الجزائر-تونس-ليبيا : التوقيع على اتفاقية إنشاء آلية تشاور لإدارة المياه الجوفية المشتركة    اجتماع الحكومة: دراسة مشاريع قوانين وعروض تخص عدة قطاعات    سفير كوبا الجديد يشيد بعمق العلاقات التاريخية بين بلاده والجزائر    نقل جثامين الجزائريين المتوفين بالخارج.. توضيح وزارة الشؤون الخارجية    بروتوكول تفاهم مع الشركة العمانية للطاقة    هلاك 11 شخصا وإصابة 272 آخر بجروح    عنابة: مفتشون من وزارة الري يتابعون وضع بالقطاع    شركة طاسيلي للعمل الجوي: تسخير 12 طائرة تحسبا لحملة مكافحة الحرائق لسنة 2024    "العفو الدولية": إسرائيل ترتكب "جرائم حرب" في غزة بذخائر أمريكية    الصّهاينة يواصلون جرائمهم بالقطاع وعمليات إخلاء بالشمال    الاعترافات بدولة فلسطين..انتصارات تتوالى    البوليساريو تدعو مجلس الامن مجددا الى اتخاذ إجراءات عاجلة لتمكين الشعب الصحراوي من حقه في تقرير المصير    الجزائر/تونس: الاتفاق على تنظيم يوم إعلامي حول الصيد البحري لفائدة المستثمرين من البلدين    فلسطين: ترحيب بقرار حكومتي جامايكا وباربادوس الاعتراف بالدولة الفلسطينية    إحباط محاولات إدخال 78 كيلوغراما من الكيف المعالج عبر الحدود مع المغرب خلال أسبوع    السيد عطاف يستقبل رئيس مجلس العموم الكندي    الفريق أول شنقريحة يشرف على تنفيذ تمرين تكتيكي بالرمايات الحقيقية بالناحية العسكرية الثالثة    فتح صناديق كتب الشيخ العلامة عبد الحميد بن باديس الموقوفة على جامع الجزائر    وزير التربية انتقل إلى عين المكان والعدالة فتحت تحقيقا: إصابة 6 تلاميذ في انهيار سقف بمدرسة في وهران    إهمال الأولياء يفشل 90 بالمائة من الأبناء    نصف نهائي كأس الجمهورية: اتحاد الجزائر – شباب بلوزداد ( اليوم سا 21.00 )    غائب دون مُبرر: إدارة لاصام مستاءة من بلحضري    مدرب اتحاد الشاوية السعيد بلعريبي للنصر    وزير الخارجية أحمد عطاف يصرح: الوضع المأساوي في غزة سيبقى على رأس أولويات الجزائر    وزير البريد في القمة الرقمية الإفريقية    وزير الإشارة العمومية يعطي إشارة الانطلاق: الشروع في توسعة ميناء عنابة و رصيف لتصدير الفوسفات    فيما وضع حجز الأساس لإنجاز أخرى: وزير الطاقة يدشن مشاريع ببسكرة    وزير الداخلية يكشف: تخصيص أزيد من 130 مليار دينار لتهيئة المناطق الصناعية    برنامج استثماري لتفادي انقطاع الكهرباء خلال الصيف    وزير العدل يدشن مقر مجلس القضاء الجديد بتبسة    البروفيسور نصر الدين لعياضي يؤكد من جامعة صالح بوبنيدر    فيما شدّد وزير الشؤون الدينية على ضرورة إنجاح الموسم    اجتماع حول استراتيجية المركز الوطني للسجل التجاري    مولودية الجزائر تقلب الطاولة على شباب قسنطينة وتبلغ نهائي كأس الجزائر للمرة العاشرة    الجزائر تشارك في معرض تونس الدولي للكتاب    تأسيس جائزة وطنية في علوم اللغة العربية    اختتام ملتقى تيارت العربي للفنون التشكيلية    مجلس الأمة يشارك في مؤتمر بإسطنبول    مباراة اتحاد الجزائر- نهضة بركان : قرار الكاف منتظر غدا الاربعاء كأقصى تقدير    فلاحة: السيد شرفة يبحث مع نظيره التونسي فرص تعزيز التعاون    قسنطينة: السيد عون يدشن مصنعا لقطع غيار السيارات ووحدة لإنتاج البطاريات    تكتل ثلاثي لاستقرار المنطقة