عادت بغداد إلى زمن العصور الوسطى وغادرت كليا عصرها الحديث بعد خمسة أعوام من الاحتلال البغيض و التغلغل الإيراني المريض.. وأخذت جغرافيا المعازل مكانها المتسع في الفكر الحديث السائر في فلك الطريق الأمريكي للحياة المنتفضة على معناها الإنساني خلف جدران عازلة عن محيطها الطبيعي... فقد انتشر العمل في حفر خنادق حول بغداد يتجاوز طول محيطها 100 كيلومتر تقريبا تحتضن مدينة كبرى يصل عدد سكانها إلى 6 ملايين نسمة أو يزيد..تطبيقا لمخططات عسكرية تكتيكية وضعها مهندسو "البتاغون" لضمان" أمن" القيادة الأمريكية وواجهتها الممثلة في أعضاء الحكومة"المحلية" .. وسياسة المعازل سياسية بغيضة تبناها الرئيس جورج بوش منذ إعلانه :"أن لدى المسؤولين الأميركيين والعراقيين خطة لنصب المتاريس حول المدينة فأن العدو حسب قوله يغير من تكتيكاته التي تفرض على القوات العسكرية أن تتكيف معها" ... جورج بوش" انتهى من انجاز سياسة المعازل التي نفذها الجيش الأمريكي ببناء ساتر حول المدينة هدفه زيادة صعوبة نقل المواد المتفجرة إلى داخلها .. الإعلان الأمريكي الصريح فضح الأمر من قبل دون حياء لكن حكومة "المالكي" ظلت تخشى الإعلان عنه رسميا، كما خشيت من إعلان احتلال إيران لجزر مجنون النفطية/جنوبي العراق/.. وجدران العزل يسمونها قناة أو حاجزا مائيا ويتحاشون فكرة الإعلان عن الخندق أو الجدار العازل.. فهي فكرة تعود لقرون طويلة وتعتمد إقامة الجدران الترابية حول المدينة أو حصرها داخل خندق محكم أيام العصور المظلمة.. وعبثا تسعى حكومة المالكي إلى التخفيف من وطأة وقعه على البغداديين وهي تميل إلى وصفه بأنه مجرد "عائق مادي يستخدم فيه الماء والتراب مع إبقاء عدد محدد من المداخل المؤدية إلى بغداد".. والحقيقة يعلنها المسؤولون والأميركيون ويكشفون عن واقعها المكون حسب وصفهم من "تركيبة متداخلة من الخنادق المحفورة والعوائق الطبيعية و السواتر وأكوام من التربة تدفع في المكان بواسطة جرافات وتكون مرتفعة بما يكفي لمنع العربات من العبور".. وبغداد تحاصر اليوم خلف خندق عازل له 28 مدخلا في شكل نقاط تفتيش للشرطة والجيش لتنظيم عملية الدخول والخروج منها واليها بإشراف قوات الاحتلال الأمريكي .. وحرصت قوات الاحتلال على جعل الخندق يتحقق باستخدام التضاريس غالبا وقنوات الري وما إلى ذلك ثم الربط فيما بينها بواسطة السواتر والخنادق ووسائل أخرى ".. وهدف الخندق من وجهة النظر الأمريكية هو "المساعدة في وقف التدفق إلى المدينة ومنها ومن اجل مساعدة مراقبة تحرك الأسلحة غير القانونية و المواد المستخدمة في العبوات الناسفة، ونقل الأشخاص مثل ضحايا الاختطاف الذين قد يتم نقلهم إلى خارج المدينة"... وقبل الخندق الذي يحاصر بغداد .. كانت الخنادق قد حفرت حول مدن وقرى صغيرة منذ بدء الاحتلال الأمريكي حيث تمت إحاطة عدة مناطق اصغر مساحة بالسواتر وحتى إحياء من بغداد طوقت بالحواجز الكونكريتية لإجبار الناس على المرور من خلال نقاط تفتيش محددة.. وبعد دخول مشاة البحرية الأميركية إلى الفلوجة أحيطت تلك المدينة الصغيرة بشبكة مكثفة من السواتر خاصة على الطرق الصغيرة .. ووضعت مدينة كركوك في ظل الحملة العسكرية الأمريكية خلف عوازل وخنادق متنوعة .. خطط الاحتلال الأمريكي البغيض في مد الخنادق العازلة لمدن لم تغلق يوما أو يحاصر سكانها.. هي إيذان بانفجار انتفاضة شعبية كبرى لن يتوقف مدها عند حاجز كونكريتي أو ساتر ترابي .. الخنادق لا تحمى المحتل دائما فقدره شاء أو أبى الاندحار لا غير تاركا وراءه أزمة المهجنين بعباءة طائفية وقبعة أمريكية..