تابعت باهتمام ما تبثه قناة "المغاربية" علني أجد فيها ما لم أجده في القنوات المغاربية الأخرى، اعتقادا مني أنها قناة مغاربية محترفة، معترفة لكم اليوم بأني لم أكن أعرف أنها قناة لمعارضين سياسيين جزائريين موجودين بالخارج. وكما يقول المثل، المقال يعرف من عنوانه.. لأنه صادف وأن كانت القناة منشغلة ببث أحداث مدينة الأغواط عن طريق الاتصال المباشر مع المحتجين، إلى جانب برنامجها المتواصل الخاص بتوقيف المسار الانتخابي والذي استخدمت فيه القناة نفس الطريقة وهي الاتصال بالمواطنين مباشرة. أسلوب العمل هذا أثبتت الجزيرة فعاليته في دعم الثورات العربية، إن لم أقل هو الطريقة الجديدة التي أصبح يعتمد عليها الإعلام البعيد عن تصوير ونقل الأحداث من عين المكان. وأنا وإن كنت أعتقد بأن القناة قد نجحت في نقل تأفف الناس من الأغواط، وإسماع صوتهم بغض النظر عن النية المبيتة، وهو الأمر الذي عجز عنه التلفزيون الجزائري، الذي اختار أن يبقى بعيدا عما يجري ككل مرة، إلا أن القناة قد عجزت عن بث دعايتها عن توقيف المسار الانتخابي عند كثير من المواطنين. أسباب الفشل ستعرف بالتأكيد عندما يتتبع المشاهد يوميا "بروباغاندا" القناة، والتي تتجلى في طريقة بث البرنامج من النواحي التقنية والدعوية والتحريضية.. وهو ما يؤكد ما يشاع من أن مسيّر قناة المغاربية، هو ابن الشيخ عباس مدني (وسأحكي لكم قصتي في واقعة لي معه بقطر مستقبلا)، بمعنى آخر فإن فلوس عباسي مدني سواء كانت الجزائرية أو القطرية أو الدولية هي التي تمول مشروع هذه القناة وتدفع للصحافيين والمنتجين والمنشطين. كلنا يعترف، أو قد اعترف بخطإ توقيف المسار الانتخابي في عام 1991، حتى من بعض أولئك الذين قاموا بما سمي بالانقلاب، الذين اعترفوا في كتاباتهم وتصريحاتهم، بأنهم أجبروا على اتخاذ قرارهم بسرعة، أي دون أن يتم درس ذلك القرار بالشكل الذي كان على رجال الدولة أن يقوموا به، ولكنهم، حسبهم، تحملوا مسؤولياتهم في ظرف صعب وواقع صعب وتجربة صعبة وجديدة لبلد كان ينتقل بصعوبة من مرحلة الحزب الواحد إلى تعددية الأحزاب، ومن صيغة الرأي الأحادي إلى تعددية الآراء، وبالأخص من الانتقال من دولة شمولية إلى حزب ديني شمولي شجب كل من سبقه وشكك في كل من تواجد معه في الميدان. ويبقى السؤال المطروح، لماذا يحاول هؤلاء المعارضون المنتشرون في الخارج وخاصة أوروبا، إعطاء نفسهم الشرعية دون الاعتراف بالأخطاء التي ارتكبوها؟ أنا أسمعهم يتباكون دائما عن أخطاء السلطة دون اعتراف قادتهم ولو لمرة، أي قادة الحزب المسؤول آنذاك، بأخطائهم في تسيير الأزمة، وبالأخص في ممارساتهم التحريضية بحق عامة الجزائريين. إن ضم الجهاديين في صفوفهم وتبني مواقفهم عندما كانوا يهددون أصحاب الرأي من الصحافيين والمثقفين وحتى بعض السياسيين حتى قبل توقيف المسار الانتخابي، لم يستطع الجزائريون فهمه.. أما شعارات حملاتهم الانتخابية، "لا ديموقراطية لا دستور قال الله قال الرسول.." فحدث ولا حرج.. تلك الشعارات التي كانت ترددها قاعدتهم، وهي تجوب الشوارع في كل المدن، في الوقت الذي كان زعماؤهم يزعمون بأنهم في حملة انتخابية من أجل تثبيت نظام ديموقراطي، ووصول سلس إلى الحكم بالديموقراطية، هل تستطيع هذه القناة التي تبث مسيرات قادة الفيس اليوم، وتدخلات الشرطة أثناء الاعتصامات، أن تكون منصفة وتبث على أمواجها تلك المسيرات، وهل تستطيع أن تبث مسرحية ملعب 5 جويلة وتعويذة "الليزر" التي أسندت إلى الله الذي اختارهم دون غيرهم ليروه، وغيرها من المسرحيات والأخطاء الكثيرة التي كان عليهم أن يعترفوا بها ويطلبوا المعذرة من المجتمع الجزائري؟ ألم تكن تلك أخطاء وإشارات تدفع بالشركاء معهم في الوطن إلى الخوف وهم في حالة السلم، وتجعلهم يلتجئون لتصرفات سريعة وغير ديموقراطية.. أم أن الديموقراطية تصلح لجهة ولا تصلح لأخرى مثل ديموقراطية الأحزاب الجزائرية الأخرى التي لا تريد من الديموقراطية إلا الوصول إلى السلطة وفقط، أما مشاركة المرأة والانفتاح على الآخر وتقبل الأفكار والثقافات الأخرى، وممارسة الديموقراطية والحرية داخل أحزابهم وحرية الإعلام والمجتمع المدني معهم وضدهم، والتي هي القواعد الأساسية للديموقراطية فهي غير مهمة، إن لم أقل لا تهمهم. إن إحساس الناس بالذعر، وفرض سياسة الأمر الواقع قد تؤدي لا محالة إلى اتخاذ المواقف الصلبة والاختيارات الصعبة.. وهو ما حدث بالفعل، حتى لو كنا لا نحبذ ذلك، كما أن الإبقاء على حالة الفوضى والخطر تتحمل مسؤوليتها الدولة الحاكمة مهما كانت انتماءاتها السياسية أو الإيديولوجية، ما يعني أن توجيه الغلط أو تحميله للغير فقط (طرف دون آخر) فلن يحل مشكلة الجزائريين من التوجهين، لأن الديموقراطية والحرية أصبحتا خيارين لا رجعة فيهما، وتحقيق هذا المسار بصورة إيجابية وفعلية هو مسؤولية الجميع، ما يعني أنه يجب على الجميع الاعتراف بأخطائهم إن كانوا يريدون حكم الجزائر، كما عليهم الاعتذار منا جميعا، لأن إحدى أهم أدوات الديموقراطية، هي احترام كيان المواطن والعمل على خدمته.. وهي أدوات اعترف بها كل الديموقراطيين في العالم وعلى رأسهم أولئك الذين خلقوها وسبقونا إلى تجسيدها.