في عهده عرف القطاع، الذي يشرف عليه إقلاعا لا مثيل له، ألا ينبغي الإشادة بمجهودات الرجل، لماذا يغيب الإنصاف في الحكم على عمل الرجال، مهما كانت مسؤولياتهم ويسود التعتيم على ما يتحقق من منجزات، بدافع التضليل وتحريف الحقائق، حتى لو كانت تلك الانجازات بارزة وصارخة، تعلن عن نفسها، وكأنها تقول بالصوت والصورة: أنا هنا. وأنا أرنو إلى منارة "الجامع الكبير"، التي بدت وكأنها تعانق السماء شموخا، تعلن عن رفع التحدي وكسب رهان هذا الإنجاز الحضاري برمزيته الدينية والمعمارية، قلت في نفسي: لماذا لا تتلقف أعيننا إلا السواد وتعمي عن رؤية الجمال، ها هو "الجامع الكبير" ينبت يوميا كالنبتة الطيبة، ينمو ويسمو، يقهر الصعاب وكأنه أخذ عهدا على نفسه بأن يري النور ويؤمه المصلون ويصدح في أرجائه الدعاء والتكبير. تتصاعد المنارة المهيبة علوا، تشرئب لتباهي منارات أكبر المساجد، هذه هي الحقيقة، التي لا تخفي على أحد وهي تؤكد أن إرادة الرجال ستنتصر، مهما اشتدت الأعاصير، ومهما حاول المغرضون تثبيط العزائم، من خلال نشر الدعايات وتسريب الإشاعات. ووجدتني أسائل نفسي من جديد: لماذا لا نعترف بالفضل لأهله، لماذا لا نشعر بالفرح، لأن إنجازا كبيرا هو بصدد التجسيد، مما يعطي لعاصمة بلادنا الصورة الجميلة، التي تستحقها بجدارة. بينما كنت أبتعد، كانت منارة المسجد تضرب لي ولغيري موعدا ليس بعيدا، كأنها تسابق الزمن لكي يكتمل البناء، وهنا حدثتني نفسي: أليس هناك رجل له بصمته الواضحة في هذا المشروع؟ واصلت طريقي متوغلا في عاصمة بلادي وفي جزائرنا العميقة، لكن بصمة هذا الرجل ظلت تلاحقني في كل مكان حللت به، فإذا هي واضحة جلية في هذه الأحياء السكنية الحديثة التي تغطي الآفاق والتي هي وحدها كافية لتقديم أدلة الإثبات على أن الجزائر هي بصدد الانتصار على أزمة السكن بالضربة القاضية. حيثما وليت وجهي، كانت العمارات الجديدة المنتشرة في كل الأرجاء تواجهني، وكأنها تعلن هي الأخرى بالبراهين الملموسة بأن الحصول على مسكن لم يعد أمرا مستحيلا، وها هي هذه العمارات عامرة بمواطنين جزائريين عاديين، عانوا طويلا من الأحياء القصديرية والسطوح والأكواخ والغرف المكدسة بالبشر. لم يخلف الوزير وعده، جاهد وتصدى وكافح على جميع الجبهات، وكان إصراره على النجاح مساويا أو يفوق الآمال المعلقة عليه، وكان من الطبيعي أن يثمر جهد الرجل ومن معه من النساء والرجال الحصاد المأمول، الذي يتجلى في ما تحققه بلادنا من إنجازات في قطاع السكن، حيث أن السكنات الجديدة المنتشرة في ربوع الجزائر وفي مختلف جهاتها، في المدن والقرى والمداشر شاهدة على هذه المنجزات، التي لا تخفى على الأعين حتى لو كانت متلبسة بالسواد. قبل عام 2000، كانت الحكومات المتعاقبة منذ استرجاع السيادة الوطنية تراهن على القضاء على أزمة السكن وتضع نفسها أمام هذا الامتحان الصعب، لكنها في كل مرة ظلت تحصد الفشل، لأن الأزمة معقدة ولأن أمل كل العائلات الجزائرية هو الحصول على مسكن يحفظ الكرامة، وهكذا ظل الحلم في الحصول على "قبر الدنيا" يتبخر، بل يتحول بمرور الأعوام إلى كابوس يخنق الأنفاس ويقتل كل أمل في الحصول على سكن. لم تكن رحلة المواطن للحصول على مسكن بالأمر السهل، بل هي رحلة صعبة وشاقة، كلها