وهو اليوم الذي رفع فيه الظلم عن الشعب الجزائري عام 1962 وبما أن هذا التاريخ يعدّ من بين أغلى تواريخ الجزائر فهو يعدّ كذلك من أغلى تاريخ فريق الاتحاد كونه تأسّس في الخامس من شهر جويلية ففي كلّ سنة يحتفل فيها الشعب الجزائري بالاستقلال الوطني يحتفل اتحاد العاصمة وأنصاره بذكرى تأسيسه المصادفة ليوم 5 جويلية 1937. ففي هذا اليوم قرّرت مجموعة من الأصدقاء بلورة فكرة إنشاء نادي رياضي إسلامي إلى جانب (العميد) مولودية العاصمة في القصبة ووقع الاختيار على اسم الاتحاد الرياضي الإسلامي للجزائر وقد جرت الاجتماعات الأولى لتأسيس الفريق في مقهى بن كانون بقلب حي القصبة العتيق. في شهادة نادرة للمرحوم الحاج كمات فكرة تأسيس الاتحاد ولدت من رحم المعاناة عن كيفية إنشاء اتحاد العاصمة يقول أحد أعمدة مسيّري الفريق وهو الحاج كمات رحمه اللّه في إحدى شهاداته النادرة لصحيفة (المجاهد) الصادرة عقب تتويج الفريق باللّقب الوطني عام 1963: (فكرة إنشاء الفريق بدأت في شهر ماي 1937 عندما تمّ تحويل أحد فِرق الأحياء [نادي حي سالوست الرياضي] إلى نادي الاتحاد) كنت إلى جانب كلّ من لحمر علي المدعو زيّاد ومرزاق مدّاد والكلّ كان مستعدّا لتجسيد الفكرة). وهنا اِستغلّ الحاج كمات أحمد صداقة جازولي أحد مسيّري مولودية الجزائر لإنجاز القوانين الأساسية لاتحاد العاصمة بحكم تجربة جازولي في الشؤون القانونية لإنشاء الجمعيات وتمّ تقديم ملف الفريق إلى الولاية تحت رقم 1687 مباشرة بعد الانتهاء من الإجراءات التأسيسية. في البداية رفض الوالي المستعمر كلمة (الإسلامي) لكنه قبل الأمر في الأخير ومنح الاعتماد في 5 جويلية 1937 وكان مقرّ النادي بشارع ديفان سابقا (خلف مسجد كتشاوة). وتدعّم مكتب الفريق بعدّة أسماء على غراز عمراني حامز لكحل باسطا زناتي وشريفي في حين كان أوّل رئيس شرفي هو مرزاق مدّاد صاحب مقهى الرياضيات. 1937.. الانحراط في البطولة ضمن الدرجة الثالثة فور حصول اتحاد العاصمة على الموافقة على تأسيسه اِنخرط في البطولة ضمن الدرجة الثالثة في خريف 1937 وقد قدّم فيه لاعبو الاتحاد لمحات كروية رائعة أذهلت حتى الفرنسيين أنفسهم الذين كانوا منشغلين في تلك السنة بكأس العالم التي أقيمت في بلدهم فرنسا. 1938.. البداية الحقيقية للاتحاد بداية المشاركة الحقيقية لفريق الاتحاد الفتية كانت سنة 1938 ضمن الدرجة الثالثة وأبدى آنذاك عدد كبير من اللاّعبين نيّتهم في الالتحاق بالفريق لكن القانون المسيّر للبطولة آنذاك لم يكن يسمح بذلك حيث كان يفرض عليهم إمضاء إجازة من الدرجة الثانية لا تسمح لهم بالمشاركة في البطولة الرسمية. أمّا العائق الثاني الذي كان يعرقل الاتحاد فهو عدم امتلاكه ملعبا حيث أن الفيديرالية كانت تفرض على الأندية إمضاء عقد لا تقلّ مدّته عن خمس سنوات مع إدارة بعض الملاعب حتى تتمكّن من الدخول في المنافسة. مقابل 5000 فرنك سنويا الراحل محمد العنقى أنقذ الفريق ماليا رغم الضائقة المالية