في ختام زيارته لمؤسسات تابعة لقطاعه،وزير الاتصال،محمد لعقاب،من وهران: انهينا إعداد مشروع صندوق دعم الصحافة وسنعرضه على رئيس الجمهورية    قالت تحسبا للانتخابات الرئاسية المقرر يوم 7 سبتمبر المقبل: حركة البناء الوطني تنظم ندوة خصصت لشرح خطتها الإعلامية    خلال إشرافه على افتتاح ندوة ولائية للأئمة بتمنراست،يوسف بلمهدي: التوجه للبعد الإفريقي عبر الدبلوماسية الدينية أمرا في غاية الأهمية    نشاط "سيدار" لن يتأثّر بحادث وحدة تحضير المواد والتّلبيد    احتضنته جامعة محمد الصديق بن يحي بجيجل: ملتقى وطني حول دور الرقمنة في مكافحة الفساد والوقاية منه    عطاف يجري محادثات مع الأمين العام للأمم المتّحدة بنيويورك    الجزائر تنجح في تحقيق تأييد دولي "ساحق" لأم القضايا    الجزائر تقدّم 15 مليون دولار لصالح الأونروا    فوكة في تيبازة: افتتاح مركز تحضير النخب الوطنية بمعايير عالمية    اصطياف 2024..فرصة إبراز وجهة الجزائر السّياحية    خلق أزيد من 3000 منصب عمل دائم في المرحلة الأولى من العملية: تسليم قرارات تغيير النشاط وتعديل الشكل القانوني لفائدة المستثمرين بقسنطينة    إيران وسياسة الدفاع الإقليمي في الشرق الأوسط    عميد جامع الجزائر يستقبل المصمّم    أتلانتا يقصي ليفربول من الدوري الأوروبي    هلاك 5 أشخاص وإصابة 175 آخر بجروح    رقمنة السّكن الاجتماعي.. وإطلاق "عدل 3" قريبا    اتّساع حظيرة المركبات يفرض استعمال تقنية الخرسانة الإسمنتية    ارتفاع جنوني في أسعار الخضر بعد رمضان    وزارة الثقافة تقدّم ملف الزّليج لدى اليونيسكو    36 مؤسسة إعلامية أجنبية ممثّلة في الجزائر    لا بديل عن رفع مستوى التّكفّل بمرضى القلب والشّرايين    نعمل على تقليل ساعات انتظار الحجاج بالمطارات ال 12 المبرمجة    حزب التجمع الجزائري يعقد اجتماعا لمكتبه الوطني تحضيرا للانتخابات الرئاسية    الأندية الجزائرية..للتّألّق وتحقيق أفضل نتيجة    حفل افتتاح بهيج بألوان سطع بريقها بوهران    الإدارة تقرّر الإبقاء على المدرّب دي روسي    "الهولوغرام" في افتتاح مهرجان تقطير الزهر والورد بقسنطينة    في إطار دعم الاستثمار: ترحيل استثنائي لعائلين بأولاد رحمون بقسنطينة لتوسعة مصنع    الكشافة الإسلامية الجزائرية تنظم ملتقى حول التنمية البيئية    فايد يشارك في أشغال الاجتماعات الرّبيعيّة ل "الأفامي"    ألعاب القوى/مونديال-2024 / 20 كلم مشي: الجزائر حاضرة بستة رياضيين في موعد أنطاليا (تركيا)    ادعاءات المغرب حول الصحراء الغربية لن تغير من طبيعة القضية بأنها قضية تصفية استعمار    العاصمة.. تهيئة شاملة للشواطئ وللحظيرة الفندقية    هؤلاء سيستفيدون من بطاقة الشّفاء الافتراضية    حصيلة شهداء غزة تتجاوز 34 ألف ومناشدات لتوثيق المفقودين    بجاية: مولوجي تشرف على إطلاق شهر التراث    المهرجان الثقافي الوطني لأهليل: أكثر من 25 فرقة تشارك في الطبعة ال 16 بتيميمون    "صديق الشمس والقمر " تفتكّ جائزة أحسن نصّ درامي    الملتقى الدولي "عبد الكريم دالي " الخميس المقبل..    