إرث عريق من الماضي الجميل البوقالة لعبة شعبية تطبع سهرات العاصميين البوقالة هي لعبة شعبية معروفة منذ زمن بعيد وكانت تتفنن جداتنا في اختيار عباراتها المهذبة شديدة الوقع على الآذان وكانت تطبع جلساتهن في الماضي تزامنا مع المناسبات السعيدة أين تلتف النسوة ببعضهن البعض وكذلك في المناسبات الدينية على غرار شهر رمضان المعظم الذي تشتهر فيه تلك اللعبة بطقوسها الشيقة بحيث تتداول بين النسوة من باب الفأل الحسن لتمضية السهرات الرمضانية وعادة ما تمارسها العازبات وكذا السيدات المتزوجات لسماع فألهن ومن ثمة رفع معنوياتهن حول عودة الغائب أو الزواج أو الشفاء بمجرد سماع البوقالة. نسيمة خباجة تفننت جداتنا بالأمس القريب في تلك اللعبة الشيقة البعيدة كل البعد عن طقوس التنجيم أو السحر والشعوذة بحيث عادة ما تفتتحها النسوة بالبسملة وترديد عبارة بسم الله بديت وعلى النبي صليت لإبعاد كل الشكوك التي من الممكن أن تحوم على تلك اللعبة الشعبية العريقة التي تستعملها النسوة خاصة في سهرات شهر رمضان المعظم بعد اجتماعهن وسط الدار في دويرات القصبة بحيث كن تارة يمارسن اللعبة وتارة يتحادثن فيما بينهن ويلتفن حول صينيات القهوة والشاي والحلويات الشرقية ولازالت بعض العائلات تتمسك بتلك اللعبة العريقة الضاربة في جذور حضارتنا وإرثنا الثقافي إلا أن الكبيرات في السن هن من يتقنها ويلقّنها للشابات لتبقى لعبة متوارثة جيلا بعد جيل ما أكدته لنا بعض النسوة اللواتي اقتربنا منهن الحاجة مسعودة في العقد الثامن قالت إنها لازالت تحفظ الكثير من تلك البوقالات الشعبية التي بقيت راسخة في ذاكرتها منذ عقود خلت وعادة ما ترددها على مسامع بناتها خلال السهرات الرمضانية ويحاولن حفظها وحملها عنها لترسيخها وعدم زوالها لكنها رأت أن شروط ممارسة تلك اللعبة الشعبية باتت تختلف عن أيام زمان بحيث كانت تحضر فيها كوانين الفحم و(البوقال) الذي اقتبس منه اسم اللعبة إلى جانب استعمال خمارات ويتم ربطها وتشكيل عقد قبل سماع البوقالة بعدها تفتح تلك العقد في جو من المرح بين النسوة وهي كلها مراحل أساسية تتخلل لعبة البوقالة لكن نجد اليوم أن لعبة البوقالة لا تتم وفق تلك المراحل مما يخل بأركان اللعبة. أما الآنسة راضية فقالت إنها مولوعة بتلك اللعبة الشعبية التي خصصت لها كتيبا لكتابتها والاحتفاظ بها بعد سماعها من طرف الكبيرات في السن لتضيف أنها مكسب حقيقي اكتسبناه عن جداتنا اللواتي كن بارعات في تلك اللعبة وتركن لنا الكثير منها لنتبادلها اليوم فيما بيننا في القعدات العائلية والأعراس وكذا المناسبات الدينية التي لا تحلو السهرة فيما بين النسوة دون ترديد بعض البوقالات وسماع الفال الزين على حد قولها خاصة من طرف الفتيات العازبات اللواتي ينتظرن فارس أحلامهن وعادة ما ترفع تلك البوقالات من معنوياتهن وتعجل لهن النصيب من باب الفال الحسن ليس إلا خاصة وأن الأمور الغيبية لا يعلمها إلا الله سبحانه وتعالى واللعبة هي بعيدة عن الشرك بالله. وتبقى البوقالة الشعبية ذلك الإرث الثقافي والحضاري الذي يحكي جزءا من ماضينا ويعبر عن أعراف مجتمعنا العريق لتشيّد بفحواها جسرا صلبا يربط بين الماضي والحاضر والمستقبل.