ورفاه شعوبها    الرقمنة طريق للعدالة في الخدمات الصحية    سايحي يشرف على افتتاح اليوم التحسيسي والتوعوي    بلومي هداف مجددا في الدوري البرتغالي    تمنطيط حاضرة للعلم والأعلام    الوقاية خير من العلاج ومخططات تسيير في القريب العاجل    رجل الإصلاح وأيقونة الأدب المحلي    ماندريا يُعلّق على موسمه مع كون ويعترف بتراجع مستواه    إشادة ألمانية بأول تجربة لشايبي في "البوندسليغا"    معالجة 245 قضية إجرامية    حج 2024 : استئناف اليوم الثلاثاء عملية حجز التذاكر للحجاج المسافرين مع الديوان الوطني للحج والعمرة    منصّة رقمية لتسيير الصيدليات الخاصة    حكم التسميع والتحميد    الدعاء سلاح المؤمن الواثق بربه    أعمال تجلب لك محبة الله تعالى    دروس من قصة نبي الله أيوب    صيام" الصابرين".. حرص على الأجر واستحضار أجواء رمضان    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



محي الدين عميمور يفتي بدعم الإخوان المسلمين !
ردّا على '' أن المعارضة تنتقم من الشعب المصري''
نشر في صوت الأحرار يوم 27 - 02 - 2013

كنت أتوقع مسبقا وأنا أطلع على المقابلة المنشورة في جريدة صوت الأحرار 31-02-2013 مع د. محي الدين عميمور (أجرى المقابلة خالد.س)،بأن تكون المرجعية الفكرية له هي تجربة حركة التحرر العربية، بل وكنت أتوقع تقييما لهذه التجربة بسلبياتها وإيجابياتها، خاصة أن مصر والحركة السياسية الفاعلة اليوم، قد أعادت الاعتبار لهذا التراث وما العودة لإحياء وتجديد الإرث الناصري، حيث ترتفع صور الرئيس جمال عبد الناصر في مصر وغيرها من دول الربيع العربي، كذلك حصول المرشح الناصري حمدين صباحي على ما يقارب خمسة ملايين صوت مؤيد له. سوى المؤشر لذلك ...أيضا فالجزائر ذاتها الركن المؤسس في هذا المسار وفي هذه التجربة، هو ما كان على السيد عميمور وغيره الإسترشاد بهذه التجربة ومراجعتها.أن هذا الإرث الذي لايمكن قراءة السير الذاتية للنخب التي قادت الثورة الجزائرية التنصل منه، هو ما على البعض تقييمه والتجديد والإضافة إليه.
● إن مرحلة النصف الثاني من القرن العشرين غنية التجربة، ونحن لا نريد أن نقف عندها بل نريد أن نعتبرها قاعدة يمكن البناء عليها، خاصة أنها المرحلة التي أعادت للعرب بكافة أقطارهم حضورهم الذاتي، وهذا ما قد إنعكس بعد سبعينيات القرن المنصرم إلى النكوص و التراجع دون أن يصار حتى الآن للسؤال عن ماهية هذه النكسة وعن أسبابها، وكيف يمكن قراءة التحولات والتطورات ، وصولا إلى الوقوف عند الأحداث المهمة التي تعرفها مصر وغيرها من بلدان عربية اليوم؟.
2 تشهد الجزائر ، حراكا سياسيا وفكريا في تقييم مسار هذه التجربة وغيرها . إن هذا الحراك الذي تمثل بمئات المقالات والدراسات والشهادات التي كان هدفها تقييم مرحلة الإستقلال وتأسيس الجمهورية الجزائرية، هو ما كان على محي الدين عميمور أن يعتبره مرجعا له في شهادته على هذا الصعيد، وأن يساهم في الحوار مع المتحاورين بشأنه. لذا يمكن من خلال مراجعة هذه النصوص ، إستخلاص العبر والنتائج. وحيث المطلوب ليس فقط الوقوف عند المشاريع الوطنية، بل أيضا البدء بتلمس مشروع مغاربي عربي إفريقي أسيوي عالمي . وهذا ما نطمح أن تساهم فيه كل الفعاليات المعنية بمستقبل العرب، خاصة النخب الجزائرية منها.
