عدون يستقبل القائم بالأعمال بالنيابة بسفارة كوريا    الحكومة نجحت في كسب رهان الدخول الاجتماعي.    الجزائر ترحّب بالتئام مؤتمر حل الدولتين    الجزائر تواجه فلسطين ودياً    تكريم الأندية العاصمية المتوّجة    والد لامين جمال: ابني الأفضل    الجزائر تحتضن اللقاءات الأفرو-أوروبية السابعة    كرة القدم/الرابطة الأولى "موبيليس" : إجراء مباريات الجولة السابعة يومي 3 و 4 أكتوبر    الشق رفيع المستوى للجمعية العامة للأمم المتحدة: السيد عطاف يجري بنيويورك مقابلة مع رئيسة جمهورية ناميبيا    السيد جلاوي يؤكد على أهمية التنسيق بين شركات الانجاز لاستكمال إنجاز الخط المنجمي الشرقي    العداء "جمال سجاتي": أنا سعيد بميداليتي الفضية وهدفي الذهب في الألعاب الأولمبية 2028    تطوير المشهد الرقمي في الجزائر: تنظيم لقاء تشاوري مع صناع المحتوى    السيدة بن دودة تدعو الحكواتيين إلى المساهمة في نقل التراث المحكي الجزائري إلى الأجيال الصاعدة    استهداف دبابة إسرائيلية في مدينة غزة..ارتقاء 38 شهيداً وإصابة 190 فلسطيني خلال 24 ساعة    تصفيات مونديال 2026 (الجولة 9 - مجموعة 7) : وهران تستعد لمباراة الصومال - الجزائر    حصيلة أسبوعية للحماية المدنية: 28 وفاة و1679 جريحا في حوادث المرور    مدرسة الشطية للأطفال المعاقين سمعيا… نموذج رائد في الإدماج البيداغوجي والاجتماعي    عندما تؤكّد الأمم المتحدة ارتكاب إسرائيل الإبادة الجماعية    كيف تدمر الحروب الغربية حضارة الشرق الأوسط؟    الصيدلية المركزية للمستشفيات: نحو ارتفاع مخزون الأدوية والمستلزمات الطبية بأزيد من 25 بالمائة في 2026    صناعة صيدلانية: ضرورة مضاعفة الجهود لإدماج الابتكار والرقمنة في الانظمة الصحية الوطنية    جامعة الجزائر 2 : السيد بداري يشرف على تدشين معهد "كونفوشيوس" لتعليم اللغة الصينية    الفريق أول شنقريحة يستقبل رئيس المصلحة الفدرالية للتعاون العسكري والتقني لفدرالية روسيا    مجلس التجديد الاقتصادي الجزائري يختتم مبادرة توزيع الأدوات المدرسية على الأسر المعوزة    السيدة شرفي تشرف على مراسم افتتاح دورة تكوينية حول حقوق الطفل وإعداد التقارير الدولية    ارتفاع مستمر للدفع عبر الأجهزة الإلكترونية    لدخول اجتماعي بلا حوادث..    انطلاق تصفيات أولمبياد المهن    الجامعة الجزائرية هي القلب النابض للتنمية    هذا جديد إذاعة القرآن    وزيرة الثقافة والفنون تشرف على اجتماعين لدراسة واقع السينما الجزائرية    سحر الموسيقى التركية يلقي بظلاله في ثالث سهرة للمهرجان الدولي للمالوف    مهمتنا خدمة المواطن..    مؤتمر حل الدولتين: عباس يشيد بدور الجزائر في نصرة القضية الفلسطينية    التأكيد على"أهمية المضي قدماً في مسار رقمنة القطاع    إعداد خارطة تكوين جديدة تتماشى مع رؤى "جامعة الغد"    المشاريع المنجمية الكبرى ستخلق الثروة ومناصب الشغل    ضرورة وضع المواطن في صميم اهتمامات القطاع    ترحيب فلسطيني بالخطوة التاريخية لدول غربية كبرى    المشاريع المصادرة ستنطلق شاء من شاء وأبى من أبى    نعمل على الانتقال من التضامن الاجتماعي إلى التضامن الاقتصادي    الاحتلال يُكرّس سياسة التجويع في غزة    حماد يبرز أهمية التكوين المستمر لإطارات القطاع    ناصري يثمّن الاعترافات الدولية المتتالية بدولة فلسطين الشقيقة    المهرجان الدولي للمالوف للاستمتاع بألحان الموسيقى