إلاّ أن إدارة الاتحاد اِتّصلت بفريق أولمبيك بوانت بيسكاد (الرايس حميدو) وتعاقدت معه لاستغلال الملعب مقابل 5000 فرنك سنويا. هذا المبلغ كان يغطّيه بعض محبّي الفريق وعلى رأسهم الحاج محمد العنقى فنّان الشعبي الشهير رحمه اللّه والذي قدّم مداخيل عدّة حفلات أحياها لصالح الاتحاد. موسم 1937 - 1938 (محتواه مكرّر فوق) الارتقاء إلى الدرجة الثانية غيّر مسار الاتحاد بعد الذي فعله لاعبو الاتحاد وتمكّنهم من الارتقاء إلى الدرجة الثانية بجدارة واستحقاق أبدى في صائفة عام 1938 عدد كبير من اللاّعبين نيّتهم في الالتحاق بالفريق لكن القانون المسيّر للبطولة آنذاك لم يكن يسمح بذلك حيث كان يفرض عليهم إمضاء إجازة من الدرجة الثانية لا تسمح لهم بالمشاركة في البطولة الرسمية. أمّا العائق الثاني الذي كان يعرقل الاتحاد فهو عدم امتلاكه ملعبا حيث أن الفيديرالية الجزائرية الفرنسية كانت تفرض على الأندية إمضاء عقد لا تقلّ مدّته عن خمس سنوات مع إدارة بعض الملاعب حتى تتمكّن من الدخول في المنافسة. ورغم الضائقة المالية إلاّ أن إدارة الاِتحاد اِتّصلت بفريق أولمبيك بوانت بيسكاد (الرايس حميدو حاليا) وتعاقدت معه لاستغلال الملعب مقابل 5000 فرنك سنويا. هذا المبلغ كان يغطّيه بعض محبّي الفريق وعلى رأسهم الحاج محمد العنقى الذي قدّم مداخيل عدّة حفلات أحياها لصالح الاتحاد. خلال الحرب العالمية الثانية ظهور أسماء رنّانة في الاتحاد أنهت تشكيلة الاتحاد البطولة الأولى في المركز الثالث وهي بداية اعتبرت موفّقة بالنّسبة لفريق حديث النشأة. وباندلاع الحرب العالمية الثانية توقّفت المنافسة ونظّمت بطولة غير رسمية تضمّ فوجين ولعب الاتحاد في مجموعة قوية تضمّ غاليا سبور الجزائر فريق اليهود الجامعة سانت أوجان مولودية الجزائر وعدّة فِرق أخرى. وتواصلت المنافسة على مدى ثلاث سنوات ظهر خلالها عدّة نجوم من الاتحاد كالحارسين عبد الرحمن إبرير (حارس فريق جبهة التحرير الوطني) حسن زيتوني رابح بدران رابح زواوي وإسماعيل محمودي. بعد ثماني سنوات من تحقيقه الصعود إلى الدرجة الأولى 1951.. اتحاد العاصمة يصعد إلى القسم الأوّل في موسم 1942 - 1943 تحوّل مقرّ الفريق إلى شارع ليون ليفتح المجال لبداية نشاط فروع رياضية أخرى كالملاكمة كرة السلّة والدرّاجات وكان كلّ من عبد الحميد عمراني وشرشاوي مسؤولين للفروع الثلاثة على التوالي. وكانت العودة الرسمية للمنافسة عام 1942 وأثمرت مجهودات الفريق بالصعود في الموسم الموالي إلى القسم الثاني بقيادة مصطفى كمال الذي كان لاعبا ومدرّبا في نفس الوقت. وفي عام 1950 صعد الفريق إلى القسم الأوّل وفي العام الموالي أو بالأحرى في الموسم الموالي 1951 - 1952 توّج بلقب البطولة الوطنية مع الإخوة عزّوز ربيع عبد الكريم (كريمو) شابري وبن حايك. وفي نفس الموسم توّج الاتحاد بأوّل بطولة للجزائر متفوّقا على العديد من الفِرق القوية كالاتحاد الرياضي البليدي ومديوني وهران وشباب