بقلم: مالك التريكي ثمة مبالغات في التحليلات التي ترى في الاجتماع الأخير لمنظمة شنغهاي للتعاون ولادة نظام دولي جديد. فالمنظمة قائمة منذ عام 2001 في شكل ناد مفتوح للجميع تقريبا ولكن لا إمكان للقول إنها نجحت في بلورة وحدة مصالح ثابتة من النوع الكفيل بإنشاء بديل للنظام الحالي الذي لا يزال سائدا رغم أنه صار لفرط اختلاله أقرب إلى اللا-نظام. صحيح أن بين معظم الدول المشاركة في اجتماع قمة تيانجين مطلع هذا الشهر تشابها في طبيعة الأنظمة تراوحا بين التسلط والاستبداد والدكتاتورية (مع امتياز لروسيا التي تعزز القمع الداخلي بالعدوان الخارجي). وصحيح أن بعض الظرفاء وضعوا هذا الاجتماع تحت عنوان يا طغاة العالم اتحدوا! . ولكن الصحيح أيضا أنْ ليس بين هذه الدول من جامع إيجابي قوي قابل للاستمرار سوى مناهضة الغرب عموما والولايات المتحدة خصوصا. والأرجح أن حاكم الهند الهندوسي المتطرف نارندرا مودي ما كان ليحضر اجتماعا في ضيافة العدو الصيني (!) لولا سخطه من الغدر الترامبي متمثلا في الرسوم الجمركية الباهظة والتهديد بالمزيد إضافة إلى ازدراء الاقتصاد الهندي بأنه ميت ! (بينما الحقيقة أنه مرشح لتجاوز الاقتصاد الألماني ليصير بحلول عام 2028 أقوى اقتصاد في العالم بعد الأمريكي والصيني). ومناهضة أمريكا رابط سلبي النوعية محدود الفعالية بل هو أوهن حتى من الرابط الذي كان يجمع بين أعضاء حركة عدم الانحياز التي انتمى إليها منذ مطلع الستينيات معظم دول العالم الثالث. ورغم أن عدم الانحياز كان موقفا معقولا في عهد الحرب الباردة نظرا إلى أن دول إفريقيا وآسيا كانت منهمكة في معركة البناء الوطني والتنمية الاقتصادية وأن الانحياز لأحد المعسكرين الرأسمالي أو الشيوعي لم يكن ليخدم مصالحها القومية فإن الحركة سرعان ما انقسمت بسبب التنافر القوي الذي كان سائدا بين الدولتين العضوين الكُبريين الهندوالصين وبسبب انعدام الرؤيا المشتركة للقضايا العالمية باستثناء المطالبة المتكررة منذ 1973 بنظام اقتصادي دولي جديد ومنذ 1979 بنظام إعلامي دولي جديد. ولهذا فإن هذه الدول لم تحدث تغييرا معتبرا في السياسة العالمية إلا في حالات معدودة مثل مثابرتها في مناهضة نظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا وثباتها على نصرة القضية الفلسطينية حيث إن الأغلبية العالمثالثية هي التي مكنت ياسر عرفات من إلقاء خطاب في الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1974 وهي التي فرضت عام 1975 إصدار قرار للجمعية العامة يعدّ الصهيونية ضربا من العنصرية. * نظام غربي خالص كما أن المفارقة الصارخة التي يُغفل عنها دوما في الحديث عن النظام الدولي البديل الذي يقال إن دول الجنوب الشامل تسعى إلى إنشائه للتخلص من الهيمنة الغربية هي أن الصينوروسيا اللتين تتزعمان هذا المسعى إنما هما ركنان من أركان النظام السائد حاليا الذي يشيع الظن بأنه نظام غربي خالص! فكلتاهما عضو في مجلس الأمن الدولي الذي هو ليس في واقع الأمر سوى تأبيد سلطوي لما تمخضت عنه الحرب العالمية الثانية أي إنه تكريس قانوني لما كانت عليه أوضاع العالم قبل ثمانين سنة! فيكفي أن تتواطأ الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن على قرار ما حتى يصير بمجرد إصداره جزءا من القانون الدولي ويكفي أن تستخدم الصين أو روسيا الفيتو حتى تتعطل الإرادة الدولية. من ذلك مثلا أن روسيا استخدمت الفيتو 17 مرة لمنع إدانة جرائم السفاح المقهقه كما أن الصين لا تزال تمنع أي إدانة للغزو الروسي لأوكرانيا. على أن اجتماع تيانجين بعث رسالتين: الأولى مقصودة وهي استعراض القوة العسكرية الصينية. أما الثانية وهي الأعمق والأدلّ فهي ما التقطه الميكرفون عرَضا من حوار خاص بين حاكمي الصينوروسيا حول أعمار البشر. قال شي: لقد كان من النادر في الماضي أن يعيش المرء إلى سن السبعين أما الآن فثمة من يقول إنك إذا كنت في السبعين فأنت لا تزال طفلا. أجابه بوتين: مع تطور التكنولوجيا الحيوية أصبح في الإمكان زرع الأعضاء البشرية باستمرار بحيث يبقى الناس شبابا على الدوام بل ويبلغون الخلود. فقال شي مساندا: تذكر بعض التوقعات أن من الممكن أن يعيش المرء خلال هذا القرن إلى سن ال150! أصل الحكاية أن كِلا الطاغيتين تجاوز ال72 من العمر. ولولا ذلك لما كان هذا الحوار المتلهف للاستبشار بوعود الخلود في الكرسي أبدا أو شطر أبد!