المجمّع الجزائري للّغة العربية يحيي يوم العلم    وهران.. تعزيز روح المبادرة لدى طلبة العلوم الإنسانية    قطاع المجاهدين "حريص على استكمال تحيين مختلف نصوصه القانونية والتنظيمية"    باتنة.. إعطاء إشارة تصدير شحنة من الألياف الإصطناعية إنطلاقا من الولاية المنتدبة بريكة    انخفاض عبور سفن الحاويات في البحر الأحمر بأكثر من 50 بالمئة خلال الثلاثي الأول من 2024    ليفربول يرفض انتقال المصري محمد صلاح للبطولة السعودية    بلعريبي يتفقد مشروع إنجاز المقر الجديد لوزارة السكن    فلسطين: 50 ألف مصلي يؤدون صلاة الجمعة في المسجد الأقصى المبارك    الإذاعة الجزائرية تشارك في أشغال الدورة ال30 للجمعية العامة ل"الكوبيام" في نابولي    تصفيات مونديال أقل من 17 سنة/إناث: المنتخب الوطني ينهي تربصه التحضيري بفوز ثانٍ أمام كبريات الجزائر الوسطى    تجارة: زيتوني يترأس إجتماعا لتعزيز صادرات الأجهزة الكهرومنزلية    هيومن رايتس ووتش: جيش الإحتلال الصهيوني شارك في هجمات المستوطنين في الضفة الغربية    وزير الصحة يشرف على لقاء لتقييم المخطط الوطني للتكفل بمرضى انسداد عضلة القلب    هذا موعد عيد الأضحى    استحداث مخبر للاستعجالات البيولوجية وعلوم الفيروسات    أوامر وتنبيهات إلهية تدلك على النجاة    عشر بشارات لأهل المساجد بعد انتهاء رمضان    وصايا للاستمرار في الطّاعة والعبادة بعد شهر الصّيام    مع تجسيد ثمرة دروس رمضان في سلوكهم: المسلمون مطالبون بالمحافظة على أخلاقيات الصيام    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تقرير نشرته مؤسسة ألمانية يكشف: نفايات التجارب النووية بالجزائر ما زالت مدفونة تحت الأرض
نشر في النصر يوم 06 - 09 - 2020

* التلوث الإشعاعي وصل إلى القارة الأوروبية * على فرنسا تسليم الخرائط للجزائر وتقديم تعويضات للمتضررين
تطرق تقرير نشرته مؤخرا المؤسسة الألمانية "هاينريش بول" المهتمة بالشؤون البيئية، إلى آثار التجارب النووية التي أجرتها فرنسا في صحراء الجزائر ابتداء من سنة 1960، حيث توصل فيه باحثان فرنسيان، إلى استمرار وجود نفايات تعرضت للنشاط الاشعاعي تحت الأرض، وهي بالأساس معدات عسكرية شملتها الاختبارات ومنها حتى طائرات ودبّابات تم دفن معظمها دون تدابير للحماية اللازمة، بما يُلحق أخطارا جسيمة بالسكان المحليين و البيئة في مناطق حمودية و عين إكر و رقان، خاصة في ظل غياب معلومات عن أماكن دفن هذه النفايات المشعة، زيادة على الخطر المحدق الذي يشكله تطاير معدن البلوتونيوم السام في الجو، إثر هذه التجارب التي استعمل فيها حتى البشر و الحيوانات.
