كشفت مصادر عليمة بمستشفى مصطفى باشا الجامعي عن الوضع الكارثي الذي آل اليه واحد من أهم المستشفيات الجامعية على المستوى الوطني، نظرا للواقع المتردي للنظافة الاستشفائية، التي لا تحترم فيها الشروط العالمية. "نفايات بلاستيكية وورقية، سيارات تمر بلا توقف، متسولون، متسكعون..." إنه ليس شارعا عموميا من الدرجة الثالثة، بل المركز الاستشفائي الجامعي مصطفى باشا بالجزائر العاصمة، أين تنقلت "الفجر" وجابت العديد من مصالحه، لتكون البداية بمصلحة الاستعجالات الجراحية المحاذية لقاعة الاستقبال. لاحظنا عدم وجود طابور من المرضى وغياب الفوضى التي كنا نراها في جولاتنا السابقة، كما أن المصلحة استفادت من إعادة تهيئة جزئية. لكن الوضع لا يبشر بالخير وفق ما رأيناه طوال جولتنا الاستطلاعية التي كشف من خلالها طبيب، رفض الكشف عن اسمه، عن واقع مرير بالمستشفى، يخص النظافة الاستشفائية، التي تعتبر ركيزة أساسية في الصحة العمومية. وبناء على ما أفادنا به فإن الشركات المكلفة بالتنظيف الاستشفائي ليست مؤهلة في المجال، لأنها لا تحترم الشروط المعمول بها عالميا، وهو ما أدى إلى التدهور الصحي لعدد من أعوان السلك الطبي وشبه الطبي، وكذا المرضى الذين راح بعضهم ضحية التعفنات، رغم أن حالتهم الصحية لم تكن معقدة، علما أن عملية التخلص من النفايات الطبية عبارة عن محارق تنبعث منها غازات سامة تحدث ضررا بالمحيط. يؤكد ذات المصدر أن مواد التنظيف المستعملة في مستشفى مصطفى باشا مواد عادية خاصة بالمنازل ومكاتب العمل، فشركات النظافة الاستشفائية لا تقتني مواد تنظيف خاصة بالمصالح الاستشفائية، فالجدران تحتاج لمواد تنظيف خاصة بها، كذلك النوافذ وأفرشة الأسرّة، والسرير الخاص بالإنعاش الطبي، زيادة على أن عمال هذه الشركات غير مؤهلين للعمل في هذه المصالح، ومن أخطر الأمراض التي نجمت عن تدني النظافة الاستشفائية هي التهاب الكبد الفيروسي "ج"، والتهاب الكبد الفيروسي "ب"، ناهيك عن الأمراض الجلدية وأمراض حساسية العيون، وأيضا أمراض خاصة بمختلف التعفنات. كما أفاد ذات المصدر أن أعوان النظافة الاستشفائية كان تكوينهم من قبل الوزارة الوصية داخل المستشفيات، قبل أن تتغير الأمور. وفي إطار الجولة الاستطلاعية جبنا عددا من المصالح، منها مصلحة الاستعجالات الجراحية في مبنيين، ومصالح جراحة الأسنان، هذه الأخيرة التي كان الطابور فيها ممتلئا عن آخره، لنجلس رفقة المرضى، الذين تحملوا وقتا طويلا من الانتظار في جو متدن خدماتيا، وسط نفايات ورقية وبلاستيكية، وسجائر مرمية على الأرض في مكتب يحاذي الكراسي التابعة للطابور، علما أن دخوله لا يكون إلا من قبل الموظفين. أما المراحيض التي جبناها، فكانت أغلبها تفتقد لحنفيات بعد أن تم اقتلاعها عنوة من أماكنها، حيث لاحظنا في زيارتنا الأولى التي سبقت هذه أنها كانت موجودة، غير أنها كانت متسخة وتبعث على الغثيان، كما لاحظنا أن بعض المراحيض مغلقة لأسباب تبقى مجهولة، علما أن المريض لا مفر له من استعمالها. من إعداد: س.كحيلي المنسق الطبي بمستشفى بشير منتوري، لعجوزي فريد: "النظافة الاستشفائية عندنا لا تطابق المعايير العالمية" في سياق ذو صلة، أكد لعجوزي فريد، المنسق الطبي بمستشفى بشير منتوري في الجزائر العاصمة، أن عملية التخلص من النفايات الطبية غير مطابق للمعايير العالمية، حيث صرح على هامش الملتقى شبه الطبي الخامس الذي انعقد شهر ماي من السنة الفارطة، أن النفايات الاستشفائية تشكل ما نسبته 30 بالمائة من مجموع النفايات. علما أن النظافة الاستشفائية لديها علاقة مباشرة بصحة المريض، ناهيك عن حرق النفايات. وأشار لعجوزي إلى دراسة أنجزت سنة 2006، وشملت 13 مستشفى جامعيا ومؤسسة استشفائية عبر الوطن، تتعلق بكيفية التخلص من النفايات الطبية، والتي أكد أنها لا تخضع للشروط العالمية، فمستشفياتنا لا تحتوي على مرامد للتخلص من النفايات الطبية، ليؤكد ذات المتحدث في معرض حديثه أن ما هو متوفر لا يتعدى محارق تنبعث منها مواد سامة. من جهة أخرى، ومن خلال فعاليات