بقلم: صادق الطائي التوتر بين دونالد ترامب وفلولوديمير زيلينسكي ليس أمرا جديدا بل يعود بجذوره إلى الولاية الرئاسية الأولى للرئيس ترامب وتحديدا إلى قضية المكالمة الهاتفية بين الرئيسيين التي تسربت وكادت تسبب عزل الرئيس الأمريكي في القضية التي رفعها البرلمان الأمريكي ذو الأغلبية الديمقراطية عام 2019 إذ أفادت تقارير أمنية أن ترامب ضغط على نظيره الأوكراني في اتصال هاتفي يوم 25 جويلية 2019 لدفعه لفتح تحقيق عن بايدن المرشح الديمقراطي الأوفر حظا لخوض انتخابات الرئاسة وابنه هانتر الذي عمل في شركة تنقب عن الغاز في أوكرانيا. فشل الديمقراطيون حينذاك في عزل ترامب نتيجة سيطرة الجمهوريين على مجلس الشيوخ الذي لم يمرر قرار العزل. هذه الأيام تصاعدت حدة العداء بسرعة بعد استبعاد أوكرانيا من المحادثات بين الوفدين الأمريكي والروسي في المملكة العربية السعودية قبل أيام ما أثار غضب زيلينسكي واندلعت حرب التصريحات بينه وبين الرئيس ترامب يوم الأربعاء 19 فيفري في سلسلة ملحوظة من الاتهامات المتبادلة التي سلطت الضوء على الانقسام المتزايد والحاد بين واشنطن وكييف. دونالد ترامب ألقى اللوم على أوكرانيا في غزو روسيا للبلاد قبل ثلاث سنوات. إذ قال في مؤتمر صحافي ردا على غضب زيلينسكي نتيجة استبعاد أوكرانيا من اجتماع الرياض: كان يجب عليك إنهاء الأمر. كان يجب ألا تبدأه أبدا. كان بإمكانك عقد صفقة. كان بإمكاني عقد صفقة لأوكرانيا . وأضاف: ما كان ينبغي لك أن تبدأها أبدا أعتقد أن لديّ القوة لإنهاء هذه الحرب وأعتقد أنها تسير على ما يرام. لكن اليوم سمعت شكواه لم تتم دعوتنا. حسنا لقد كنت هناك لمدة ثلاث سنوات . وفي منشور على منصته (Truth Social) وصف ترامب زيلينسكي بأنه كوميدي ناجح إلى حد ما وأشار بقوة إلى عدم وجود دعم لأوكرانيا وزعيمها. وأضاف أن زيلينسكي الديكتاتور الذي لم يجر انتخابات في بلده عليه أن يتحرك بسرعة وإلا فلن يتبقى له بلد. أنا أحب أوكرانيا لكن زيلينسكي قام بعمل فظيع لقد تحطمت بلاده ومات الملايين دون داع وهكذا يستمر الأمر . * الانقسام المتزايد والحاد بين واشنطن وكييف أما أرقام المساعدات التي قدمتها الولاياتالمتحدةلأوكرانيا حسب تصريحات ترامب فقد تضاربت وتغيرت بين تصريح واخر إذ قال: أقنع زيلينسكي الولاياتالمتحدةالأمريكية بإنفاق 350 مليار دولار للدخول في حرب لا يمكن الفوز بها ولم يكن من المفترض أن تبدأ أبدا لكنها حرب لن يتمكن من تسويتها أبدا من دون الولاياتالمتحدة وترامب . وأضاف: لقد أنفقت الولاياتالمتحدة 200 مليار دولار أكثر من أوروبا وأموال أوروبا مضمونة بينما لن تحصل الولاياتالمتحدة على أي شيء في المقابل . لكن الأرقام التي ذكرها ترامب تتناقض مع المعلومات التي تشير لها المصادر الموثوقة مثال ذلك إحصائيات معهد كيل للاقتصاد العالمي. إذ تُظهر هذه الأرقام أن أوروبا التي تُحسب على أنها مجموع الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء الفردية خصصت 137.9 مليار دولار كمساعدات لأوكرانيا وهو ما يزيد بما يقرب من 119 مليار دولار على مساعدات الولاياتالمتحدة. ووفقا لأرقام البنتاغون فإن أكثر من نصف المساعدات الأمريكيةلأوكرانيا 66.5 مليار دولار كانت للمساعدات الأمنية المباشرة في شكل أسلحة متبرع بها. بدوره قال زيلينسكي للصحافيين في كييف: لسوء الحظ يعيش الرئيس ترامب – لديّ احترام كبير له كزعيم لأمة نكن لها احتراما كبيرا والشعب الأمريكي الذي يدعمنا دائما – للأسف يعيش في مساحة التضليل هذه . وأضاف: أتمنى أن يكون لدى فريق ترامب المزيد من الحقيقة. لأن كل هذا لا يؤثر بشكل إيجابي على أوكرانيا . كان زيلينسكي يرد على اتهام ترامب بأنه ديكتاتور وليس زعيما شرعيا وأن نسبة تأييده لا تتجاوز 4 في المئة. أوضح زيلينسكي: بينما نتحدث عن نسبة التأييد البالغة 4 في المئة فقد رأينا هذه المعلومات نحن نفهم أنها تأتي من روسيا. نحن نفهم ذلك ولدينا دليل على أن هذه الأرقام قيد المناقشة بين أمريكاوروسيا ومع ذلك وفقا لأحدث الأبحاث التي نشرها