قراءة: ياسمين بوالجدري
التقرير نشرته شهر جويلية الماضي مؤسسة هاينريش بول الألمانية التابعة لحزب الخضر الألماني على موقعها الالكتروني، وهي هيئة مستقلة تهتم بمواضيع البيئة، حيث أعدّه جون ماري كولين وهو باحث ومستشار فرنسي مستقل مختص في قضايا الدفاع والأمن الدوليين ونزع السلاح النووي كما شغل منصب ناطق باسم الحملة الدولية لإلغاء استعمال الأسلحة النورية، و كذلك باتريك بوفيري وهو أيضا ناطق باسم الحملة المذكورة ومدير مرصد التسلح، وهو مؤسسة فرنسية مستقلة من مهامها رصد تتبع آثار الأسلحة النووية.
وحسب التقرير الذي حصلت النصر على نسخته الفرنسية، فقد أجرت فرنسا في الفترة الممتدة بين سنتي 1960 و 1966، 17 تجربة نووية في الجزائر في الجو و تحت الأرض بمنطقتي الهقار وعين إكر التابعتين حاليا لولاية تمنراست، وهي عمليات أحيطت ب «السرية».
و ذكرت الوثيقة أن فرنسا انتهجت منذ بداية التجارب النووية سياسة دفن جميع النفايات تحت الأرض، فيما لم تكشف يوما أين قامت بدفنها ولا عن كمياتها، معرضة الأجيال المتلاحقة للخطر، و يتعلق الأمر بنفايات غير مشعة ناجمة عن تشغيل وتفكيك منشآت، و مواد مشعة تتمثل في رمل مزجج و صخور و حمم ملوثة، ناجمة عن التفجيرات النووية، وهي نفايات يوجد الكثير منها في الهواء الطلق، دون أية حماية و يمكن الوصول إليها من طرف سكان المنطقة، «مسببة حالة شديدة من انعدام الأمن، في المجالين الصحي و البيئي».
و أورد التقرير أن فرنسا شرعت في برنامج نووي عسكري منذ إنشاء مفوضية الطاقة الذرية (CEA) في أكتوبر 1945، و سرعان ما بدأ البحث للعثور على موقع لإجراء التجارب النووية على مستواه، فتم اقتراح الجزر التي تقع بها مستعمرات فرنسا في المحيطين الهندي والهادي، وهي مجموعة جزر كيرغولين، و كليبرتون و جزر تواموتو، لكن هذه الأراضي اعتُبِرت بعيدة جدا، ليتم بعد عدة مهام استطلاعية في عام 1957، اختيار الصحراء الجزائرية، نظرا لقربها الجغرافي من فرنسا ومناطقها الصحراوية الشاسعة ذات الكثافة السكانية المنخفضة.
وفي الخامس نوفمبر من سنة 1959، برر مندوب فرنسا لدى الأمم المتحدة، جول موخ، اختيار هذا الموقع بأن سكان جميع الدول المجاورة للصحراء في المغرب وتونس وليبيا "سيواجهون خطرًا أقل من سكان كاليفورنيا وسيبيريا" وقال "الصحراء تفسح المجال لهذه التجربة بشكل أفضل من أي منطقة أخرى لأن الموقع المختار مهجور كما أنه أقرب بكثير من الجزر الاستوائية الفرنسية". وعلى هذا الأساس تم اختيار منطقتي رقان و عين إكر لتكونا مواقع هذه التجارب، حيث أجري فيها 17 اختبارا نوويا و "تجارب إضافية" لم تسبب تفاعلًا نوويا متسلسلًا، ولكن أدت إلى تطاير معدن البلوتونيوم.
إلى جانب ذلك، تم استخدام منطقة ثالثة بقاعدة هماغير التي أنشأها الاستعمار الفرنسي لتجريب وإطلاق الصواريخ إلى الفضاء، ببشار، وذلك لإجراء اختبارات كيميائية، لكن مع استقلال الجزائر سنة 1962، أجبِرت السلطات الفرنسية على إيجاد مكان جديد سيكون في بولينيزيا وهي مجموعة أرخبيلات فرنسية تقع جنوب المحيط الهادي.