3 في مصر، وحيث يطغى الحدث الداخلي على ما عداه من أحداث عربية، يقوم المثقفون العرب بالمتابعة والإدلاء بآرائهم، خاصة أن التجربة المصرية ستساهم في رسم صورة إيجابية إذا نجحت وسيكون العكس من ذلك إذا فشلت.
لقد إندفع دكتور محي الدين عميمور بالإدلاء بدلوه حول هذه التجربة، وسنقوم بتلخيص وجهة نظره، تمهيدا للنقاش و الحوار مع ما أورده من أفكار في المقابلة المشار إليها بدءا ينكر عميمور وجود قوى سياسية فاعلة في مصر غير الإخوان المسلمين قوى تمثل ثقلا شعبيا، ويرى بأن معارضي الرئيس محمد مرسي ونحن لا ننكر شرعية وجوده في هذا الموقع ينفذون مخططا'' للإنتقام من الشعب المصري '' واصفا المشاركين في المظاهرات والتحركات بأنهم في مواقع مماثلة لما كانت تفعله القوى المؤيدة للرئيس مبارك، والذين كانوا يقولون له '' أسفين يا ريس''. ويضيف عميمور بأن الأغنياء الذين إستفادوا من ذاك النظام والذين يملكون الملايير ، هم من يساعدون جبهة الإنقاذ ويقفون ضد الرئيس مرسي. وبالتالي ضد الإخوان المسلمين. ويرى بأن المظاهرات ضد مرسي ما هي ''إلا محاولة لاستنساخ تظاهرات 25 يناير المعادية لمبارك حيث تدفع ز أموال هائلة لشراء الذمم وتحريك الشارع ''. والهدفس تحقيق وجود فاعل لجبهة الإنقاذ في الانتخابات التشريعية المقبلة. والملاحظ أن انتقادات دكتور عميمور للإخوان تبدو خجولة، إذا لم تكن معدومة، قياسا على الانتقادات الموجهة لجبهة الإنقاذ. وهو الذي يعترض على المطالبين بحكومة ائتلافية أو بحكومة وحدة وطنية. فمن يطالبون بهذه أو تلك هم فاقدو الحضور التمثيل الشعبي، في حين أنهم يرغبون بانتزاع مواقع في السلطة عن طريق ضغط الشارع وكأن مرآة عميمور هنا وفيما يشير إليه ما حصل في الجزائر عام 1991 والخلاصة التي يصل إليها عميمور أن ''الشرعية الثورية أي شرعية الإخوان ستظل القاعدة للشرعية الثورية''. ويختتم معتبرا بأن جبهة الإنقاذ تضم كل من يكرهون مرسي. وأن الأمور في مصر تتجه نحو الهدوء بفضل فشل جبهة الإنقاذ في إثارة الجماهير-
-4 بداية لا أحد ينكر شرعية حصول الرئيس مرسي على ما ناله من أصوات أهلته للوصول إلى هذا الموقع ، كما أنه لا أحد ينكر أو لا يعترف من أن الإخوان كتيار سياسي هم جزء، وليس كل، من مكونات الشعب . هم الأول من حيث التمثيل الشعبي أمام مجموعة متساوين في مصر. فهل جبهة الإنقاذ تمثل ثقلا شعبيا في مصر ؟ وهل هي تنفذ مخططا للإنتقام من الشعب المصري؟ وهل من الخطأ المطالبة بحكومة إئتلافية أو حكومة وحدة وطنية ؟ وهل أن الإخوان يمثلون الشرعية الثورية دون غيرهم من تيارات سياسية مصرية ؟ أيضا هل الوضع المصري يسير نحو الهدوء بفضل فشل وضعف جبهة الإنقاذ المتآمرة على مصر وشعبها ؟.
