11 ديسمبر 1960.. محطة فارقة في تاريخ الجزائر أ.خولة حميدة مقدمة: يعد يوم 11 ديسمبر 1960 من أهم المحطات في تاريخ الجزائر أين خرجت الجماهير شملت الجماهير الشعبية في مظاهرات سلمية وقد شملت معظم شوارع المدن الجزائرية تلبية لنداء جبهة التحرير الوطني تأكيد لمبدإ حق تقرير مصير الشعب الجزائري وتعبيرا واضحا للرأي العام الفرنسي والعالمي عن الرفض المطلق لسياسة الاستدمار ومناوراته الجديدة المتمثلة في التهدئة الديغولية. أسباب المظاهرات: إثر زيادة الجنرال شارل ديغول إلى الجزائر في إطار تنفيذ مشروعه الجديد المتمثل في الإبقاء على الجزائر جزءا من فرنسا في إطار فكرة الجزائر جزائرية كانت الأطراف الفاعلة السياسة الجزائرية منقسمة إلى ثلاث تيارات رئيسية: (1) المستوطنون المناهضون لسياسة شارل ديغول وهم الذين قاموا بالمظاهرات يوم 9 ديسمبر 1960 بعين تموشنت محاولين إحباط مخططه الداعي إلى اعتبار الجزائر جزائرية حاملين شعار الجزائر فرنسية . (2) أنصار الديغولية من الفرنسيين وقد تحركت هذه المجموعة بإيعاز من حكومة باريس يوم 10 ديسمبر 1960 بغرض إفشال مشاريع المستوطنين الرافضين السياسة ديغول في الجزائر شعارهم الجزائر جزائرية . (3) التيار الوطني ممثلا في الجماهير الشعبية التي أعلنت رفضها القاطع للمشروعين الأولين في مظاهرات عارمة عبرت عن تمسكها بقيادة جبهة التحرير الوطني واستقلال الجزائر وكان شعارها الجزائر عربية مسلمة.. الجزائر مسلمة مستقلة . سير المظاهرات: عند زيارة شارل ديغول إلى الجزائر توجه يوم 9 ديسمبر 1960 إلى مدينة عين تموشنت قادما من تلمسان للإشراف على تطبيق مخططاته بتحقيق فكرة الجزائر جزائرية إلا أن المستوطنين استقبلوه بمظاهرات مضادة لمشروعه الجزائر فرنسية .. وفي المقابل انتفضت الجماهير الشعبية بقيادة جبهة التحرير الوطني يوم 11 ديسمبر 1960 عن وحدة الوطن والالتفاف حول الوعي التحريرية مطالبة بالاستغلال التام للجزائر وذلك في مظاهرات شعبية تفيض بالحماس حاملين العلم الوطني وشعارات كتب عليها تحيا الجزائر تحيا جبهة التحرير الوطني تحيا الجزائر مسلمة . عرفت مظاهرات يوم 11 ديسمبر 1960 امتدادات إلى أحياء بلكور بلوزداد حاليا وغيرها لتتوسع نحو باب الوادي والحراش وغيرها كما عرفت ساحة الورشات أول ماي حاليا وشارع ميشلي ديدوش مراد حاليا حضورا شعبيا عارما رافعين العلم الوطني كما تعالت أصوات المتظاهرين هاتفة بإشغال الجزائر وسرعان ما امتدت هذه المظاهرات إلى المدن الجزائرية في كل من وهران وقسنطينة وتيبازة والشلف والبليدة وبجاية وسيدي بلعباس وعنابة وغيرها من المدن عبر كامل التراب الوطني ولم تتوقف إلا يوم 16 ديسمبر 1960. تحدي القوات الاستدمارية للمتظاهرين: قابل الجيش الفرنسي الجموع الجزائرية المتظاهرة بالدبابات والمدافع والرشاشات وأمطرهم بنيران القنابل وأطلق عليهم الرصاص كما قامت الشرطة الفرنسية بالمداهمات الليلية لاختطاف الجزائريين من منازلهم والإغارة على المواطنين وهم يوارون شهداءهم كما هو الحال في مقبرة القطار وغيرها مما زاد في ارتفاع عدد الشهداء بالإضافة للاعتقالات التي مست عددا كبير من الجزائريين المتظاهرين. موقف الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية: عقد فرحات عباس رئيس الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية ندوة صحفية صباح يوم الاثنين 12 ديسمبر 1960 بتونس خصصها للحديث عن التطورات الأخيرة للقضية الجزائرية وقد حضر هذه الندوة عدد كبير من الملحقين الصحفيين من سفارات الدول العربية وممثلي الصحافة المحلية والأجنبية والإذاعات ووكالات الأنباء وقد ألقى خلالها بيانا طويلا مما جاء فيه: ... إن الشعب الجزائري يؤكد تعلقه بالاستقلال الوطني وبحكومته... . كما أجاب عن أسئلة الصحفيين. نتائج المظاهرات: - أكدت المظاهرات الشعبية تلاحم الشعب الجزائري وتماسكه وتجنيده وراء مبادئ جبهة التحرير الوطني للقضاء على سياسة ديغول ومخططاته. - أظهرت هذه المظاهرات حقيقة جرائم الاستدمار الفرنسي أمام الرأي العام العالمي حيث سقط عدد كبير من الشهداء والجرحى وأسفرت عن العديد من المعتقلين في صفوف الجزائريين. - أثبتت المظاهرات للجنرال ديغول وللعالم بأسره أن الثورة الجزائرية ثورة شعب يرفض كل أنواع المساومات بما في ذلك مشروع ديغول وقد نادى الجزائريون بصوت واحد: الجزائر جزائرية مما أجبره على استئناف المفاوضات مع جبهة التحرير الوطني الممثل الشرعي والوحيد للشعب الجزائري حينذاك. لقد كانت مظاهرات 11 ديسمبر 1960 حدثا تاريخيا مميزا في المسيرة النضالية للشعب الجزائري إذ وجه من خلالها رسالة قوية لسياسة فرنسا وعسكريها ودعاة الجزائر الفرنسية وعن مدى تلاحم الشعب الأبي والتفافه حول قيادته الثورية من أجل نصرة قضيته الوطنية فتجلت تلك الحقيقة الكبرى بعيدا عن الصورة البشعة التي ظل تغييبها من الإدارة الاستدمارية عن الرأي العام العالمي حيث اغتنم الجيش الفرنسي هذه المظاهرة السلمية ليقوم بمجازر بشعة ضد الشعب الأعزل. أثبتت تلك المظاهرات الشعبية بمختلف أرجاء الوطن إصرارها على افتكاك ما اغتصب منها ظلما وعدوانا ونجحت في كسر شوكة المستدمر وكذبت أسطورته الجزائر فرنسية بعد ما أثبتت للجنرال ديغول وللمعمرين الفرنسيين أن الجزائر لن تكن يوما أبدا تابعة لفرنسا. خاتمة: ما تزال مظاهرات 11 ديسمبر 1960 تمثل للأجيال محطة فخر واعتزاز في التاريخ النضالي من أجل التحرر من نير الاستدمار الغاشم ومنبع إشعاع دربها وتستلهم منها الدروس والعبر لمواجهة التحديات.