من بركات الشيخ غوغل، أنه يتيح لك أن تعثر على كتب لم تكن لتبحث عنها يوما، حيث وبنقرة سريعة على أذن فأرة حاسوب، تستطيع تحميل ملايين الكتب في مختلف المجالات.. *** على خلفية زوبعة ثقافية في فنجان إعلامي، حول واحد من الناس، قرّر حرق كتبه التي لم تبع، كتبت في محرّك غوغل هذه الجملة "حرق الكتب عند العرب". وكانت هذه الجملة كفيلة بإيصالي إلى كتاب على قدر من التوثيق والتأريخ، لم أتصوّر أني سأصبر على قراءته، لكّن دقّة المعلومات فيه ونيّتي المبيّتة، ساعدتني على قراءة الكثير من فصوله.. كتاب بعنوان "حرق الكتب في التراث العربي"، لمؤلفه الكاتب العراقي ناصر الحزيمي، كتاب ذكر فيه مؤلّفه طرقا كثيرة في إتلاف الكتب عبر التاريخ العربي، منها الحرق، الغسل، الدفن والإغراق وغير ذلك، وأعطى الكثير من الأمثلة الموثّقة عن كتّاب ومفكرين وعلماء عرب وجدوا في إتلاف فكرهم المكتوب، انتقاما لشيء ما، خصوصا أولئك الذين تقدموا أزمنتها فكريا، وذكر المؤلّف حوادث كثيرة تتعلّق بتدخل السلطة في فعل الإتلاف، كما حدث مع مكتبة آشور بانيبال التي دمّرت، أو إحراق أخناتون النصوص التي تختلف مع فكرة الوحدانية التي كان يدعو إليها، إذ قام الكهنة بحرق كتبه حينما مات، أو إحراق مكتبة الإسكندرية؛ حيث جعلت كتبها العامرة وقودا للحمامات لأربع سنوات، أو إحراق الإمبراطور الصيني كين الكتب بدافع سياسيّ غرضه توحيد الصين، وعندما احتجّ أربعمائة عالم على إحراق الكتب فدفنهم أحياء. أو ابن رشد الذي أحرقت كتبه في الأندلس في عهد ملوك الطوائف، أو جريمة صلاح الدين الأيوبي في تدمير المكتبة الفاطمية، أو تدمير مكتبة المنصور في قرطبة في عام 1000. كما أورد المؤلّف أمثلة كثيرة عن علماء ومفكرين أحرقوا بأنفسهم كتبهم، لأسباب شرعية، أو أمنية أو حتى لأسباب نرجسية .. لكن القاسم المشترك بين كلّ هؤلاء، حسب مؤلّف الكتاب، هو قدرة مؤلفيها على إثارة الجدل الفكري.. وبالعودة إلى مثال صاحبنا الجزائري، الذي قرر مؤخرا إحراق إسهاله الأدبي، والذي تضافرت لترويجه كلّ الجهود، من تسخير دراسات أكاديمية ومنابر جامعية وإعلامية ودور نشر، لكنه لم يفلح في الوصول إلى الذائقة العامة.. "الله غالب هذاك ما حلبت"، لذلك فإن الفعل الذي سيقدم عليه – إحراق كتبه – هو أفضل ما سيبدعه في حياته الأدبية.