إن العودة إلى الأرقام التي حصل عليها الإخوان وغيرهم في مصر، تبين لنا بأن الإخوان في الدورة الأولى حصلوا على حوالي ستة ملايين ونصف من أصوات الناخبين، بينما حصل حمدين صباحي وأبو الفتوح وعمرو موسى وأحمد شفيق على ثمانية عشرة مليون صوتا، بينما في الدورة الثانية فقد حصل الرئيس مرسي على ما يزيد على ثلاثة عشرة مليون صوت في حين حصل أحمد شفيق على ما يزيد على إثنى عشر مليونا. وللإشارة فإن المرشح الناصري حمدين صباحي كانت القوى التي انتخبته بمعظمها من سكان المدن ، بينما الأقلية من سكان هذه المدن أيدت الرئيس مرسي.
فهل ما نشير إليه يكفي لإعطاء شرعية لتيار جبهة الإنقاذ؟ وهل بعد الذي نقدمه يمكن القول بأن الإخوان هم الوحيدون الذين يمثلون إرادة وتوجهات الشعب المصري؟وهل الثمانية عشرة مليونا هم من ينفذون مخططا للإنتقام من الشعب المصري، وبأنهم من كانوا يدعمون حسني مبارك من قبل ؟ وأليس المطالبة بحكومة إئتلافية أو حكومة وحدة وطنية ، هو مطلب عادل؟ وألا يرى معي دكتورعميمور بأن القسم الأكبر من هؤلاء هم من القاعدة الشرعية الثورية والتي كان لها السبق في التحرك وبالتالي في إسقاط مبارك؟.وهل أن استبعاد هؤلاء يساهم في الهدوء الذي يرغب به عميمور وغيره ممن تنحجب عن أنظارهم الحقيقة المجردة ؟ وهل الإستقرار في مصر مرتبط بإستقرار سلطة الإخوان ؟ نحن لا ننكر أن جبهة الإنقاذ وغيرها من الجماعات الاسلامية وهذا ما على دكتور عميمور أن يلتفت إليه، بأنه ليس عند القوى السياسية التي قادت التغيير بشقيها اليساري التقليدي والإسلامي السلفي التقليدي مشروعا يمكن المراهنة عليه.
وهذا ما يؤدي وأمام ما نشير إليه من فراغ، من أن تلعب القوى المضادة أي التي إستفادت من الحكم السابق، مما يحصل في مصر من فوضى وعدم إستقرار، ولكن يا صديقي، فإن القوى المضادة تلعب على الساحة المصرية للحفاظ على مصالحها وحماية الثروات المنهوبة، وبالتالي فإنها تلعب لحسابها وليس لحساب غيرها.
5 يرى المتابع للحراك في مصر بأن الرئيس مرسي، ولعدم إستجابته، وبالتالي إستجابة الإخوان للدعوات المطالبة بحكومة إئتلافية أو حكومة وحدة وطنية، بأنه يدير دفة الحكم في مصر ممثلا لتيار سياسي وليس ممثلا لمن دفعوا الثمن الحقيقي لإسقاط مبارك، وخاصة من الأجيال الجديدة.
هذه الأجيال وغيرها من قوى وكفاءات عالية هي المستبعدة عن كل موقع، جيل الأنترنيت والفيس بوك و التويتر وغير ذلك . فهل من العدل أن يختصر المشهد السياسي بالإخوان دون غيرهم ؟ وليتذكر السيد عميمور إلى ما آلت إليه اللجنة التي تشكلت لصياغة الدستور المصري، والتي استقال معظم أعضائها ولم يبق سوى الإخوان والبعض من حلفائهم.
نقول البعض ، وها نحن نرى التيار السلفي وقد ابتعد عن الإخوان ، منتهجا مسارا خاصا به. في حين أن المطلوب مشاركة الجميع في هذه الصياغة، وليس استبعاد القوى المنافسة أو التي تعترض على سياسة الإخوان.