قسنطينة ومولودية العاصمة وفِرق الكولون وفي مقدّمتها نادي الغاليا والجامعة. التتويج الذي تحوّل إلى نقمة على الفريق مشاركة فاشلة في كأس شمال إفريقيا تتويج الاتحاد بلقب البطولة الجزائرية أهّله لتمثيل الجزائر في كأس شمال إفريقيا لكنه أقصي في الدور الثاني على يد الوداد البيضاوي المغربي الذي انتزع تاج تلك السنة بتغلّبه على نادي الاتحاد الرياضي التونسي الذي كان يتشكّل من لاعبين جلّهم فرنسيين. تتويج فريق الاتحاد بلقب البطولة الجزائرية لعام 1951 كان نقمة عليه بإقدام الفيديرالية الجزائرية الفرنسية على منع نجوم الفريق من تجديد عقودهم الأمر الذي أثّر على مسيرة الاتحاد حيث كان هذا سببا في إخفاقه في الفوز بثاني لقب جزائري إلى غاية صدور بيان جبهة التحرير الوطني بتجميد جميع النشاطات الرياضية عام 1957 وهو ما دفع العديد من لاعبي الفريق إلى الالتحاق بإخوانهم المجاهدين من أجل رفع الراية الوطنية وطرد المستعمر الفرنسي الغاشم من بلادنا. 1955.. الاتحاد ونداء جبهة التحرير الوطني أثبتت مدرسة اتحاد العاصمة خلال الفترة الاستعمارية أهدافها الرياضية من جهة ودورها في الحركة الوطنية المواجهة للاستعمار من جهة أخرى فمنذ سنة 1955 لمّا كانت الثورة الجزائرية في أوّج نشاطها استعاد رئيس الفريق علي شرفي بعض اللاّعبين الشباب من بينهم محمد خلدود مصطفى بوديسة وحميد بن كانون لحثّهم على مجابهة المستعمر بكلّ شجاعة والاستجابة لنداء جبهة التحرير الوطني. وفي نهاية نفس السنة أمر جيش التحرير الوطني كلّ الأندية المسلمة بالتوقّف عن النشاطات الرياضية وهو ما استجاب له نادي اتحاد العاصمة. لم يكتب لهم الاحتفال بالاستقلال الاتحاد قدّم أكثر من 40 شهيدا قدّم الاتحاد العديد من الشهداء وتعدّى عددهم -حسب شهادات حيّة- الأربعين أمثال عبد الرحمن عرباجي بوديسة عبد القادر بوداب مصطفى علاّل وكيد تزايرت محمد وموحا دزيري وآخرين مثل بوعلام مكيري محمد سلامة مصطفى وكيد عبد الرحمن بوصورة نور الدين بن كانون لحمر المدعو زيّاد وافنوتي دوادح حلامي لوشال لونس ديمانة ميكيرى بلكراوي مايدي وعلي باسط رحم اللّه جميع شهدائنا الأبرار. كلّ هذه الأسماء كانت لها فرصة معرفة الخامس جويلية 1937 كتاريخ لتأسيس الفريق لكن بتضحياتهم الجبّارة جعلوا هذا التاريخ عيدا لاستقلال الجزائر لكن القدر أراد لهم أن لا يعايشوا فرحة ملايين الجزائريين بيوم النّصر يوم الخامس جويلية 1962. ورغم صغر حجم الفريق آنذاك الذي كان يمثّل حيّا عريقا من أحياء القصبة وسوسطارة إلاّ أنه ساهم بقسط كبير في الثورة الجزائرية ككلّ الشعب الجزائري فصنع بذلك تاريخا وأصبح له شهداء ورموزا جعلت منه معلَما من معالم الكرة الجزائرية وفريقا كبيرا بعد الاستقلال حقّق البطولات والانتصارات ولا زالت طموحاته كبيرة سواء في التسيير من خلال الاحتراف أو من ناحية النتائج حيث يمكن اعتبار كأسي الموسم الماضي بمثابة العودة القوّية لهذا النادي. يتبع...