الجزائر" المحروسة" تحتفي باليوم الوطني للجيش الوطني الشعبي    ضرورة تفعيل مبادرة الشراكة الجديدة لتنمية إفريقيا (نيباد)    13 سبتمبر المقبل موعد انطلاق الدروس في كل مؤسسات القطاع    التزام ثابت بتقوية قدراته المالية من أجل خدمة الاقتصاد الوطني    الجزائر وسبع دول أخرى تقرر زيادة في إنتاج النفط    ارتفاع حصيلة الضحايا إلى 60839 شهيدا    معرض للصور يوثق نضال النساء الصحراويات بألمانيا    المنتخب الوطني يعود الى أرض الوطن    وفاة 9 أشخاص وإصابة 283 آخرين    أمواج عالية على عدة سواحل    السوق الموازية في مرمى نيران الحكومة    الدخول المدرسي يوم 10 سبتمبر المقبل    استحداث منصب مندوب "حماية المعطيات ذات الطابع الشخصي"    حذف المنصّة الإلكترونية "الإشارة للمغرب"انتصار للشرعية الدولية    الإعلام الإسباني يفضح زيف الادعاءات المغربية    الجزائر قوة دبلوماسية وعسكرية تتمتع بالمصداقية    الانضمام إلى نظام "بابس" خطوة هامة للسيادة التكنولوجية    محليو "الخضر" بنية التتويج القاري    مشاركة مشرفة للجزائر وإشادة بالمستوى الفني والتنظيمي    شاركنا رغم ظروف الحرب لدعم الجزائر في هذه الألعاب    25 مجمعا مدرسيا و14 مطعما جديدا    "سوناطراك" تتمدّد بالخارج عبر استثمارات جديدة    تسليم مشاريع التربية في الآجال المحددة    لأول مرة دوريات مراقبة جوية لرصد حرائق الغابات    جهود لمحاصرة عدوى التهاب الجلد العقدي    آليات جديدة للتبليغ عن الآثار الجانبية لما بعد التلقيح    الصحراء الغربية : الإعلام الإسباني يفضح زيف الادعاءات المغربية و يؤكد الطابع الاستعماري للاحتلال    موجة حر وأمطار وزوابع رملية يومي الاحد والاثنين على عدة ولايات من الوطن    العدوان الصهيوني: استشهاد 70 فلسطينيا وإصابة العشرات منذ فجر اليوم    الألعاب الإفريقية المدرسية (الجزائر2025)/الفروسية: المنتخب الوطني يحصد 5 ميداليات منها 4 ذهبية    كرة القدم/البطولة الإفريقية للمحليين-2024 : المنتخب الوطني يجري أول حصة تدريبية بكمبالا    طلبة جزائريون يتألقون في المسابقة الجامعية العالمية للرياضيات ببلغاريا    شايب سفيان يشيد بمساهمة كفاءات الجالية في الجامعة الصيفية بعين تموشنت    مشاريع تنموية جديدة تعيد الأمل لسكان بلدية مروانة بباتنة    ورشة إفريقية عبر التحاضر المرئي لتعزيز ملفات ترشيح التراث العالمي    وزير النقل يكشف عن قرب تدعيم الرحلات الجوية الداخلية وإنشاء شركة وطنية جديدة    الألعاب الإفريقية المدرسية /الجزائر2025/ : الجزائر حاضرة في أربعة اختصاصات في اليوم الثامن للدورة    اليوم الوطني للجيش : رابطة مقدسة مع الشعب وعقيدة دفاعية راسخة    معاينة مكثفة لمدى التزام التجار بمعايير النظافة والصحة    الجزائر تنضم إلى شبكة نظام الدفع والتسوية الإفريقي الموحد    طالبنا بموقف أوروبي برلماني لوقف جرائم الاحتلال في غزة    وزارة الثقافة والفنون تنظم ورشة تكوينية دولية حول التراث العالمي بالاشتراك مع صندوق التراث العالمي الإفريقي    اختتام التظاهرة الثقافية بانوراما مسرح بومرداس..تقديم 55 عرضًا مسرحيًا على مدار أسبوع كامل    كأس افريقيا للمحليين : أشبال بوقرة بأوغندا للمنافسة على اللقب القاري    سحب فوري للترخيص ومنع الوكالات من تنظيم العمرة في هذه الحالات    سؤال واحد أعادني إلى رسم تراث منطقة القبائل    الجلفة تنزل بزخمها ضيفة على عروس الشرق عنابة    أمواج دوّاس تعرض "الفتنة القرمزية"    إبداعات تشكيلية تضيء جدران المتحف الوطني للفنون الجميلة    دعم التعاون بين الجزائر وزيمبابوي في صناعة الأدوية    تمديد أجل إيداع وثائق استيراد وسائل التجهيز والتسيير إلى غاية 15 أغسطس الجاري    راجع ملحوظ في معدل انتشار العدوى بالوسط الاستشفائي في الجزائر    فتاوى : الترغيب في الوفاء بالوعد، وأحكام إخلافه    من أسماء الله الحسنى.. الخالق، الخلاق    غزوة الأحزاب .. النصر الكبير    السيدة نبيلة بن يغزر رئيسة مديرة عامة لمجمع "صيدال"    الابتلاء.. رفعةٌ للدرجات وتبوُّؤ لمنازل الجنات    رموز الاستجابة السريعة ب58 ولاية لجمع الزكاة عبر "بريدي موب"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أربعة أيام صحّحت تاريخ العرب(57)
نشر في صوت الأحرار يوم 03 - 03 - 2010

تعاملت الجزائر مع النظام المصري بكل نبل واحترام، وبدون أي تعليمات مباشرة من السلطات العليا، لأن الأخلاقيات في الجزائر لا تحتاج إلى تعليمات.
