شهد السداسي الأول من سنة 2010 فقدان عدد من الشخصيات الثقافية الجزائرية، استطاعت بإبداعاتها أن تشكّل ملامح الثقافة الجزائرية، حتى إننا كنا نعتقد أنهم خالدون مع أعمالهم لولا حقيقة وفاتهم التي كتبت نهاية مشوارهم إلى حين ظهور من يخلفهم. وقد تشكّلت آخر حروف هذه الأسماء مع المطرب عبد القادر ?سوم الذي غادرنا قبل أيام. شهر ماي يرسم نهاية نوتتين موسيقيتين في الجزائر كان يوم 21 ماي الماضي آخر عهد لنا بملحن النشيد الملحمي "من أجلك عشنا يا وطني" الموسيقار شريف قرطبي، الذي وافته المنية بمرسيليا إثر مرض عضال. الفقيد من مواليد 1937 بالمدية، التحق بفرقة الإذاعة الوطنية الجزائرية قبل الاستقلال كموسيقي ثم كملحن ليصبح بعدها قائدا للجوق. وقد قام قرطبي بالتلحين لعدة فنانين معروفين على الساحة الوطنية على غرار سلوى ونادية بن يوسف ومحمد العماري وكذا أميرة الطرب العربي وردة الجزائرية التي غنت له قصيد "الصومام". وقد مثل الفقيد الجزائر في العديد من المهرجانات ليكرّس السنوات الأخيرة من حياته لترأس لجنة التحكيم لحصة "نوبة الجيل" لإذاعة البهجة والتي سمحت باكتشاف العديد من المواهب الشابة. وبعد يوم واحد من رحيل قرطبي، تجددت خسارة الجزائر بفقدان عميد آخر من أعمدة الموسيقى في الجزائر هو الموسيقار هارون رشيد عن عمر يناهز 78 سنة إثر مرض عضال. وقد دخل المرحوم عالم الموسيقى بفضل مسابقة الأستاذ فاردينان ربيرا فرنسي-إيطالي. وقد تميز ببراعته في العزف على الكمان وهو ما سمح له بالالتحاق بفرع معهد الموسيقى لباريس الذي كان يوجد في ساحة الشهداء حاليا. وفي 1957 تم توقيفه من قبل الجيش الفرنسي وبعد إطلاق سراحه سنة 1959 أنشأ المرحوم الجوق الوطني للمنوعات. وبعد الاستقلال كوّن أجواقا للمنوعات وأخرى سانفونية أشهرها "نسيم" و"من دماء القلوب" و"نشيد العمال". وللمرحوم هارون رشيد، الذي ساهم في تلحين النشيد الوطني "قسما"، عدة ألحان كما كان أستاذا ممتازا بمعهد الموسيقى بالجزائر. وصفة من الأعشاب الطبية تقتل البروفيسور عبد القادر جغلول كان العلاج بالأعشاب الطبية سببا في وفاة البروفيسور عبد القادر جغلول، مستشار رئيس الجمهورية مكلف بالشؤون الثقافية على مستوى ديوان رئاسة الجمهورية، في الساعات الأولى من فجر يوم 25 أفريل الماضي، وذلك بعد أن أشار عليه البعض بجدوى العلاج في المملكة المغربية بالأعشاب الطبية التي تسببت له بمضاعفات صحية أودت بحياة الرجل. ويعتبر الراحل مؤرخا وأستاذا بارزا في علم الاجتماع، كما أدار بجدارة مجموعات بحث في التاريخ والعلوم الاجتماعية بالجزائر وسلطت أعماله الكثير من الإضاءة على القرن التاسع عشر، هذه الفترة التي عرفت استقرار الاستعمار في الجزائر وبروز المقاومة الوطنية. شريط ولمين.. الحلقة الضائعة في الفكر الجزائري انتكست الساحة الثقافية والفكرية الجزائرية برحيل الدكتورين أحمد لمين عميد الباحثين في الأدب الشعبي الجزائري، والدكتور عبد الله شريط. ويعتبر هذا الأخير بمثابة الذاكرة الإعلامية والصحفية للثورة الجزائرية وكثيرا ما لقب بابن خلدون الجزائر، وهو الشخصية المفكّرة المتمعّنة في إشكاليات الدولة وسلوك أفرادها وتطور مجتمعها، وتعاطي الناس بكل أطيافهم مع العلم والمعرفة. كما اهتم بالثقافة السيوسيولوجية، وكان آخر ما طرحه من مؤلفاته "غياب ثقافة الدولة في ثقافتنا وسلوكاتنا السياسية". وكان الدكتور أحمد لمين من أوائل المتخرجين من جامعة السربون في الثقافة الشعبية، حيث اختص في الدراسات الأكاديمية لمنطقة الجنوب الشرقي حيث نقب عن القصة الملحمية ل"حيزية" التي خصص لها كتابا بأكمله وحيزا آخر من الدراسات بالتحليل والشرح. نال دكتوراه درجة ثالثة في "اكس أونبروفونس" وأنجز أول دراسة ميدانية حول الشعر الشعبي في منطقة بسكرة بسيدي خالد في القرن 19 ومنتصف القرن ال20. توفيق ميميش يرحل ليبقى بطلا في "حياة مؤجلة" ستبقى مسرحية "حياة مؤجلة" لمؤلفها ومخرجها جمال حمودة في ذاكرة كل هواة المسرح ممن جاءوا لمتابعة هذا العمل الفني وهم يجهلون أنه سيكون آخر عهدهم بالراحل توفيق ميميش، الذي استطاع أن يبدع في دوره بشهادة الجميع، قبل أن تفاجئه ذبحة صدرية وهو على خشبة المسرح "عز الدين مجوبي" بعنابة. ورغم محاولة إسعافه عقب سقوطه على خشبة المسرح، إلا أن ميميش فضّل الصمت الأبدي يوم 20 ماي الماضي عن عمر يناهز 54 عاما، ليتحول العرض المبهج إلى مأتم بكى فيه كل الحاضرين. وفي رصيد الرّاحل عدة أعمال مع مسرح عنابة، منها '"مبني للمجهول"، "المحفور"، "الطاروس"، "بودربالة"... وغيرها، إلى جانب عدة أدوار تلفزيونية منها سلسلة "أعصاب وأوتار"، التي كان يستعد لتصوير مشاهده في نسختها الجديدة. المطرب الشعبي عبد القادر قسوم .. آخر شمعة تنطفئ كان المطرب الشعبي عبد القادر ?سوم آخر من فقدت الجزائر من فنانيها، وهذا بعد تعرضه لسكتة قلبية وهو على متن سيارة أجرة بالبليدة، لينقل على جناح السرعة إلى مستشفى فرانتز فانون، إلا أن القدر كان أسرع وأراد له أن يرسم حروف آخر مبدعي الجزائر. وقد وصف الكثيرون وفاته بأنها "خسارة للساحة الفنية"، وهو من أعاد إحياء قصيدة من الواقع "قولوا لشهيلة لعياني" و"عزيز علي سيدي رسول الله" و"محمد محمد صلوا يا الأمة عليه". كما تغنى الراحل عبد القادر ?سوم بأغنية الشعبي التي عادت للظهور، وهو من حمل مشعل "الشيوخ" السابقين الذين شيدوا أساسها.