وألا يرى معي بأن عدم جدية الإخوان في الحوار مع بقية مكونات المجتمع المصري من المنافسين الذين يعتبرهم الإخوان أقلية غير فاعلة، وهو ما يراه عميمور أيضا ، بأن ممارسات من هذا النوع ترتفع لمصاف إعتبار الإخوان وكأنهم القدر؟ ?وألا يرى عميمور أيضا بأن شعار الوئام المدني أو المصالحة والذي عرفته الجزائر بعد العشرية الحمراء هو ما يجب أن يسترشد به ، دون الوقوف عند الحدث الجزائري بذاته، فالمطلوب التقييم والنقد لمرحلة مبارك والسادات تلك المرحلة التي أوصلت مصر إلى ما وصلت إليه.فالسادات اعتبر بأن حرب أكتوبر عام ثلاثة وسبعين هي آخر الحروب، وهو من أتى بجهاز المخابرات الأمريكية لحمايته، وهو تحت حجة الإنفتاح الإقتصادي شرع لما يزيد عن ألفي شركة أجنبية لإستيراد الإنتاج الأجنبي ، مما أدى إلى تدمير ما بنته ثورة يوليو. أضف أنه أفقد مصر إستقلالية قرارها السياسي حينما قطع علاقات مصر السياسية مع الإتحاد السوفياتي، ووضع مقدرات مصر بيد أمريكا، رافعا شعار تسعة وتسعون بالمئة من أوراق الحلول من مشاكل الشرق الأوسط بيد أمريكا.
إن ما نشير إليه من ضرورة النقد والتقييم لما عرفته مصر وغيرها من أقطار عربية يدفعنا للعودة إلى ما كانت عليه مصر قبل عام 1970 - لقد كانت مصر تملك كل ما بين أيدي مواطنيها من حاجات فالجنيه آنذاك مثلا كان يساوي الثلاثة دولارات والإقتصاد المصري عام ,1963 حسب تقييمات شارل بتلهايم وسمير أمين، أكثر تطورا من الإقتصاد الكوري الجنوبي ، وأقل تطورا من الإقتصاد الياباني، ونسبة الأمية التي كانت عام 1953 تتجاوز 90% هي ذاتها وقد انخفضت عام 1970 وحين وفاة عبد الناصر إلى 30 % ، وأيضا مصر هي القائدة لتيار عالمي فاعل، تيار عدم الانحياز، وناصر هو الأول بين زعماء هذا التيار العالمي. لذا، فإن تشكيل الرافعة التي ساهمت في إسقاط مبارك، تمثلت في مشاركة الجميع وتقتضي اليوم حكومة وحدة وطنية أو ائتلافية . وهذا هو المدخل لصياغة الدستور الذي منه ستتبلور وتنبثق الإرادة الجديدة للشعب المصري عودة إلى ما يقوله عميمور نقول: إن هذه الرافعة التي تجمع كل المكونات التي لها مصلحة بالتغيير هي المؤهلة لصياغة مشروع سياسي إقتصادي إجتماعي لإدارة المؤسسات المصرية ولإعادة موقع مصر كقائدة على الصعيدين العربي والإقليمي . فالتوافق كما يقول محفوظ عبد الرحمان :'' له الأولوية'' إذ أن القوى الإقتصادية أو السياسية أو العسكرية مهمة، وهي كذلك ، ولكن الأهم هو تماسك الجبهة الداخلية . فهل الإخوان سيضطلعون بهذا الدور، ويؤسسون بالتالي لهذا الإستقرار الذي يربطه عميمور بالإخوان دون غيرهم ؟.
الإخوان وموقعهم في الحياة السياسية المصرية
نرى مما سبق وتقدمنا به، أن كافة شرائح المجتمع المصري، خاصة المتوسطة والفقيرة، كانت المستفيد الأكبر من تجربة الرئيس عبد الناصر، فعبد الناصر إنحاز إلى الفقراء وخطط لمصر قوية بأغلبية سكانها وليس بالأقلية منهم فقط.
