تبدو أزمة انتشار "الخيار الملوث" في أوروبا قضية صحية بامتياز، لكن أبعادها تتجاوز حدود الصحة لتطال الاقتصاد الأوروبي وتعمق الشرخ الاقتصادي بين دول منطقة الأورو. وأودت بكتيريا "اي. كولاي" المعوية التي تنتقل عبر منتجات الخيار إلى مقتل 15 شخصا وإصابة 1500 شخص بمرض جرثومي في أوروبا، وتراشقت ألمانياوإسبانيا الاتهامات حول مصدر الجرثومة. وانتقدت وزيرة الزراعة الإسبانية روزا اغيلار إدلاء السلطات الألمانية بتصريحات لا أساس لها اتهمت فيها الخيار الإسباني دون امتلاك معطيات ذات صدقية بهذا الشأن. وطالبت بتعويض منتجي الخضار الأوروبيين الذين قدّرت خسائرهم بأكثر من 200 مليون أورو (290 مليون دولار) أسبوعياً. وتكبدت الصادرات الزراعية لكل إسبانياوألمانيا خسائر بملايين الدولارات، الأمر الذي دفع المزارعين إلى رمي منتجاتهم. دعوات للمقاطعة وفي حال تصاعد الأزمة، فإن إسبانيا ستكون الخاسر الأكبر. فالمستثمرون والبنوك الألمانية ساهموا في تمويل نمو الاقتصاد الإسباني على مدى السنوات الخمس عشرة المنتهية في 2008، وذلك للسماح لإسبانيا باللحاق بركب الدول الأوروبية المجاورة، وتعزيز مكانتها كدولة متطورة. ومنذ بداية أزمة الديون السيادية في منطقة الأورو، وجّه بعض السياسيين الألمان اللوم للسياسات التبذيرية في كل من إسبانيا البرتغال واليونان التي تعتمد بشكل كبير على المساعدات الألمانية، ودعوها إلى انتهاج سياسة تقشفية قاسية. وجاءت "أزمة الخيار" لتمنح العلاقات بين الدولتين جرعة من التوتر، وتترك انطباعاً لدى الألمان بأن الفلاحين الإسبان لا يطبِّقون شروط السلامة الصحية، على الرغم أن إنتاج وتصدير معظم الخضروات تتحكم به مؤسساتٌ زراعية وصناعية ضخمة. واعتبرت جمعياتٌ صحية إسبانية المواقف الألمانية أنها "نابعة من كراهية الأجانب"، ووجَّه الناشطون على المدونات على الإنترنت انتقادات شديدة لألمانيا وسط دعوات لمقاطعة بضائعها. وفي ألمانيا، وضعت العديد من المتاجر على رفوفها علامات على بعض السلع والخضروات "إنها ليست إسبانية"، علما بأن غالبية المستهلكين توقفوا عن شراء الخيار والطماطم والخس. واتخذت جمعيات المزارعين الألمان مواقف أقل تحفظا رغم أنهم كانوا الأكثر تضررا، لكنها اعترفت بأن تتبع مصدر "إي كولاي" أمر مستحيل. مصدر البكتيريا وقال رئيس اتحاد منتجي الخضار والفواكه في ألمانيا كارل شميتز إن التحقيقات الأولية أظهرت وجود البكتيريا في الخيار الإسباني، لكن ليست من السلالة نفسها التي تسببت بتفشي المرض في ألمانيا. ويكافح العلماء ومسؤولو الصحة في البلدين من أجل تحديد مصدر السلالة القاتلة، لكن انتهاء الأزمة ليس أمرا بهذه البساطة، خاصة أنها وصلت إلى العلاقات التجارية والاقتصادية. وتنقل صحيفة "نيويورك تايمز" عن نائب رئيس وزراء إسبانيا ألفريدو بيريز روبالكابا قوله إن "الخسائر تقدر بمئات الملايين من الأورو، وندرس اتخاذ إجراءات قانونية ضد الألمان". ويُقدَّر المزارعون الإسبان الخسائر الناجمة من انتشار "إي كولاي" بأكثر من 288 مليون دولار في الأسبوع، كما أن الخضروات التي أتلفت ستؤدي إلى فقدان 70 ألف وظيفة زراعية في بلد لديه أعلى معدل بطالة في أوروبا. والملف الزراعي هو موضوع حساس من الناحية السياسية في أوروبا، رغم أنها تشكل 1.8% من الاقتصاد الأوروبي المقدر حجمه ب 15 تريليون دولار. وتمثل الإعانات للمزارعين حوالي 40% من الإنفاق السنوي للاتحاد الأوروبي على الزراعة.