احتدم في السنوات الأخيرة السباق المحموم وسط أدغال القارة الإفريقية بين إرادتين متضادتين في الاتجاهات و الأهداف و الوسائل، في ظل إجماع دولي على أن هذه القارة التي تصنّف عادة على أنها من أفقر قارات كوكب الأرض، ستشكل مصدر ثراء العالم و مستقبله، بعدما تشبّعت القارات الأربع و استنزفت خيراتها و قدراتها عن آخرها. الإرادة الأولى و هي خيّرة، تعمل على الحفاظ على سيادة الدول و حماية استقلالها الوطني و المساهمة في تحرير شعوبها و ترقيتها اجتماعيا و اقتصاديا. و الثانية و هي شرّيرة، تعمل و للأسف على ضرب أمن و استقرار القارة و تغذية النزاعات و تموين الحروب و تقسيم الدول و تجويع الشعوب،على أمل وضع يدها على الخيرات و المواد الأولية التي لازالت تزخر بها القارة رغم حالة الاستنزاف التي تعرضت لها على يدي الاستعمار القديم و الحديث. و على الرغم من أن هذا الصراع بين الإرادتين المذكورتين قديم جدا، و يأخذ كل مرّة شكلا مميّزا، إلا أنه في السنوات الأخيرة أخذ منعرجات خطيرة بتحالف و تكالب قوى داخلية و خارجية من أجل مراقبة دول و أنظمة بعينها و البحث عن مناطق نفوذ تسيل اللّعاب و بعث استثمارات جديدة في سوق إفريقي واعد يقدر بأكثر من مليار مستهلك. و واضح للعيان أن المناطق التي تحتوي على المواد الأولية بكثرة و كذا المناطق التي تبدو جذّابة للاستثمار الأجنبي و الدول التي تحصي سكانها بعشرات و مئات الملايين، هي من بين الأهداف المفضلة للمستعمرين الجدد الذين يلجأون إلى الأساليب التقليدية الماكرة لتفريق الشعوب و تقسيم الدول. إنه من باب التضامن الإفريقي الذي تفرضه تقاليد الثورة الجزائرية التي ساهمت في تحرير هذه القارة من جور و ظلم الاستعمار بالأمس، الكشف اليوم عن النوايا الاستعمارية لدول إفريقية لجأت منذ مدة إلى أساليب خسيسة و منحطّة بما فيها الاتجار في المخدرات و الكوكايين و تبييض الأموال و توظيف الإرهاب و التهريب على أمل حجز مكان نفوذ و تدارك تأخر رهيب. و هنا تلتقي هذه الإرادة مع إرادة الإرهابيين الذين غزوا دول الساحل و حوّلوها إلى سوق كبير يتحكم فيه الإرهابيون و المهربون على حد سواء، من أجل تصريف منتوج المخدرات و الاتجار في الكوكايين و تهريب الأسلحة و محاولة إغراق دول باستعمال هاته النشاطات من قبل عصابات الجريمة المنظمة. و هذا هو الوجه الحقيقي للمستعمر بالوكالة الذي يريد ذر الرماد في العيون من خلال اللجوء إلى الأساليب الاستعمارية البليدة و التي تحاول استرضاء الأهالي بإصلاحات إدارية أو فتح حنفية ماء أو بناء مدرسة أو بناء قاعة علاج. و يتناسى هؤلاء أن مثل هذه الأساليب غير المشروعة كان مآلها الفشل الذريع، و أن الأفارقة الأحرار لن تنطلي عليهم حيل الاستعمار قديمه و حديثه مهما غلّفها بمسحات إنسانية و ثقافية أو العمل على استمالة النخب السياسية الحاكمة . و شتّان بين هذه الإرادة التي يفتضح أمرها كل يوم في المحافل الدولية و القارية، و بين إرادة خيّرة مثل إرادة الجزائر التي يشهدها العالم و هي تنتزع صفة القوة الإقليمية و توظفها من أجل ترقية السلم و الاستقرار في إفريقيا و الشرق الأوسط.