إن المشروع الناصري ، حين رؤيته من مختلف جوانبه ، نراه بأنه توجه لتصفية الإرث الإقطاعي الإستعماري الذي كان سائدا قبل عام 1952 ، وهذا المشروع هو الذي إستفادت منه شرائح الفقراء خاصة المنضوين إلى صفوف الإخوان وغيرهم ، وفي حين عمل المشروع الناصري خاصة المشروع التنموي والتربوي، للتخلص من ثقافة الخدم أي ثقافة الإستعباد والإقطاع والإستعمار أي الإرتقاء بالمجتمع المصري إلى ثقافة العمل ، ثقافة المؤسسات النقابية إلى الثقافة التي تخدم إنسانية الإنسان . إلا أننا نجد بأن الثقافات التي سادت في مرحلتي حكم السادات ومبارك هي عودة إلى ما كان عليه الوضع قبل ثورة يوليو، أي الإنحياز إلى الأغنياء دون الإهتمام ببقية شرائح المجتمع ، وهذا ما أوصل مصر إلى أن تفقد إستقلالية قرارها وتعاد السيطرة الإستعمارية غير المباشرة وأحيانا المباشرة، خاصة الأمريكية على القرار والمقدرات المصرية
ويمكن متابعة هذه السياسة من خلال إرتفاع نسبة الأمية والتي وصلت إلى حدود ال 50 % وإرتفاع نسبة البطالة التي تعدت الخطوط الحمراء، وهجرة الكفاءات والإختصاصات من مصر إلى غير بلد عربي وأجنبي ، وإنخفاض مؤثرات الدور المصري الإقليمي والدولي إلى الحضيض، أضف إنخفاض سعر الجنيه المصري، وصولا إلى التدني غير المسبوق للمستويات الإجتماعية والتربوية والثقافية إلى ماهي عليه الآن.
كل ذلك يمكن الإستناد إليه وإعتباره الدافع والمؤثر الذي دفع عشرات الملايين من الشعب المصري للتحرك من أجل التغيير، وبالتالي لإسقاط حكم مبارك، مع ما يترتب على ذلك من أن الهدف النهائي هو التحرر من الإستعمار الأمريكي المتحكم بشكل أو بآخر بإرادة المصريين، خاصة وببقية قرارات الدول العربية عامة.
6 لذا، فحين نتحدث عن تنظيم الإخوان، فإننا نتحدث عن كتلة سياسية إجتماعية، لديها بنية ثقافية هي هذه التي تكونت و نمت تاريخيا خاصة خلال فترة حكم السادات ومبارك. كما أن سياسة هذين النظامين قد انعكست سلبا على الوضعية الإجتماعية لهذه الكتلة. إن هذه البنية للإخوان هي الأكثر هشاشة بل هي الأكثر هجانة عن غيرها، إذ أن أغلبية المنتمين إليها من الأميين بل وأكثريتهم من العاطلين عن العمل وكأنهم بثقافتهم وبوضعيتهم التربوية المتدنية والموروثة يوجهون سياسة هذا التنظيم للإخوان وبالتالي مسار قياداته والتي هي المرآة عن هذا الواقع.
كما أن ما كان الإخوان يطرحونه من الناحية السياسية تاريخيا، لم يصل أبدا إلى مشروع يسعى للإرتفاع بالمستويات المعيشية ليس فقط بواقع هذه الشريحة التي يمثلونها، وإنما بواقع الشرائح الأخرى من المجتمع المصري، فالإخوان تاريخيا كان لديهم مشاريع خيرية لمساعدة الشرائح الإجتماعية الفقيرة، ولكنهم لم يطرحوا أبدا مشروعا لتحسين وضعيات هذه الشرائح وبالتالي لإدارة مؤسسات الدولة أو لبنائها وتطويرها. لقد كان عندهم مؤسسات موازية لمؤسسات الدولة. لذا فإنه دون وجود مشروع سواء من تنظيمات الإخوان أو التنظيمات اليسارية التقليدية فإن مشاريع القوى المضادة داخل مصر خاصة والمشاريع الأجنبية الأمريكية وغيرها فهي المستمرة في السيطرة والهيمنة، وبالتالي فإن مصر دون مشروعها الوطني القومي سيعني بأن واقع الفقراء سيبقى على حاله تماما كما كان في عهدي السادات ومبارك. وللإشارة فإن الأمكنة التي تقطن فيها هذه الشرائح، هي المناطق العشوائية في محيط المدن كذلك في الأحياء الفقيرة داخل هذه المدن وتلك المناطق والأحياء -التي تفتقد إلى كل شيء من خدمات صحية أو غير صحية- والتي يعيش فيها ما يزيد عن 40٪ من سكان مصر.
