بقلم: لطفي العبيدي ما رافق وصول دونالد ترامب لرئاسة الولاياتالمتحدة في الفترة الأولى من مسارات التحول المعادي للديمقراطية ومعاناة المهجرين والأقليات واللاجئين ومشاكل حقوق الإنسان وتغييب مبادئ القانون الدولي الإنساني والتنصل من الاتفاقيات الدولية وتصعيد نسق الحروب الاقتصادية والتجارية تتكرر مظاهره وربما تتعمق هذه المرة مع عودته إلى البيت الأبيض بالشكل الذي هو عليه حين يتخذ قرارات انفعالية غير مدروسة من شأنها أن تدفع أمريكا نحو المجهول سياسيا واقتصاديا. دونالد ترامب يعود مجددا إلى تسييس المسائل الاقتصادية والبحث عن تكتلات والضغط على الحلفاء ومحاولة إجبارهم بطريقته الخاصة على الاختيار بين علاقة عسكرية توفر لهم الأمن وهي مع الولاياتالمتحدة بالطبع وعلاقة اقتصادية من شأنها تحقيق الرفاه الاجتماعي لشعوبهم عبر انفتاحهم الاقتصادي على الصين. مرحلة خطيرة في العلاقات الثنائية المتوترة بين واشنطن وبكين تُعزز بإرادة أمريكية خالصة ومثل هذا المنعرج يأتي بعد الانسحاب الأمريكي المتكرر من الاتفاقيات الدولية وفرض عقوبات على موظفي المنظمات الأممية وشن حروب تجارية والقمع الوحشي لشركات التكنولوجيا الفائقة الأجنبية واعتقال مسؤولين تنفيذيين للشركات الصينية دون وجه حق. جميع هذه الوقائع التي أقدمت عليها الإدارة الأمريكية ومعظمها في عهد ترامب تُثبت أن الولاياتالمتحدة هي التي ترفض التنافس بطريقة عادلة ومتساوية وشفافة وهي سيئة السمعة في هذه الجوانب عوض محاولة إدارة الخلافات وضبط التنافس حتى لا تصل إلى مهاوي خطيرة لا يخشى الجانب الأمريكي حتى الآن من انزلاق الأمور إلى مواجهة كارثية. هناك تخبط أمريكي ملحوظ بفعل التحولات العالمية الجديدة على صعيد التحالفات التي ترفض استمرار النظام الدولي بالطريقة التي وضعتها أمريكا وحلفاؤها الغربيون. محور جديد بدأ بالتشكل في العالم وهو مبني على الاضطرابات في تلك الدول وتهديد مصالحها وأمنها القومي من طرف المعسكر الغربي. وتمدد هذا المحور الذي تقوده موسكو وبكين يعني تغييرا في المشهد الجيوسياسي العالمي على اعتبار أنّ هذه الدول ناقمة على النظام الدولي بشكل علني وهذا التعاون الذي يجمعها ويقلق واشنطن وشركاءها ويعيق قراراتهم اتسع بالتزامن مع الحرب في أوكرانيا على نحو تسريع وتيرة العلاقات الاقتصادية والسياسية والعسكرية والتكنولوجية. *مشروع الحركات الشعبوية في أنحاء العالم من تقلبات الرأي العام إلى عواقبها المفترضة أو إلى الوراء من فشل المؤسسات الديمقراطية إلى أسبابها فإن الارتباط المنطقي الذي يحكم العلاقة بين الرأي العام وأزمات الديمقراطية توفره مسارات طبيعة الحكم في أمريكا هذه الأيام وهي تزيد في استقطاب المؤسسات السياسية ناهيك من الهويات السياسية المستقطبة هي الأخرى وجميعها تقود النظام الأمريكي نحو الأزمة. تشكل عودة ترامب مرة أخرى لرئاسة الولاياتالمتحدة برؤية انعزالية وقومية تعزيزا لمشروع الحركات الشعبوية في أنحاء العالم وهي مؤشر لتواصل الانقسام داخل أمريكا القائم بطبعه على أسس أيديولوجية وثقافية واقتصادية تشحنها الدوافع السياسية والطموحات الفردية. تأثير الشركات في القرار السياسي يبدو واضحا في كثير من الأحيان ومنطق الهيمنة والتعالي الذي يتمسك به الرئيس المثير للجدل ليس إلا تفسيرا للسياسات الأمريكية في العقود الأخيرة. تواصل الولاياتالمتحدة ممثلة في الدولة العميقة احتواء القوميات الاقتصادية واتباع سياسة الحظر التي احتاجت إلى ترتيبات تضمن وضع اليد على نفط العالم وثرواته في توافق مع طبقة رجال الأعمال في أمريكا. سلوك الإدارة الأمريكية الحالية كسابقاتها لا تتحقق بسببه الانفراجة السياسية الإقليمية ولا الدولية بل يزيد في تعقيد العالم وإرباك العلاقات الدولية. في التعامل مع المنطقة لا فرق بالنسبة للإدارتين الجمهورية والديمقراطية كلاهما يشتركان في النهب والسلب ودعم كيان وظيفي إحلالي فاشي يحقق مصالح أمريكا في الشرق الأوسط دون ذلك لم تهتم الولاياتالمتحدة يوما بالشعوب وحقها في الحياة الكريمة ولم تبد أي خطوة للسلام وتحقيق الاستقرار ودعم تحرير فلسطين وحقها في أن تكون دولة مستقلة وحرة. سياسة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تثبت أنّ تداخلات الفواعل الدّولية لم تنجح في بناء عالم ما بعد كورونا على أسس تُقلّص من حدة الأزمات بل عمّقت النزوع نحو الصّراع بدل التّوافق. فواعل دولية قديمة لا تتغيّر استراتيجيتها القائمة على القوّة والسّيطرة والتّحكم وبتوصيف صيني أفعال الولاياتالمتحدةالأمريكية تثبت دبلوماسية الكذب والغش والسرقة . الحرب التجارية مع الصين أضرت بالاقتصاد الأمريكي في فترة حكم ترامب السابقة ويبدو أنها ستفشل مجددا في تحقيق أهداف سياسية رئيسية يطمح إليها الرئيس الأمريكي عبر إعلان مثل هذه الحرب التجارية. هذه الحرب التي سبق وقللت من النمو الاقتصادي وكلفت الولاياتالمتحدة مئات الآلاف من فرص العمل. وُصفت بأنها خطة لتركيع الصين عن طريق إغلاق السوق الأمريكية أمامها يبدو أنّ حصيلتها ارتدادية وما حدث بالفعل هو أن العجز التجاري للولايات المتحدة اتسع إلى أكبر مستوى على الإطلاق وهو ينذر بتداعيات عالمية خطيرة ارتباطا بعملة التبادل التجاري الدولار وما يسببه من أزمات مالية عالمية. في المحصلة التباين بين الطرفين الأمريكي والصيني في عديد الملفات منها التنافس التجاري والتكنولوجي وقضية تايوان وبحر الصين الجنوبي وأيضا ملف كوريا الشمالية وغيرها من القضايا تُبقي الاختبار الحقيقي في ترجمة التفاهمات واقعيا وليس عبر تصريحات عابرة أو رسوم جمركية اعتباطية لم تثبت سابقا جدواها بل زادت في تأزيم العلاقات الاقتصادية وتعقيد مسائل التجارة العالمية.