يشكل تقهقر أحزاب التيار الإسلامي في الانتخابات المحلية المنظمة نهاية نوفمبر المنصرم، دليلا آخر على أن الجزائر أصبحت تشكل فعلا الاستثناء فيما يتعلق بالمعطى الإسلاموي ضمن الخريطة السياسية العامة، فالتجربة الجزائرية فيما يتعلّق بمشاركة الإسلاميين في السلطة ليست وليدة اليوم بل تعود إلى 18 سنة مضت، عكس ما تعيشه الدول التي طالها ما اتفق على تسميته »الربيع العربي«، التي اعتُبر وصول الأحزاب السياسية إلى الحكم فيها تغييرا جذريا في خارطتها السياسية. يفسّر التراجع الكبير للأحزاب الإسلامية أمام أحزاب التيار الوطني بعد تسجيلهم أسوأ نتيجة انتخابية لهم منذ أول اقتراع تعددي في 1990، يفسّر بشكل واضح أن النسخ التونسية والمصرية وحتى المغربية لن تتكرر في الجزائر، فهذه الأخيرة لم تنتظر انتخابات تجديد المجالس الشعبية البلدية والولائية أو التشريعيات ولا حتى الرئاسيات، لتمكين أحزاب التيار الإسلامي من الوصول للسلطة، فالتجربة التي عاشتها منذ قرابة عقدين من الزمن، والتي بدأتها بإقرار التعددية الحزبية وتكريس الديمقراطية، سمحت لأن تكون تلك الأحزاب ضمن الحكومة وفي دوائر اتخاذ القرار، كما أن وضع الإسلاميين في الجزائر يتعارض تماما مع وضعهم في العديد من دول المنطقة خصوصا في مصر وتونس، أين كان أصحاب هذا التيار مضطهدين وممنوعين من ممارسة السياسية والمشاركة في السلطة، قبل ما أصبح يعرف ب»ثورات الربيع العربي«. الاستثناء الذي عاشته بعد الدول الجارة لا يمكن أن يطبق في الجزائر، فإسلاميون الجزائر في السلطة ويشاركون في الحكومة منذ 1994، وما مردّ تراجع شعبيتهم سوى بعض العوامل المتعلقة بالأوضاع السياسية والاجتماعية المتعاقبة التي عاشتها الجزائر، والتي تأتي في مقدمتها فترة التسعينيات وحمام الدم الذي غرقت فيه الجزائر والعشرية السوداء التي دفعت خلالها أرواح الأبرياء، كلها عوامل ساعدت على تقهقر الأحزاب الإسلامية وتراجع شعبيتها من منطلق أن الشعب لديه قناعة بأن للإسلاميين يد فيما حدث، كما أن الكثيرين فقدوا الثقة في تلك الأحزاب، التي ساعدت الانشقاقات التي عاشتها وتعيشها على فقدانهم امتدادها الشعبي. قبل التشريعيات الأخيرة، كان هناك توجه عام حول تراجع أحزاب التيار الإسلامي، وهو ما أكدته النتائج الهزيلة التي حصدتها تلك الأحزاب في محليات الخميس الماضي، فحمس مثلا لم تحقق نتائج باهرة رغم تحالفها مع النهضة والإصلاح، وسجلت تراجعا واضحا مقارنة بمحليات 2007، وما تحصُّل تكتل »الجزائر الخضراء« على الأغلبية في 10 بلديات مقابل 16 بلدية عادت الأغلبية فيها لحمس لوحدها في محليات 2007، إلا تأكيد للنتائج التي سجلتها هذه الأحزاب الإسلامية في التشريعيات الأخيرة حين حصلت على 61 مقعدا من أصل 462 في البرلمان.