الملتقى الدولي الأول حول "النظافة الإستشفائية والوقاية من العدوى" الذي نظمته مصلحة الأمراض المعدية التابعة لمستشفى "البلاطو" بفندق "الشيراطون"، حيث جاء هذا اللقاء تبعا لتوصيات وزارة الصحة والسكان وإصلاح المستشفيات بغية التكفل بهذه الأمراض والاهتمام بها، لاسيما وأن 15 بالمائة من هذه الأمراض موجودة بالوسط الاستشفائي، أغلبها ناتجة عن عدم غسل اليدين من طرف العاملين بهذا السلك، هؤلاء الذين تقدر نسبتهم ب 60 بالمائة، وذلك حسب الأرقام التي أعلنت عنها وزارة الصحة. المدير العام لمستشفى مصطفى باشا يرد: النظافة الاستشفائية قائمة على أكمل وجه والأطراف التي تدعي غير ذلك لديها حسابات شخصية ومن أجل أخذ رأي القائمين على المستشفى حول النظافة الاستشفائية توجهنا إلى مكتب المدير العام لمستشفى مصطفى باشا الجامعي وأخبارناه بالوضع الكارثي الذي وقفنا عليه على خلفية زياراتنا الميدانية المتكررة وتصريحات أطباء وممرضين ومرضى على الوضع المتراجع والمتدني للنظافة الاستشفائية، ومن بينها النفايات المتراكمة. في هذا الإطار أوضح ذات المسؤول في تصريح ل"الفجر" أن مشكل النفايات المتراكمة تم التخلص منه. وقام بمرافقتنا في زيارة ميدانية إلى نقطة رمي النفايات بالمستشفى رفقة عون أمن وموظفة، والتي توضح جليا للعيان أن وضعية المكان لا يرتقي ليكون فضاء للتخلص من النفايات الاستشفائية، فقد لاحظنا شاحنة مركونة حمل عليها عدد كبير من الأكياس البلاستيكية سوداء اللون والمليئة بالنفايات، لتقول لنا الموظفة أنه لم يتم نقلها فقط، لأنها نفايات حديثة، لكننا لم نتحمل مشقة البقاء طويلا في عين المكان، نظرا للروائح الكريهة التي تملؤه. والجدير بالذكر أن نقطة رمي النفايات الاستشفائية موجودة على مرمى حجر من مصلحة الاستعجالات الجراحية. في حين أن النفايات التي كانت متراكمة، قال المدير العام للمستشفى أنها كانت موجودة فعلا، وذلك بسبب الانسحاب المفاجئ وغير القانوني للمقاول، والذي خلق وضعا مزريا بالمستشفى، ويعتبر انسحابه غير قانونيا باعتبار أن المستشفى قام بتسديد مستحقاته كاملة، والدليل على ذلك وجود الوثائق الرسمية التي تثبت ذلك. وبعد عملية انسحاب المقاول السابق قامت إدارة المستشفى بإجراءات قانونية طبقا للتشريع والتنظيم المعمول به في مجال المحاسبة العمومية، ومجال الصفقات العمومية، ليتم إحضار مقاولين جدد للمستشفى بطرق قانونية، لتتدخل شركة "نات كوم" العمومية، والتي قضت نهائيا على الوضع المزري الذي تركه المقاول القديم في مدة 5 أيام، لأن الإعلان عن نتائج المناقصات هو من يحدد المستفيد سواء أكانت الشركة عمومية أو خاصة، لأن المعايير المتبعة في مزاولة نشاط النظافة الاستشفائية هو نفسه، كون دفتر شروط العمل هو يحددها، مثل ما تعلق بالمواد المستعملة، أوقات التنظيف، عدد العمال، وغيرها. أما فيما تعلق بالنظافة الاستشفائية داخل المصالح الطبية، فقد أكد ذات المتحدث أنها قائمة على أكمل وجه، وتراعى فيها الشروط الصحيحة. وفي سؤالنا حول المراحيض المتسخة التي شاهدناها في حالة يرثى لها، قال أن المواطن هو السبب في ذلك، نظرا لتدني السلوك الحضاري، ناهيك عن بعض من المرضى الذين يساهمون في ذلك أيضا. خرجنا من مستشفى مصطفى باشا الجامعي، الذي أكد لنا أن القطاع الصحي بالجزائر أصابه ورم خبيث، ليلقي كل طرف باللوم على الآخر، فإما أن يكون الجميع بريئا أو أن يكون متهما. انهاء مهام مسؤول مصلحة الاستعجالات بمستشفى مصطفى باشا أمر وزير الصحة والسكان وإصلاح المستشفيات، عبد المالك بوضياف، بمعاقبة مسؤول مصلحة الاستعجالات بالمستشفى الجامعي مصطفى باشا، بعد الزيارة المفاجئة التي قادته إلى المستشفى يوم الخميس الماضي. جاء هذا الإجراء في الوقت الذي يقوم فيه وزير الصحة بحملة تطهير على مستوى مختلف المستشفيات، حيث قرر الوزير إنهاء مهام مسؤول مصلحة الاستعجالات بسبب غياب هذا الأخير عن عمله في الوقت الذي كانت المصلحة مكتظة بالمرضى، أين اكتشف تسيبا وإهمالا من طرف مسؤول الطاقم الطبي المناوب.