من المفارقة ألاّ تتوقّف الإدارة الأمريكية عن دعم وتشجيع هؤلاء الشجعان الذين يطالبون بحرّياتهم المدنية في الشرق الأوسط بكلمات دافئة ومحفزّة، بينما كان على الحكمة أن تتذكّر جرمها الأثيم والمستمرّ بالانتهاكات الفظيعة لحقوق الإنسان من خلال اعتقال الأبرياء في غوانتانامو دون تهمة واحدة، وبعد سنوات من تعهّد أوباما من إغلاق سجن غوانتانامو· (بدنيا لستُ على ما يرام) هذا جزء من رسالة بعثها شاكر عامر سجين سعودي يحمل الجنسية البريطانية ويبلغ من العمر 45 عامًا، إلى أسرته بعد حلول الذّكرى السنوية العاشرة على نقله مع المعتقلين من قاعدة باغرام في أفغانستان إلى معتقل غوانتانامو في كوبا، والذي ما يزال يقبع خلف القضبان دون تهمة موجّهة إليه· أرسل عامر إلى أسرته خطابًا يقول فيه: (حالتي الصحّية متردّية، وأعاني من التهاب في المفاصل ومشاكل صحّية أخرى بالكلى والقلب والسمع والبصر، كما تساقط شعري، فضلا عن آلام في المعدة، لكنه يستدرك ليطمئنّ أولاده قائلا: (إلاّ أنني رغم هذا ما زلت بخير)· في ذكراه العاشرة نتذكّر مقولة رامسفيلد وزير الدفاع الأمريكي السابق حينما افتتح معتقل غوانتانامو ووصف المعتقلين بأنهم (أسوأ السيّئين)، وبينما ما يزال غوانتانامو يحمل بين قضبانه حوالي 171 سجين دون تهمة أو خضوع لمحاكمة تحلّ ذكراه العاشرة لتوصف (بذكرى العار) للأمريكيين وللعالم بأسره· عندما نقرأ رسائل شاكر عامر هل يستدعي ذلك منّا ضرورة الاهتمام بتفاصيل الرسائل بشأن حالته الصحّية المتردّية؟ بالطبع ينبغي علينا ذلك وليس فقط من أجل صحّته هو وبقّية المعتقلين أو أنه تمّ الزجّ بهم طيلة عشر سنوات دون تهمة أو محاكمة، لكن لنتذكّر أننا نتعامل مع أناس حقيقين مثلنا· لقد عاش عامر عقده الأخير في غوانتانامو طيّ النّسيان، فقد ذهب إلى هناك شابّا في منتصف الثلاثينات حتى أصبح رجلا أشيب في منتصف الأربعينات، وما زال في المعتقل، تعرّض خلالها للتعذيب والحبس الانفرادي وقام بالعديد من الإضرابات عن الطعام، كما تحدّث في رسائله عن أيّام طوال مضت دون أن تغمض له عين ويحرم النّوم بسبب آلام التعذيب. ولم يكن عامر وحده في طيّ النّسيان، فقد شاركته زوجته وأولاده في لندن والذين ألقوا في طيّ عذاب الانتظار دون اتّصال به أو تفسير لاعتقاله دون أن يعرفوا إلى من يلجأون، لا سيّما وأن شاكر لم يرَ طفله الأصغر حتى الآن، وإلى هذه الدرجة تكرّس الولايات المتّحدة الأمريكية هذا الظلم وتتجاهل حكوماتها المتعاقبة القانون وتنفيذه، بل وتغافلت عن المبدأ القديم والأساسي لحقّ المحاكمة العادلة· ليس ثمّة شكّ في أننا وفي ذكرى السنة العاشرة لمعتقل غوانتانامو يجسّد هذا الجرم نموذجًا حقيقيًا للعار الذي يلحق بالولايات المتّحدة، حيث أنها هي المسؤولة عن تدهور السلطة الأخلاقية الجماعية للإدارة الأمريكية وشركائها ومن غير المقبول أن نسمح لذلك بأن يستمرّ طويلا، فإذا ما ارتكب عامر أو أيّ من بقّية المعتقلين جرائم جنائية فينبغي أن يخضعوا لمحاكمة عادلة تضمن العدل على جميع المستويات، فلا يمكن أن نتصوّر أن يبقوا في غوانتانامو إلى أجل غير مسمّى· ورغم مطالبة المملكة المتّحدة مرارًا وتكرارًا الإدارة الأمريكية بإطلاق سراح شاكر عامر باعتباره سجينا بريطانيا وعودته إلى بريطانيا، يجب على وزير الخارجية البريطاني وليام هيغ الاستمرار في ممارسة كلّ الضغوط الممكنة لكي يذعن الأمريكان لهذه المطالب والإفراج عن السجين البريطاني دون تأجيل أكثر من ذلك، فقد أمضى وقتا طويلا بالفعل ويكفي ظلمًا وحتى لا تأتي الذّكرى القادمة (للعار)·