وأتذكر هنا زيارة الرئيس الشاذلي لبلجيكا في 1982، وهي الزيارة الرسمية الأولى لأوروبا، وكانت المملكة اختيارا متعمدا كان من أول من حرصوا عليه وزير الخارجية الراحل محمد الصديق بن يحيى، حتى لا تكون فرنسا أول زيارات الرئيس الجزائري الرسمية، بما يمكن أن يبدو أنه استئذان في التحرك الأوربي.
وأرجو أن أذكر هنا أن ترتيب الزيارات الرئاسية، ومنذ الستينيات، كان على النحو التالي : الوطن العربي ثم القارة الإفريقية ثم بقية دول العالم الثالث، موازاة مع المشاركة في القمم الإقليمية، إسلامية كانت أم عربية أم إفريقية أو غير منحازة الانحياز، كالقمة السادسة التي احتضنتها كوبا في 1979.
وفي بروكسيل جاءنا، الأخ مولود حمروش وأنا، مدير التشريفات الملكية البلجيكي ليعرض علينا مشكلة تواجهه في تنظيم حفل العشاء الرسمي الذي يقيمه الملك بودوان على شرف الرئيس والوفد المرافق له، تتعلق بدعوة كل من السفيرين المصري والمغربي في بروكسيل للحفل، بينما العلاقات الديبلوماسية مقطوعة بين الجزائر والبلدين.
ويجيبه مولود بأن هذا أمر سياسي يتكفل به فلان (العبد الضعيف) وأقول بأن كلا من مصر والمغرب بلدان شقيقان وسوف يكون الرئيس الجزائري سعيدا باستقبال السفيرين، وهو ما حدث بالفعل، وأكد لي الرئيس، مشكورا، أنني اتخذت القرار المناسب.
وتبدأ في 1987 تحركات نحو ما سُمّّي استعادة مصر إلى الصف العربي، وتعقد قمة عربية غير عادية في عمّان بمشاركة جميع الدول العربية باستثناء مصر وتنتهي بإعادة ثماني دول علاقاتها مع القاهرة هي: الإمارات والسعودية وموريتانيا وقطر واليمن الشمالي والكويت والبحرين والعراق، ويلاحظ أن العراق كان من بين ما سارعوا إلى إعادة العلاقات.
والواقع أن مصر كانت تبذل جهودا حثيثة في كل اتجاه للعودة إلى صفوف الجامعة العربية، بعد أن أدرك الرئيس مبارك بأن هذا يجب أن يكون من أول أسبقياته لأسباب ارتآها، سياسية واقتصادية، وبدا واضحا أن هناك إرادة في عدد من الأقطار العربية لإعادة إدماج مصر في الجامعة العربية وتوسيع إطار إعادة العلاقات معها، ويقوم صدام حسين بعملية التفاف واضحة لتحقيق ذلك، فيتم تكوين مجموعة عربية موازية لمجلس التعاون الخليجي تحمل اسم مجلس التعاون العربي، وتضم العراق واليمن (الشمالية آنذاك) والأردن وبالطبع مصر، وكان المخطط أن تكون عودة مصر إلى الجامعة العربية اقتراحا لمجموعة وليس طلبا من الدولة المعنية، ويتم الاتفاق عليه بين أعضاء المجلسين بما يُشكل أغلبية عربية ضاغطة، وهكذا التحقت مصر بمجلس التعاون العربي، الذي سيطلق عليه مبارك فيما بعد مجلس التآمر العربي.