الأندلسية : أداء قوي وشحنة من الأحاسيس طبعت السهرة الثانية    الاحتفال باليوم الوطني للصحة المدرسية في 29 سبتمبر    اجتماع تقييمي ل"منصة رشد" للمكتبات المسجدية    وزير الاتصال يتفقد عدداً من المؤسسات الإعلامية    أهدي الميدالية للشعب الجزائري ورئيس الجمهورية وقيادة الجيش    تحرير للعقل وتفصيل في مشروع الأمير عبد القادر النهضوي    الكونغو الديمقراطية : تفشي "إيبولا" عبء إضافي يُفاقم أزمة البلاد    إقرار جملة من الإجراءات لضمان "خدمة نموذجية" للمريض    تحية إلى صانعي الرجال وقائدي الأجيال..    يعكس التزام الدولة بضمان الأمن الدوائي الوطني    الإمام رمز للاجتماع والوحدة والألفة    أبو أيوب الأنصاري.. قصة رجل من الجنة    من أسماء الله الحسنى (المَلِك)    }يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ {    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الحضارات والدين والسياسات العالمية
نشر في أخبار اليوم يوم 16 - 04 - 2012

عنوان المقال هو اسم كتاب حرره بيتر كاتزنشتاين، وكتب فيه عدة أساتذة بارزين في تاريخ الحضارة، وفي العلاقات بين الحضارات، وفي الاستراتيجيات الموضوعة على أساس منها حقا أو ادعاء·
ولا ينكر كاتزنشتاين في البداية أن هذا الموضوع (أي الحضارات وقواعدها وعلائقها ومصائرها)، كان الشغل الشاغل للمؤرخين والأنثروبولوجيين والاستراتيجيين طوال عقود، وإنما في الأعم الأغلب بدوافع سياسية أو استراتيجية مباشرة· وهو يريد مع زملائه - وبعد هدوء غبار المعارك - العودة إلى الموضوع، باعتباره عاملا فعليا: (وليس وهميا في السياسات العالمية والصراعات الاستراتيجية)· ما هي المعارك التي أثيرت ولماذا؟ يذكر كاتزنشتاين أنه لا يعرف بالتحديد كيف بدأ التفكير في أن (صراع الحضارات) سوف يحل محل صراع النظم والدول والمحاور، وأن (الحضارة الإسلامية)، التي كان ذكرها في الدراسات قد تراجع كثيرا لصالح مسميات وترابطات أخرى، سيكون لها دور قائد في عملية أو عمليات المواجهة للحضارة الغربية التي صارت حضارة العالم· ثم يشير المحرر إلى أن هناك إشارات في أعمال برنارد لويس لهذا الأمر، وبتركيز شديد على الإسلام· وهو يعتقد أن الجوانب الثقافية والتاريخية لهذه الرؤية أثرت كثيرا في صمويل هنتنغتون وأطروحته بشأن صدام الحضارات، لكن عقلية هنتنغتون - كما تشير إليها كتاباته منذ مطالع السبعينات - جعلته يجد في الشيوعية أولا، ثم في الإسلام ثانيا، خطرا شاملا وداهما، وربما لو بقي حيا لتجاوز الإسلام إلى الصين، أو ألمانيا، دونما تردد! اختار كاتزنشتاين أن يضع في مطلع مقالات الكتاب مقالة الأنثروبولوجي جيمس كورت بعنوان: (الولايات المتحدة بوصفها قائدا حضاريا)· وقصة هذا القائد الحضاري قصة طريفة بعض الشيء، إذ في الأصل أن البروتستانت البريطانيين والألمان إنما ذهبوا إلى المنفى بأمريكا هاربين من الاضطهاد الأوروبي الكاثوليكي والحياة الفقيرة· وكانوا يهدفون إلى بناء (مدينة على جبل) بحسب مقولة الإنجيل، أي مطهرة بعيدة عن أوضار العالم وأوساخه· لكنهم وبالتدريج اضطروا إلى لعب دور الفاتحين في التحرر من الاستعمار البريطاني، وفي ضم الولايات بعضها إلى بعض، وفي تأمين البحار من حولهم وصولا إلى المحيط الهادي وإلى الفلبين· ثم تطورت مصالحهم الاستراتيجية بحيث أرادوا أن يكافحوا القرصنة في البحر المتوسط والمحيط الهندي - وكل ذلك قبل أن يدخلوا إلى أوروبا