أخذت ظاهرة العنف اللفظي في المؤسسات التربوية منعرجات خطيرة، ما أوجب على الجميع الوقوف بجدية للتعرف على أسباب ودواعي انتشار العنف الذي أصبح يعصف بهيبة المؤسسة ومنزلتها الاجتماعية. وأطلق العديد من المتابعين للشأن التربوي صافرة إنذار لما آلت إليه ظاهرة العنف اللفظي في المدارس الجزائرية. في السياق، اعتبرت آسيا عثمانية، مديرة فرعية بوزارة التربية الوطنية، في تصريح للإذاعة الجزائرية، أن استعمال الأطفال لكلمات مسيئة يقف عقبة في وجه الاتصال بين أفراد المؤسسة التربوية، منوهة أن العنف اللفظي هو في أصله عنف نفسي لأنه يعتمد على أذية نفسية الشخص المعنف لاسيما المعلم والمتعلم، وهو ما ينعكس على نفسية المجتمع بشكل عام. وصنفت المتحدثة الأمر في خانة الظواهر الاجتماعية كونه موجودا في سياق مجتمع ككل، والمدرسة بحكم أنها تتأثر وتؤثر فإنها تعيش مثل هذه الحالات وتحاول أن تتكيف معها لتقلل منها، قائلة في السياق ذاته:”نحن كوزارة تربية وطنية نرفض كل أشكال العنف من خلال القانون التوجيهي، مرورا إلى مختلف الآليات التي تقوم بها وزارة التربية الوطنية الآن، ووصولا إلى المنشورات التي تمنع أشكال العنف في الوسط المدرسي”. وشدّد المختص في مجال التربية حميدة نعاس، على وجوب عدم التفاعل مع المدرسة على أساس هذا الفعل المعزول، معتبرا أن هناك فضاءات أكثر تأثيرا من المعلم، قائلا في السياق ذاته:”المدرسة والأولياء لا يراقبون أبناءهم لما يشاهدون التلفزيون، وما يتصفحونه على شبكة الأنترنت، لذلك فهنالك قيم جديدة مستجدة وافدة تدخل البيوت، واستقلالية مبكرة يوفرها الأولياء، وهو ما يساعد على إحداث خلل في نظام القيم عند أبناءهم”. من جانبه، أوضح محمد طاهر ديلمي، نائب رئيس المجلس الشعبي الولائي المكلف بالتربية، أن العنف اللفظي في المدارس نتاج إفرازات المجتمع بمختلف مكوناته، مشيرا إلى أن المدرسة جزء من حلقة دائرية مغلقة فيها العائلة والمحيط والاسرة والمسجد والإعلام، وأن ارتفاع نسبة انتشار العنف اللفظي يعود إلى اختلال سلم القيم بدءا بالعائلة مرورا بالمحيط ”فالعنف لا يتجلى إلا في المدرسة بل نجده في كل مكان”. واعتبر ديلمي أن جيل اليوم مختلف في خصوصيات النفسية والاجتماعية عن كل الأجيال التي مرت على المؤسسات التربوية، لأنه يعتقد أن كل شيء مباح وأن كل شيء ممكن، لاسيما أن الطفرة التي يعيشها المجتمع خلقت موجة كبيرة لدى المراهقين والأطفال، فهم ينظرون إلى كل شيء بطريقة عادية. غير أن ديلمي دافع عن التلميذ، معتبرا إياه ضحية ما يدور حوله من متغيرات اجتماعية وثقافية، خاصة أن المجتمع يعيش حالة من الاستقالة النفسية الجماعية، ودعا إلى إعادة إقحام أولياء التلاميذ في العملية التربوية، وتأسيس نظم صارم داخل المؤسسات المدرسية من أجل توفير إطار محكم للتلاميذ. من جهتها، كشفت استاذة في مادة الفيزياء أن المعلمين يحاولون في كل مرة مسايرة التلميذ، آخذين بعين الاعتبار أنهم في فترة مراهقة تتخللها اضطرابات سلوكية، غير أن الامور تصل في الكثير من الأحيان إلى الشتم واللفظ البذيء، وهي مرحلة وصفتها المتحدثة ذاتها بالخطيرة، مضيفة أن المعلمين اليوم يعتمدون مبدأ التغافل لكن الوضعية قد تؤدي الى الانفجار، لاسيما أن العنف اللفظي يقابل من طرف الأولياء بالتستر والإنكار على خلفية دلال مفرط أوترهيب عائلي.