و أورد التقرير أنه وبعد عقود من الادعاءات الكاذبة، كان يجب الانتظار إلى غاية سنة 2016 لكي يعلن رئيس الجمهورية، فرانسوا هولاند، خلال رحلة إلى بولينيزيا، مسرح 193 تجربة نووية، حيث صرح "أعترف أن التجارب النووية التي أجريت بين عامي 1966 و 1996 في بولنيزيا الفرنسية كان لها تأثير بيئي له عواقب صحية"، وأضافت الوثيقة "الجزائريون ما زالوا يتوقعون مثل هذا الإعلان من فرنسا للاعتراف بتأثير التجارب النووية"، حيث أن مشروع القانون الذي قدم في نوفمبر 2008 من طرف وزير الدفاع آنذاك «إيرفي مورين» والمتعلق بتعويض ضحايا التجارب النووية الفرنسية، أهمل الأبعاد البيئية بما يعرقل إجراءات التعويض.
تجارب بدأت من منطقة حمودية
وقد تم إنشاء مركز الصحراء للتجارب العسكرية (CSEM) في منطقة تمتد على مساحة 108000 كيلومتر مربع في بداية عام 1957، حيث تضم مدينة رقان الصغيرة التي كان يوجد بها مدرج للطائرات ومستشفى ومحطة ضخ مياه تضخ 1200 متر مكعب في اليوم و بها مبان إدارية ومساكن و هياكل أخرى، إضافة إلى قاعدة الحياة المعروفة باسم هضبة رقان (12 كيلومترًا شرق بلدة رقان)، حيث تتكون بشكل أساسي من سقائف وحوض سباحة ومركز قيادة عسكري، و يتم انطلاقا منها إصدار أوامر إطلاق النار، مع وجود مبنى لمحافظة الطاقة الذرية يتم على مستواه جمع كل المعلومات المتعلقة بالتجارب النووية.
كما تضم المنطقة، قاعدة حمودية وفيها محطة كهرباء ولكن بشكل أساسي مكاتب وتجهيزات تقنية ومنشآت تطهير وثكنات مختلفة، بينما يوجد على بعد 15 كيلومترا منها، حقل الإطلاق.
و تم على مستوى هذه المنطقة، إجراء 4 تجارب نووية في الجو أطلق عليها تسميات الجربوع الأزرق، الأبيض، الأحمر و الأخضر، حيث سببت ترسب الجسيمات المشعة في الصحراء الكبرى، بل وحتى في جميع أنحاء شمال إفريقيا وحتى بأفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، مثلما كشفت عنه العام 2014 جريدة «لو باريزيان» الفرنسية، وأضافت الوثيقة، «في الواقع، حتى القارة الأوروبية تأثرت، لأنه بعد 13 يوما من أول تجربة نووية أجريت في 13 فيفري 1960، وصل التهاطل النووي إلى الساحل الإسباني، كما تم اكتشاف جزيئات ساخنة عند هطول الأمطار وفي الهواء جنوب غرب السويد و ذلك في أوائل مارس من نفس السنة».
وكان الغرض الرئيسي من التجربة النووية الأولى المسماة الجربوع الأزرق Gerboise bleue، هو التحقق من فعالية القنبلة الفرنسية، وأيضا مراقبة سلوك العديد من المواد التي تستخدمها الجيوش، أمام تأثيرات الانفجار والحرارة. وبحسب أحد الشهود، فقد وزعت المعدات على 3 مناطق اختبار خاصة بالأرض والجو والبحر.
آلاف الحيوانات أُحرِقت حية
ففي «منطقة الأرض» وضعت معدات منها مركبات مدرعة من كل الأنواع وبنادق، و ب «المنطقة الجوية»، كانت هناك طائرات جاهزة للإقلاع أو متوقفة خلف أكوام من الرمال، أما في «المنطقة البحرية» فوضعت هياكل للسفن الحربية بأبراجها ومدافعها، وهي قائمة ذكر الباحثان أنه تم العثور عليها في تقرير دفاع سري، بحيث تم وضع هذه المعدات في كل الاختبارات النووية الأربعة التي أجريت في الغلاف الجوي.