معهد كييف الدولي لعلم الاجتماع فإن 57 في المئة من الأوكرانيين يثقون بزيلينسكي الذي صرح لقناة (ARD) الألمانية العامة ردا على اتهامات ترامب قائلا: أنا رئيس أوكرانيا لأن 73 في المئة من الناس صوتوا لي. واليوم أنا رئيس لأن الأغلبية في بلدي تدعمني. أنا وطني تماما مثل الأشخاص الذين يدافعون عن بلدنا . وأشار إلى أن اتهامات ترامب مصدرها روسيا فما كان من ترامب إلا أن ينفي أن يكون طلبه بإجراء انتخابات في أوكرانيا مدفوعا بالروس. وقال: المطالبات بإجراء انتخابات في أوكرانيا ليست شيئا روسيا. هذا يأتي مني ومن العديد من البلدان الأخرى أيضا . وقد سُئل زيلينسكي في مؤتمر صحافي يوم الأحد 23 فيفري عما إذا كان مستعدا للاستقالة إذا كان ذلك يضمن السلام لأوكرانيا فقال: إذا كان ذلك يضمن السلام لأوكرانيا إذا كان الموقف بحاجة حقا إلى استقالتي فأنا مستعد. يمكنني استبدالها بالانضمام لحلف الناتو كضمانة أمنية لحفظ استقلال وأمن أوكرانيا . وكتب على منصة إكس: نحن بحاجة إلى بذل قصارى جهدنا لإحلال السلام الدائم والعادل في أوكرانيا. وهذا ممكن في وحدة جميع الشركاء – نحن بحاجة إلى قوة أوروبا بأكملها وقوة أمريكا وقوة كل من يريد السلام الدائم . كما رد يوم الأحد على طلب ترامب بالحصول على حصة بقيمة 500 مليار دولار من رواسب أوكرانيا من المعادن النادرة والمعادن الأخرى كجزء من مسودة صفقة قال ترامب إنها ستعكس مقدار المساعدة التي قدمتها الولاياتالمتحدةلأوكرانيا خلال حربها مع روسيا. وقد تم توجيه دعوة للرئيس زيلينسكي لزيارة واشنطن لتوقيع اتفاق المعادن النادرة مع الرئيس ترامب. وتوقع العديد من المراقبين أن يأتي زيلينسكي يوم 28 فيفري إلى واشنطن خاضعا مطيعا لشروط وعنجهية ترامب مستجديا دعمه للوقوف بوجه غطرسة بوتين. علق زيلينسكي يوم الأحد 23 فيفري قائلا إن نهجه مع إدارة ترامب براغماتي . وقال: لا مجال للعواطف هنا . وفي إشارة إلى تصريحات ترامب عنه قال الزعيم الأوكراني: من الواضح أنني لن أقول إن كلمات الرئيس ترامب عني هي مجاملات للروس على أقل تقدير . بدوره تراجع الرئيس ترامب يوم الخميس 27 فيفري قبيل اجتماع البيت الأبيض في واشنطن عن انتقاداته الحادة الأخيرة للرئيس الأوكراني عندما سأله أحد المراسلين في مؤتمر صحافي مع رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر عما إذا كان لا يزال يعتقد أن زيلينسكي كان ديكتاتورا أجاب ترامب: هل قلت ذلك؟ لا أصدق أنني قلت ذلك. ثم أردف السؤال التالي . تفجرت القنبلة في لقاء تحول إلى مشادة كلامية تاريخية في المكتب البيضاوي يوم الجمعة 28 فيفري بين الرئيس زيلينسكي من جهة والرئيس ترامب ونائبة فانس من جهة أخرى. إذ اتهم ترامب الرئيس الأوكراني بأنه يقامر بإشعال حرب عالمية ثالثة قائلا له إن ما تفعله يُظهر عدم احترام للبلد الذي دعمكم بأكثر مما كان ينبغي من وجهة نظر كثيرين . فأجابه زيلينسكي قائلا: أُكنِّ كل احترام لبلدكم . وارتفعت أصوات المجتمعين أمام الكاميرا ليقول ترامب: سيكون اتفاقا صعب التوقيع لأن السلوكيات يجب أن تتغير . وقال نائب الرئيس الأمريكي جيه دي فانس لزيلينسكي: قُل كلمة شكر للولايات المتحدة وللرئيس الذي يحاول أن ينقذ بلادكم . وقال ترامب: بلدك في مشكلة كبيرة ليجيب زيلينسكي: أعرف أعرف . وأضاف ترامب: لولا أننا أعطيناكم مُعدّات عسكرية لكانت هذه الحرب انتهت في غضون أسبوعين اثنين . فأجاب زيلينسكي قائلاً بل في ثلاثة أيام. لقد سمعتُها من بوتين ليردّ عليه ترامب قائلا: على هذا النحو سيكون إنجاز عمل أمراً في غاية الصعوبة . وعلى أثر هذه المشادة غادر زيلينسكي البيت الأبيض فيما أُلغي المؤتمر الصحافي الذي كان مقررا عقده بين الرئيسين. ووفقا لشبكة (CBS) الأمريكية غادر الوفد الأوكراني المكتب البيضاوي بعد المشادة الكلامية إلى غرفة منفصلة وهناك طلب منهم مستشار الأمن القومي مايك والتز ووزير الخارجية ماركو روبيو مغادرة البيت الأبيض. وعبر منصّته الخاصة كتب ترامب: بإمكانه العودة لاحقاً عندما يكون مستعداً للسلام .