وكان إنشاء مجلس التعاون العربي أيضا هو الخطوة التي اعتمدها صدام ليؤكد اعتراف الجميع بدوره البارز كقوة إقليمية تحمي البوابة الشرقية للعالم العربي، وهو ما يدعمه وجود مصر إلى جواره كدولة لها وزن تاريخي، ووجود اليمن صاحب الموقع الإستراتيجي عند باب المندب، والأردن بدوره النشط في كل المجالات والمفتوح على كل الاتجاهات.
وكنا نتصور يومها أن حرص صدام كان ناتجا عن مشاعر الوفاء والاعتراف بالجميل، حيث كان الدعم المصري له خلال حربه مع إيران بالغ الأهمية، ويقال أن اليد العاملة المصرية في مجال الزراعة والتي اقترب عددها من المليون أعطت بغداد فرصة حشد قوات أكبر في حربها ضد طهران، بل ويقال أيضا أنه كان هناك وجود عسكري مصري في الخطوط الخلفية.
لكن السؤال الذي كان يطرح نفسه هو : ما الذي تغير حتى تعاد العلاقات مع مصر برغم أن السبب الرئيسي لقطعها ما زال قائما وهو العلاقات مع إسرائيل؟.
والمؤكد هنا أنه كان لتعامل الرئيس مبارك المتزن مع البلدان العربية دور هام في ذلك، لكن ما بدأ يتضح شيئا فشيئا هو أن رغبة عدد من الدول العربية إعادة العلاقات مع مصر كانت متباينة الأهداف والأسباب، فالعراق أرادها استعدادا لتحركاته المستقبلية على الساحة العربية، والأردن وجدها فرصة لكيلا يجد نفسه وحده أمام عداوات قديمة تخفيها ابتسامات ديبلوماسية، وأيضا مع الأمل في ألا يكون بعيدا عن أي امتيازات تحققها مصر في العلاقات مع واشنطن، وهناك دول أخرى كانت تريد أن تجد بجانبها دعما متميزا في مواجهة الثورة الإيرانية التي لم تنجح سنوات الحرب الثماني الشرسة في تقليم أظافرها نهائيا، بينما كان هناك من ينتظر من الرئيس مبارك دعما له في قضايا حدودية أو اقتصادية مع أحد الجيران.
وكانت عودة مصر إلى الجامعة قد طرحت في الدورة السابقة للقمة التي احتضنها فندق الأوراسي في الجزائر (1988) وجاء الطرح من الملك فهد وعارضه آخرون من بينهم الرئيس الشاذلي بن جديد والرئيس حافظ الأسد والعقيد معمر القذافي.
وفيما بدا نوعا من الابتزاز اشترطت دول مجلس التعاون العربي عودة مصر إلى الجامعة لكي تقبل المشاركة في قمة كازابلانكا في نوفمبر 1979، والتي كان بندها الرئيسي دعم الانتفاضة، وكان الملك الحسن رئيس المؤتمر يُقدّر حساسية الموضوع، وكان في صميم فؤاده مؤيدا لعودة مصر، ربما لأنه كان من أول من شجعوا السادات على زيارة إسرائيل، وأن يغفر العرب ذلك للرئيس المصري معناه أن يُمسح الأمر من قائمة ديون العاهل المغربي، الذي اقترح، وهو قانوني ضليع، استعمال تعبير: إنهاء تجميد عضوية مصر في جامعة الدول العربية، لمحو صيغة بغداد منذ عشر سنوات، عندما استُعمل تعبير : تجميد عضوية جمهورية مصر العربية.
ويصدر بلاغ من رئاسة الجمهورية السورية يرحب بعودة مصر (..) وعند الدخول إلى قاعة المؤتمر، وبعد نظرة وابتسامة، يجد القذافي نفسه في أحضان مبارك، ثم يركبان سيارة واحدة ولا يفترقان (أوهام النصر والهزيمة – ص 297) لكن ذلك الترحيب وجد من أعضاء الوفد العراقي من يُعلق عليه قائلا : المصريون استعملونا في العودة إلى الجامعة ثم أصبحوا يتجاهلون رفيقهم السابق.