وحسب «الوثيقة السرية» المنشورة في التقرير، فقد تم وضع عشرات المعدات العسكرية، و منها 32 مركبة مدرعة وغير مدرعة، و 4 طائرات، لكن ما يلفت الانتباه أكثر هو خانة تحت مسمى «المصلحة الصحية» ورد فيها استخدام 16 مجموعة من الحيوانات الصغيرة من جرذان وفئران و الخنازير الغينية، بالإضافة إلى 12 حيوانات كبيرة منها ماعز، و «منتجات بيوليوجية».
و بهذا الخصوص، أورد التقرير أن التجربة النووية الثانية «الجربوع الأبيض» التي أجريت في الفاتح أفريل من سنة 1960 أيضا، سببت تلوثا إشعاعيا «مهما» حسب شهادة الجنرال «شارل آيري» في مذكراته الصادرة سنة 1968 تحت عنوان «المغامرة النووية الفرنسية»، حيث جاء فيها «لقد تم وضع الآلة على قاعدة خرسانية [...] كان من المتوقع أن تتشكل فوهة بركان كبيرة نسبيًا وتلوثًا شديدًا بسبب تساقط الجسيمات الثقيلة من محيط الحفرة المذكورة»، ليشير التقرير إلى استعمال حيوانات حية في التجربة الثالثة المسماة الجربوع الأحمر والتي أجريت في 27 ديسمبر من السنة نفسها، ويتعلق الأمر بآلاف الجرذان والفئران و عدد قليل من الماعز، وضعوا حول منطقة الصفر لمعرفة كيف ستقاوم خلايا الدم لديها الاختبارات.
«تجربة الجربوع الأخضر كانت محاكاة لحرب نووية»
أما في التجربة الرابعة المسماة الجربوع الأخضر، التي أجريت في 25 أفريل من سنة 1961، أي بعد أقل من سنة من التجربة الأولى، فقد وصل الأمر بالمستعمر الفرنسي إلى «محاكاة حرب نووية» تعرض فيها 195 رجلا طواعية للتهاطل الإشعاعي لاختبار معدات الحماية مباشرة بعد التفجير، وكذلك لتحديد ردة فعلهم «في بيئة مشعة للغاية» قرب نقطة الصفر.
بالإضافة إلى ذلك تم حسب الوثيقة، إجراء تجارب نووية إضافية مع تشتت البلوتونيوم، ولكن دون التسبب في إطلاق الطاقة النووية، وهي تجارب أطلق عليها اسما «أوجياس» و»بولان»، حيث أجريت 35 اختبار أوجياس في موقع عملية «الجربوع الأحمر» بين عامي 1961 و 1963، واستخدمت في كل منها كمية قصوى تبلغ 25 غرامًا من البلوتونيوم.
و يفصّل التقرير أكثر في مواقع هذه «التجارب الإضافية»، حيث أن 12 منها أنجزت في براميل فولاذية، لأن السلطات الفرنسية أرادت بها استرجاع البلوتونيوم في السلسلة الأولى من التجارب التي من ضمنها 6 أجريت في الفترة الممتدة بين 28 أفريل و 7 ماي 1961، و ذلك بملء أنصاف البراميل بالرمال وتغطيتها، أما السلسة الثانية التي أجريت بين 14 أفريل و 28 أفريل فقد تم فيها استبدال الرمل بمادة كربونات الصوديوم من أجل استرجاع البلوتونيوم بشكل أفضل.
أما التجارب ال 23 المتبقية، فتمت إقامتها في الفترة الممتدة بين 21 أفريل إلى 14 ماي 1963، و ذلك في الهواء الطلق فوق حفرة تم حفرها سابقا في الأرض ثم قذف البلوتونيوم باتجاهها.