إن إرهاب المعارضين لنظامي السادات ومبارك كانت تتم عبر تجييش وتجنيد البعض من هذه الشرائح ضد المعارضين لسياسات هذين النظامين وبقدر ما كان نظام مبارك الأخير يستفيد من جهل هذه الشرائح وكما يقول جلال عامر زفكل دجال يلزمه جاهل وكل طاغية يلزمه جبان ز هذا بالضبط المثل الذي كان يطبق على الحكم في مصر بعد وفاة الرئيس عبد الناصر عام .1970 لقد تحولت مصر تدريجيا وبعد تلك الفترة إلى مزرعة تديرها الحيتان.
الفتاوى الإسلامية لخدمة نظامي السادات ومبارك وبالتالي لخدمة الإخوان
إن عملية إرهاب المعارضين لنظامي السادات ومبارك، كانت تتم بطرق مختلفة، أهم تلك الطرق ما كان رجال الدين خاصة الذين ينتمون إلى الإخوان المسلمين، يصدرونه من فتاوى عشوائية، لقد أفادت تلك الفتاوى ليس فقط نظام مبارك، وإنما أيضا تنظيم الإخوان، ولكن أليست هذه الفتاوى التي تأتي بإسم الدين هي مواقف سياسية، وبالتالي ليس لها صلة بالدين مطلقا، فلا أحد مكلف من الله ولا من أنبيائه لإصدارها.
فهل الله أو رسوله وأنبياؤه يريدون فعلا سحل المنافسين لحكم الدكتور محمد مرسي؟ وهل الإخوان وتنظيمهم الخاص، مكلفون ومن الله ورسوله بقتل قادة جبهة الإنقاذ في مصر؟ وهل يسمح الإسلام دين المغفرة والتسامح والمحبة والغفران بعدم معايدة الأقباط في أعيادهم؟ أليست هذه الفتاوى يا دكتور عميمور تؤسس لخلق مناخات لحروب أهلية، وبالتالي للتمييز العنصري بين أهل الوطن الواحد في مصر؟ وألا تدفع هذه الفتاوى البعض من سكان الوطن الأقباط مثلا للخوف بل والحذر من حكم الإخوان وحلفائهم؟ وألا تؤسس أيضا مطالبة البعض بحكم الشريعة أي حكم الخلافة الإسلامي دون حكم القانون المدني، إلى مطالبة البعض لتقسيم مصر، تماما كما حصل في السودان، حينما دعا عمر البشير لتطبيق الشريعة، مما حدا بالمسيحيين للدعوة إلى الإنفصال، وهذا ما قد تكرس وتحقق؟ أيضا ما الموقف من الفتاوى التي صدرت في الخمسينيات بحق طه حسين وعلي عبد الرازق وغيرهما العشرات، والتي طالبت بقتلهما لخروجهما حسب ظن الجماعة عن الدين؟.
هنا نسترجع الفتوى التي أصدرها الشيخ حسن البنا والتي دفعت أحدهم لقتل القاضي الخزندار، لقد سؤل البنا قبل قتل هذا القاضي، ما رأيكم بحاكم يحكم بغير ما أنزل الله ويوقع الأذى بالمسلمين؟ فكان جوابه (إنما جزاء الذين يحاربون الله والرسول ويسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض ) وهذا ما اعتبره الجاني الذي قتل القاضي الخزندار إذنا بالقتل.
وأيضا ماذا يقول المدافعون عن ممارسات الإخوان وفتاويهم وتشريعاتهم التي قضت بقتل فرج فودا الذي طالب كما طالب من قبل علي عبد الرازق وغيره بفصل الدين عن الدولة ؟ فما كان من بعض المشايخ أن اتخذوا فتاوى بالقتل؟ وما هو الموقف من الفتاوى التي صدرت بقتل نجيب محفوظ وناصر حامد أبو زيد وأخيرا وليس آخرا شكري بلعيد في تونس؟ ألا تدفع هكذا ممارسات وفتاوى للقول بأن الإخوان يحاولون فرض عقد إذعان على كل من يختلف معهم؟ وماذا يعني أن تصدر فتاوى مطالبة بالقتل الجماعي لقادة جبهة الإنقاذ ولسحل المواطنين المسالمين وكما يفعل الشيخ وجدي غنيم؟ أليست المطالبة بحكومة وحدة وطنية ائتلافية الهدف منه مواجهة السياسة الخاطئة للإخوان وتصويبها؟.