ويتملكني الشعور بأن الدافع الرئيس وراء إعادة العلاقات العربية مع مصر كان ماليا أكثر منه سياسيا، فالوفرة المالية العربية في تلك المرحلة كانت تبحث عن مواقع للاستثمار، والطبقة المالية الجديدة في مصر والتي نشأت بفضل سياسة الانفتاح كانت تبحث عن أموال تضاعف بها ثرواتها، وتستفيد من وضعية الاطمئنان التي خلقها الرئيس مبارك في مستوى القيادات العربية وطابع استقرار متزايد اختفت معه وضعية التشنج التي عرفتها البلاد في أواخر عهد الرئيس السادات.
ويدفعني إلى هذا الظن ما كتب في مصر مؤخرا وأعلنه أحمد المسلماني في قناة دريم 2 يوم الاثنين الماضي، من أن مستثمرا خليجيا اشترى شركة كتان مصرية مقابل نحو 90 مليون جنيه، في حين أن سعر الأرض المقام عليها المشروع وحدها في حدود تسعة ملايير، أي أن الثري العربي كسب، بمجرد التوقيع، أكثر من ثمانية ملايير وتسعمائة مليون جنيه (والدولار يساوي بين خمسة وستة جنيهات) ثم ما أعلنه يوم الثلاثاء من أن ميدان التحرير، أكبر ميادين مصر، جرى التفاوض لشرائه.
ويمكن أن نتخيل بالتالي حجم العمولة التي أعطيت في عملية من المؤكد أنها لم تكن الوحيدة منذ بداية عهد الانفتاح، وإعادة العلاقات العربية المصرية، ويجب أن ألاحظ هنا أن الأموال العربية التي انهالت على مصر استفادت بها في الدرجة الأولى شريحة معينة تحولت شيئا فشيئا إلى طبقة مسيطرة.
ويرسم هيكل صورة لدنيا المال العربي يستثمر فيها قصة إريك جوردان التي تحمل عنوان //العملية هبرون// فيقول على لسان القاصّ : أصحاب البلايين العرب مجموعة من الرجال اقتربوا على نحو أو آخر من دوائر السلطة في العالم العربي (العربي التائه ص 164) وحققوا ثروات طائلة عن طريق المثلث الذهبي، نشاط المخابرات – عمليات البترول - تجارة السلاح ، وبنفس هذا الترتيب، فكلهم بدءوا، على نحو أو آخر، في المخابرات أو على صلة بأجهزتها، وكلهم اقتربوا، على نحو أو آخر، من عمليات البترول أو فوائض أموالها الهائلة، وكلهم وصلوا على نحو أو آخر إلى تجارة السلاح وأرباحها الخرافية.
وفي طريقهم من المخابرات إلى البترول إلى السلاح عرف هؤلاء واتصلوا في أوربا مع إدارة مخابرات ومندوبي شركات وممثلي حكومات وأحيانا رجال إعلام من الدرجة الثانية أو الثالثة (..) وأصبحت لهم علاقات سارية إلى حد بعيد في عواصم العالم العربي (..) وفي أجواء الاعتماد المتبادل بين الأقوى والأغنى قام المال في بعض الأوقات بمهام سياسية (..) كما أن دائرة القرار السياسي أصبح لها دلال على أصحاب البلايين العرب، يُشير بدون أن يطلب، ويُستجاب له قبل أن يلتفت.
ولعلي أضيف إلى ما قاله هيكل من أن العلاقات بين أصحاب الملايير العرب أصبحت تتجاوز العلاقات بين الدول، وقد رأيت بنفسي واحدا من أولئك يُستقبل في عاصمة خليجية برعاية وترحيب قد لا يستقبل به وزير أو مسؤول سام، كلّ رصيده أنه مجرد موظف عالي المستوى، ولعلي أذكر هنا أيضا بما راج في مرحلة معينة من محاولات لخلق تكامل بين رجال الأعمال ورجال الأموال بما يمكن الفكر من الازدهار بفضل ما يجود به بعض من أفاء الله عليهم بخيره في مرحلة جفّ فيها ضرع الحكومات، وكثير من تلك المحاولات كانت مشبوهة أو قاصرة أو تحمل خلفيات لا تبعث على الارتياح.
ويجب أن نتذكر هنا بأن تلك السنوات الأخيرة من الثمانينيات شهدت حركة عالمية جديرة بالاهتمام كان من أهم نتائجها انهيار الكتلة الاشتراكية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.