دخول الفاتحين في الحرب العالمية الأولى فالثانية· وهذا التحول بعيد المدى في التوجه من الانعزال إلى الامتداد الاستراتيجي العالمي، صاحبته الدعوة الطهورية والإحساس بالرسالة، وفي الأول تجاه الذات، واليوم تجاه الغير· وقد تعمق هذا الإحساس، بحيث ما عاد هناك فصل واضح بين مصالح الولايات المتحدة، وأهدافها الأخلاقية، على الأقل في الخطاب المتداول· وهناك أمارات كثيرة على أن العالم ضاق ذرعا بالولايات المتحدة ورسالتيها، إنما لا بديل حتى اليوم عن قيادتها رغم الإنذارات الكثيرة التي توجهها إليها الأحداث، وتوجهها إليها صعودات العوالم الأخرى· إنما لماذا ينبغي اعتبار الصعود البرازيلي أو الهندي أو الكوري مثلا خصما لأمريكا؟! الكاتب يقول: إنه لو كان الأمر اقتصاد سوق وحسب، فستحكمه قضايا عملية بحتة وتنافس وتلاقيات· إنما المشكلة أن الإحساس الرسالي (الذي يتعالى من وقت لآخر)، يطرح نفسه حتى في مباحثات التبادل التجاري، في مسائل العلاقات مع البلدان الفقيرة· ونحن نعلم أنه عندما كانت الولايات المتحدة تقود حملة شبه استعمارية في فيتنام بحجة الشيوعية ومكافحة الهيمنة الروسية - الصينية، كانت حركة حقوق مدنية كبرى بعناوين دينية تقاد فيها، كما كانت تدعم الكفاح ضد العنصرية في جنوب أفريقيا· ولا شك أن انتهاء الحرب الباردة، وبروز أقطاب آخرين، وبعض المغامرات الحربية التي قامت بها، كل ذلك أضعف من القيادة الأمريكية أو جعلها أقل صدقية، إنما الذي يبقى أنه لا بديل منها حتى الآن قطبا أوحد أو مجموعة أقطاب·
ويختلف الوضع مع النزوع الحضاري الأوروبي أو الممارسة الحضارية، في المقالة التي كتبها إيمانويل آدلر، الأمريكي، عنها· فأوروبا توشك أن تتجرد من الأعمال والمطامح الاستعمارية، كما أنها توشك أن تصبح مجتمعات تعددية رغم نضالها المضاد· ويضاف لذلك مستوى الحياة المرتفع والراقي، والانشغال النوعي بحياة الإنسان وتنمية الإنسانية· وصحيح أن هذه المنازع تأسست في أوروبا قبل ثلاثة قرون ونيف، لكن أحدا ما تنبأ لأوروبا بهذا المصير المنير وبخاصة بعد تلوثها بالاستعمار، وانغماسها في حربين عالميتين· وعندما عادت أوروبا للنهوض، حملت قشرة مسيحية، لكنها حملت أكثر موروثا مدنيا مدوه وهما وحقيقة إلى ما قبل الرومان واليونان! ما الذي دفع أوروبا باتجاه هذه المقدمة أو الواجهة؟ الولايات المتحدة بحمايتها للاستقرار بأوروبا بعد الحرب _ دون التدخل في الشؤون الداخلية والاقتصادية - هي التي مكنت من ذلك· لكن الأوروبيين أيضا انصرفوا إلى استثارة موروثهم المدني ورعايته· وتجنبوا الحروب والمغامرات الصغيرة، فضلا عن الكبيرة· وهذه المدنية القوية الأوروبية لها نقاط ضعفها· وقد تبين ذلك من هشاشة قدرتها على التصدي لأحداث تفكك يوغوسلافيا· فلولا الولايات المتحدة لكانت الفوضى العارمة لا تزال مشتعلة! ولليابان موقف حضاري، وموقع جغرافي يشجع عليه· فهي حضارة مركزة على ذاتها، ولا تريد من أحد أن يفرض عليها شروطه وأفكاره· وعندما دخلها الأمريكيون عقب الحرب الثانية انكمشت على نفسها بطرائق دفاعية، ثم اندفعت في عمليات البناء الذاتي· ومثلها في ذلك مثل كوريا الجنوبية، التي نهضت بسرعة وكفاية منقطعة النظير· لكن الدولتين تبحثان عن التوازن وليس عن الغلبة - والتوازن إحساس داخلي وليس في العلاقة مع الغير· بيد أن الوضع مثله مثل العالم العربي، فقد تعرضت اليابان لضغوط شديدة جعلتها أو جعلت فريقا من