ألم ومعاناة وفقدان للأمل، فالأنفس تتكدس في غرفة أو غرفتين، في قبو أو في حي قصديري، يكبر الأبناء وتتلاحق الأجيال، لكن الغرفة الواحدة لا تتغير، فهي نفسها تأوي الجدين والأبناء والأحفاد. ظلت الأزمة تتفاقم والعجز يكبر والطلبات تتصاعد بلا حدود وأصبح اليأس سيد الموقف، إلى درجة أن الحصول على مسكن لم يعد صعبا فقط، خاصة بالنسبة لأجيال الشباب، بل أصبح في دائرة المستحيلات. وكان هذا هو الحال إلى درجة أن المواطنين استسلموا للأمر الواقع وتعايشوا معه، لأن الآفاق مسدودة، فكان انتشار الأحياء القصديرية التي طوقت المدن وحاصرتها وعرفت بلادنا سكان السطوح والمغارات والأقبية، حتى أصبحت هذه الصور المشوهة والمؤذية مألوفة وصار المواطنون الباحثون على مسكن لا يجدون من الوعود إلا الوهم والسراب. كان رهان رئيس الجمهورية على وزيره في الصميم، وكان الوزير، في العهدتين الأولى والثانية، في مستوى المهمة، من حيث الإرادة والتصميم والكفاءة، وكانت الانجازات التي ترفع التحدي وتكتسح الصعاب، وأصبح الحصول على سكن لائق ممكنا. أكد الوزير مرارا بأنه يحظى بدعم الرئيس والحكومة، وهذا ما يقوي إصراره وعزيمة إطارات وعمال القطاع، في جعل أزمة السكن في الجزائر مجرد ذكرى من الماضي. منذ البدء، أدرك الوزير أن التحدي صعب، لكنه لم يستسلم للضغوط والمساومات والإشاعات والحملات الإعلامية، وهي كلها تندرج في إطار إثارة البلبلة وزرع اليأس في النفوس، لكن إرادة النجاح ظلت هي الأقوى، خاصة وأن المسألة تتعلق بكرامة وإنسانية المواطن. حدد الوزير "خارطة طريق" واضحة المعالم والأهداف، ترمي إلى إعطاء القطاع دفعا جديدا، بإشراف مباشر منه، وهكذا توالت الإنجازات بمختلف الصيغ ولفائدة كل الفئات، وتحول الأمل في الحصول على سكن من حلم إلى حقيقة ملموسة ومرئية. بينما كانت مشاهد العمارات الجديدة تملأ عيوني، وكأنها تقدم شهادة دامغة بأن ما يتحقق في قطاع السكن ليس أكذوبة وأن الأرقام التي يصرح بها المسؤول الأول في الوزارة صحيحة وليست من الخيال، كانت تنتابني سعادة غامرة لأن الملايين من الجزائريين يودعون حياة البؤس، التي كانوا يتعايشون معها وأصبحت لهم أخيرا سكنات، تضمن لهم شروط الحياة الكريمة. كانت المنارة، وهي ترتفع وتطاول عنان السماء، إيذانا بأن "الجامع الكبير"، بمختلف ملاحقه سيرى النور وسيكون معلما دينيا، يضاهي أكبر وأجمل المساجد في العالم الإسلامي، لأن الجزائر جديرة بأن يكون لها مسجد كبير وضخم، أليست هي بلاد الإسلام، هكذا يقول التاريخ وهذا ما يؤكده شعبها المسلم، وهذا ما يحفز الوزير إلى أن يكون في مستوى التحدي، من أجل إنجاز هذا الصرح الحضاري، الذي يراهن عليه رئيس الجمهورية، لتحظى عاصمة الجزائر بمسجد، يكون مثار فخر واعتزاز. تتوالى الإنجازات، وليس آخرها، الدفعة الأولى من سكنات عدل 1، التي تتجاوز 11 ألف مسكن، وهكذا تتلألأ منارة "الجامع الكبير" شموخا، وفي كل عمارة جديدة تتلألأ الأنوار بهجة وسرورا، وفي كل مشروع سكني تتلألأ الآمال بالحصول على مسكن في أقرب الآجال.. وراء كل ذلك إرادة مسكونة بالتحدي، يقودها رجل، هو وزير السكن عبد المجيد تبون، كان الله في العون. أول الكلام "أن تضيء شمعة صغيرة خير لك من أن تنفق عمرك تلعن الظلام"