و قد أجريت خمس تجارب «بولان» و التي تعني باللغة العربية حبوب الطلع، واسمها، حبوب الطلع، الورد، الأحمر، الزعفران، النرجس البري، بين عامي 1964 و 1966، في موقع مركز التجارب العسكرية بالواحات المعروف اختصارا ب «سيمو» وذلك شمال غرب منطقة تاوريرت تان أتارام الصخرية، وهذه المرة بكميات من البلوتونيوم تتراوح من 20 إلى 200 غرام.
وقد كان الهدف منها كما أفادت الوكالة الدولية للطاقة الذرية «محاكاة حادث يدخل فيه البلوتونيوم لقياس عواقبه، بما في ذلك درجة التلوث التي يمكن أن تحدث في مكان قريب».
وسعت فرنسا من هذه الاختبارات، حسب نص التقرير دائما، إلى التحقق من سلوك السلاح النووي، دون تفعيل آلية التفاعل المتسلسل، وأيضا للتحقق من التفاعلات بين المواد النووية والمتفجرات التقليدية وكذلك عملية تشتت هذه المواد.
نشاط إشعاعي تسّرب خلال اختبار «بيريل» بعين إكر
التقرير تطرق بعد ذلك إلى 13 تجربة نووية أجريت تحت الأرض بمنطقة عين إكر في الفترة الممتدة بين 7 نوفمبر 1961 و 16 فيفري 1966، و ذلك في أروقة مجوفة في سلم حلزوني على عمق 800 الى 1200 متر قرب المركز الفرنسي «سيمو»، ويُظهر جدول مرفق بالوثيقة، تَضمَّن تفاصيل هذه التفجيرات، أن قوة انفجار بعضها تعادل 127 كيلو طن من مادة «تي آن تي» ويتعلق الأمر بالعملية التي أجريت في 27 فيفري 1965 تحت اسم «سفير مونيك».
وبسبب هذه الاختبارات تحول جبل تان أفلا إلى أشبه بقطعة من جبنة «غيريار»، حسب وصف معدّي التقرير، حيث تم حفره في كل مكان لإجراء 13 تجربة نووية تحت الأرض.
و الخطير في الأمر أنه لم يتم التحكم في أربعة اختبارات بشكل كامل، مما أدى إلى إطلاق غازات وجزيئات و حمم مشعة في البيئة، و من بينها اختبار أطلِق عليه اسم «بيريل» Béryl أجري في الفاتح ماي من سنة 1962، حيث يُعد أكبر حادث من حيث درجة تلوث التربة والأفراد، حسب معدي التقرير الذين أكدا أنهما استندا إلى معلومات دقيقة وموثقة جيدًا، بفضل الشهادات العديدة التي جمعها مرصد التسلح و رابطة المحاربين القدامى للتجارب النووية (أفين).
و من بين الشهادات التي تم الحصول عليها من أرشيف المرصد المذكور، تلك التي أدلى بها شخص يدعى «جون بيار بي» في الثاني فيفري من سنة 2004، حيث قال فيها «حوالي الساعة الثانية عشرة والنص ظهرا، سمعنا دويًا ضخمًا أمامنا. مشهد فوري جميل للغاية، الجبل يتغير لونه، إنه شفاف، ولكن على الفور، أمامنا تقريبًا إلى اليمين، رأينا عمودا يصعد مصحوبا بدخان أسود للغاية.
وحسب التقرير، فإن هناك مجموعة من البيانات المتعلقة بالتلوث الناتج عن هذا الاختبار تحت الأرض والذي أدى إلى «اختبار الغلاف الجوي»، حيث خرج جزء يساوي 5 إلى 10 بالمئة من النشاط الإشعاعي عبر الرواق، على شكل حمم وخبث تصلَّب، لتصل كميته إلى حوالي 700 متر مكعب.