أدبائها يثورون من أجل العزة الوطنية· وقد خفتت هذه الضغوط ومضاداتها، إنما الحقيقة الباقية أن الشعب الياباني شعب مكتف، ويستطيع العيش وحده في الأساس: (إنما بربكم وبعد هذا العيش وهذا النجاح في العالم: هل تبقى اليابان داخل شرنقة الاكتفاء الذاتي· إن اكتفى الإنسان، فإن السوق لا تكتفي)! وبحسب سوزان رودولف، التي كتبت مقالة بعنوان: (أربعة تنويعات على أوتار الحضارة الهندية)، فإن الدارس للهند وحضارتها هو أمام أحد خيارين: خيار هنتنغتون الذي يعتبر الدين أساسا للحضارة· والخيار الآخر الذي يعتبر الحضارة بنى متراكبة ومتشابكة ومتعددة ومتداخلة، بحيث يصعب الحديث عن روح للحضارة· وتختار سوزان رودولف المدخل الثاني رغم شهرة الأول· فالهند اعتنقت دينا (الهندوسية)، وصدرت دينا آخر (البوذية)، لكن الدينين لا يستوعبان روحها ولا انتشارها الحضاري· وانتشارها انتشار سلمي، وقد لا تلحظها إلا في رؤية الناس للحياة وللعالم من حولهم· إنما كما تعرضت الهند وتتعرض لمتغيرات عميقة في ظل النهوض الاقتصادي وسواد السوق، فكذلك تتعرض (روحها)، إذا صح التعبير، للتغيير· إنما الذي تحسبه سوزان رودولف أن تغير صورة العالم عن الهند أسرع من تغير صورتها عن نفسها·
ويرى ديفيد سي كانغ كاتب التاريخ الصيني أنه من الصعب الحديث عن الصين من دون إطار الدولة· فهي متكاثرة الثقافات الفرعية التي توحدت في ظل دولة مركزية منذ أزمنة متطاولة· وقد توالت على الصين عهود وأسر وإمبراطوريات متعددة الأجناس (بمن في ذلك المغول رغم السور العظيم)· وللصين شخصية متميزة، لكنها لا تقوم على الدين بالمعنى المعروف· وأبرز مميزاتها هذا الاحترام للذات، وحفظ مسافة من الاحترام مع الآخر غير المعادي· فالروح الآسيوية الحالية هي روح صينية· (وفي حين أن الدول في أوروبا زادت من التقاتل فيما بينها كلما ازدادت قوة، فإن الدول في آسيا الشرقية ضاعفت من إضفاء سمة الاستقرار على العلاقات القائمة فيما بينها، كلما تعاظمت قوتها)·
ويسمي بروس لورنس الحضارة الإسلامية الأفرو-أوراسية، حضارة جسرية· ولذلك سبب أو أسباب يشرحها في مقالته الممتعة بكتاب الحضارات· فقد أقام فالرشتاين كتابه: النظام العالمي (1-2) على المركز والأطراف· والمركز أمريكا وأوروبا، والأطراف الصين واليابان - أما أشباه الأطراف فهي الاقتصادات الصاعدة مثل الهند والبرازيل وجنوب أفريقيا· ويستغرب لورنس تجاهل فالرشتاين لعالم الإسلام· وهو يرد على ذلك باستعمال نظرية مارشال هودجسون في كتاب: تجربة الإسلام (1-3) (1972)، إذ يذهب هودجسون إلى أن الإسلام التاريخي بمناطقه الست الحضارية هو جسر كبير بين حضارات العالم القديم والجديد· وردا على أوهام التمايز والخصومة، يذكر لورنس كتاب ريتشار بوليت الطريف: دفاعا عن الحضارة المسيحية - الإسلامية· فقد كان الإسلام في تاريخه الثقافي والتجاري فيما بين الشرق والغرب، واليهودية والمسيحية، والمحيط الهندي والبحر المتوسط، كان في كل هذه المواقع والأزمنة وإلى اليوم جسر تواصل· أما التوترات التي تظهر بداخله، فهي ناجمة عن الضغوط الهائلة التي مورست عبر التاريخ والحاضر على هذا الجسر بقصد هدمه أو سده أو تعويقه·
كتاب (الحضارات) الذي حرره كاتزنشتاين، وترجمه فاضل جتكر في سلسلة عالم المعرفة الكويتية، كتاب مراجعة ونقد وود واستنارة بعد عاصفة صدام الحضارات، وحروب الواقع·


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.