لقد أجاب المجرم الذي حاول اغيتال نجيب محفوظ عن سبب فعلته فقال: (إنه يقوم بذلك من أجل مصلحة الأمة؟ )فهل حقا مصلحة الأمة تقتضي بقتل نجيب محفوظ وأيضا بسحل المتظاهرين وبالتالي بقتل المنافسين للإخوان والذين صدرت بحقهم هكذا فتاوى؟. يبدو أن قتل الأفراد لم يعد كافيا، لذا فقد أفتى هؤلاء بالقتل الجماعي، فهل هذا ما على المنافسين للإخوان الرضوخ له والإستجابة؟.
لقد أدانت المؤسسة الفقهية في الأزهر هذه الفتاوى، وتنصلت منها، ولكن هل يكفي ذلك؟ أو أن المطلوب محاكمة هؤلاء وجرهم إلى السجون ليأخذوا قصاصهم العادل، وقبل هذا وذاك تنحيتهم عن مناصبهم والتشهير بما قاموا به؟.
أيضا ما الموقف من الفتاوى التي تعيد إلى الأذهان أسوأ فترات المرحلة الإقطاعية وثقافة العصور الوسطى، والتي يرى أصحابها بأن المرأة كائن ناقص. لقد صدر مواربة في مدونة الأحوال الشخصية من أن المرأة مكملة للرجل وليست مساوية له. فماذا يقول السيد عميمور وغيره عن هكذا ممارسات سياسية للإخوان، الذين لا يطرحون مشروعا سياسيا، ولا عقدا إجتماعيا يؤكد المساواة الكاملة بين المواطنين، وحيث العقل والعلم هما المرجعيتان للمستقبل. أليست الفتاوى التي يصدورنها بالعشرات يوميا هي للهروب من طرح البديل أي المشروع الذي نشير إليه؟ وماذا يقال عن أحد قيادات الإخوان خيرت الشاطر، حين سئل عن رأيه بما تطرحه وسائل الإعلام فقال (إنه لا يرى التلفزيون ولا يسمع الإذاعة ولا الأغاني ولا يحضر المسرح؟. فهل بهذه الفتاوى وغيرها يتم تعزيز ثقافة القانون وتشجيع الفنون؟ وبالتالي التأسيس للمساواة المواطنية؟. إن هذه التنظيمات التي تستغل الدين تحت مسميات شتى، والتي تربي أفرادها على الحقد والكراهية، وبالتالي على القتل ورفض الحوار، هي التي تنهج نهجا سياسيا لا يمكن أن يؤدي إلا إلى الديكتاتورية والإستبداد. يا صديقي عميمور وأنا رأيتك مرات ولكن ليس من حوار بيننا كما أني أتابع الكثير مما تكتبه، ولكن، فإذا كانت الآلهة لا تخطئ فإن الإخوان ليسوا بآلهة وعندهم من الأخطاء ما لا يمكن تحمله، وبالتالي فعلينا أن نضع تصرفاتهم في مجال النقد دون خوف أو مجاملة أو الوقوف مواقف إنتهازية. إن فتاوى الإخوان ومواقفهم التي أشرنا إلى بعضها، تعتبر تدخلا سافرا في شؤون الفرد الذاتية، وهي إختيار لحلول سهلة لتصفية الخصوم؟ كما أنها فتاوى تساهم بإهدار القيم الإنسانية. صديقي عميمور علينا أن ننتظر ولكن ليس بالبعيد ما ستفعله القوات المسلحة المصرية؟ . فهل بعد هذا يمكن الوثوق وبالتالي الركون إلى سياسات الإخوان واعتبار ما يخططون له هو لمستقبل مصر ولخير أبنائها ؟. شكرا دكتور عميمور لأنك أفسحت المجال للحوار لنا بشأن موضوعات كان من الصعب الحوار بشأنها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.