و وفقًا للبيانات نفسها، فإن المنطقة الأكثر نشاطًا إشعاعيا كانت على مساحة تبلغ حوالي 2.5 هكتار، كما انتشر أيضًا عبر «منطقة وسيطة تتناثر فيها شظايا من الحمم والخبث على مساحة تبلغ حوالي 15 هكتارا، وثالثة «أكبر من 135 هكتارا تضم حطامًا صغيرًا من الخبث».
و رغم أن النشاط الإشعاعي يكون قد ضعف منذ ذلك الوقت، إلا أنه وحسب التقرير، فإن نشاط الحمم و الخبث وصل في عام 1962 إلى حوالي 5000 «كوري» (وحدة قياس نشاط المواد المشعة) ثم تضاءل إلى 25 وحدة بلوتونيوم في 1994 وحوالي 100 وحدة من السيزيوم 137 والسترونشيوم 90، مركزة للغاية في منطقة تبلغ مساحتها بضعة هكتارات، وهي أرقام مخيفة من حيث التلوث الإشعاعي ودرجة الخطورة.
«فرنسا ارتكبت خطأ جسيما بعدم إعطاء المعلومات»
و ذكر التقرير أن الأشهر الأخيرة من وجود الجنود الفرنسيين بمنطقة رقان و عين إكر كانت مكرسة بالكامل لتفكيك المواقع وإعادة المعدات إلى فرنسا، بينما بقيت مواقع أخرى كمفرغات واسعة، فبالنسبة للنفايات غير المشعة، فقد ترك عدد منها في العراء، بينما قامت عصابات مختصة في تجارة النحاس بتخريب الحواجز المحيطة بها من أجل الوصول إليها.
و أضافت الوثيقة "هذا بلا شك خطأ جسيم ارتكبته الدولة الفرنسية، بعدم جمع وإعطاء أي معلومات عن المخاطر الصحية المحتملة لهذه النفايات، فمن المؤكد أن السكان قد أصيبوا بالتلوث بعد نهاية الاختبارات".
و لم يتم تحديد الوضع الإشعاعي لمختلف المواقع بشكل كامل مع السلطات الجزائرية، حيث شرعت فرنسا في دفن المواد، الأدوات والوسائل الميكانيكية المستخدمة والتي يحتمل أن تكون ملوثة في موقعين، أولهما يوجد على بُعد عشرة كيلومترات شمال شرق قاعدة الحياة برقان، والثاني على مسافة خمسة كيلومترات من نقطة الصفر، وهي معلومات لا تؤكد فقط الدفن الهائل للنفايات النووية، ولكنها تظهر بشكل عام، أنه كانت هناك سياسة لدفن مواد مشعة تم تعريضها للتجارب النووية، و من بينها حتى طائرات و حوامات و كذلك مدفعيات ومركبات ظل بعضها في ميدان الرمي لقرابة سنتين، إلى أن تم طمرها في ثقوب ضخمة حفرها مهندسون، وفق شهادات جنود فرنسيين.
و ذكر التقرير أن دفن المعدات في "ثقوب ضخمة" لا يعني توفير حماية كاملة ضد الإشعاعات، مستدلا بصور تُظهر رجالا يرتدون بدلات واقية من الأشعة خلال عملية دفن طائرات "فوتور" وهو ما يشير إلى وجود "نشاط إشعاعي قوي للغاية"، و تحدثت الوثيقة أيضا عن دفن براميل بلوتونيوم بعد لصقها بالاسمنت, وهي عمليات لم تتم فقط في حمودية و رقان بصفة عامة، بل تؤكد شهادات أنها أجريت أيضا في بمحيط جبل تان أفلة.
"الوضعية بموقع عين إكر الأكثر مدعاة للقلق"
و أكد التقرير أنه في موقع اختبار الغلاف الجوي في حمودية، تغطت الأرض بشظايا سوداء من الرمل المزجج، مما أحدث بقعا صفراء وسوداء اللون في الرمل تشبه جلد النمر، بينما تشكل في موقع تجربة "الجربوع الأبيض" ما يشبه فوهة بركان.
وأضاف الباحثان أن الوضعية في موقع عين إيكر تبقى «بلا شك الأكثر مدعاة للقلق»، فزيادة على كونها ملوثة بالاختبارات في وسطها، فقد تم أيضا على مستواها، تخزين النفايات المشعة من الصخور الملوثة المستخرجة من الأروقة في الجانب الجنوبي من جبل تان أفلا، وفقًا لمحضر اجتماع لجنة الأمن الذي عقد في 3 أكتوبر 1961، و افترض التقرير أن محافظة الطاقة الذرية الفرنسية، لديها وثائق تقدم تقييمًا خاصا بذلك الوقت، للنشاط الإشعاعي الموجود في الكتلة الصخرية.
و أبرز التقرير «من الواضح أن السلطات الفرنسية كانت على علم بالتلوث الشديد الناجم عن فشل اختبار بيريل. و وفقا للأرقام، فإن المنطقة الملوثة في اختبار بيريل كانت في الأصل مساحتها 250 هكتارًا، بما في ذلك 2.5 هكتار تقع على منحدر تان أفلا، وهي مساحات «لم تتم معالجتها وهي بالتأكيد كما هي»، وفقًا لتقرير وزارة الدفاع لعام 1996».
و أضافت الوثيقة أن لجنة البحث المستقل والإعلام حول النشاط الإشعاعي (كريراد) أجرت سنة 2009 سلسلة من التحليلات على هذا الموقع، مع أخذ جزء من الحمم البركانية التي تبين أنها «ملوثة للغاية» ومعرضة لخطر كبير، بسبب «تلوث قوي بالسيزيوم 137» وكذلك بسبب وجود الأميريسيوم 241، مما يشير إلى «وجود البلوتونيوم 241».
أخطار صحية في غياب دراسات طبية
و تُعد تجربة "آميتيست" التي أجريت في عين إكر، الوحيدة التي كانت متبوعة بعملية تطهير "فعلية" دامت لستة أشهر من طرف فرنسا، حيث عرفت تنظيف المعدات وتصريف المياه ونزع العشب الملوث مع تغطية المناطق الأكثر تضررا بالإشعاع، بالرمل على ارتفاع متر، أما النقاط الأكثر تلوثا فتم تقشيرها على عمق 5 إلى 10 سنتيمترات و وضعت فوقها مواد سليمة ثم تم تزفيتها، لكن السؤال المطروح هو ما مصير المواد المقشّرة و التي يُحتمل أن تكون قد دُفنت تحت الأرض، حسب الوثيقة.
التقرير قال إن تحديد الوضعية الصحية وسط السكان المحليين، يظل أمرا بالغ التعقيد، في غياب متابعة صحية أو دراسات طبية تحصي حالات السرطان التي قد تكون ناتجة عن التجارب النووية، فقرية مرتوتك بولاية تمنراست، تأثرت بالسحابة الإشعاعية التي سببتها تجربة "بيريل" التي كانت تبعد عنها ب 60 كيلومترا، وهو ما يكون قد أدى وقتها، إلى وفاة 17 شخصا بصورة مفاجئة، في حين ما يزال سكان القرية يعانون من هذه الإشعاعات، حسب التقرير.
أما بخصوص تجارب "بولان" الإضافية التي أجريت في منطقة مركز "سيمو"، فتمت تغطية مساحة 3 هكتارات قريبة من نقطة الصفر بتربة سليمة ثم تم تثبيتها بالقطران، لتُدفَن النفايات والحطام المنشآت التي تم انتشالها من المنطقة في خنادق تم ملؤها أيضا.
توصيات بتسهيل الوصول للأرشيف وعمليات التعويض
واختُتِم التقرير المكون من 60 صفحة، بتوصيات، أولها عدم إهمال أن مناطق الصحراء (رقان وعين إكر) كانت مسرحا لتجربة 17 تفجيرا نوويا ترك آثارا تشكل خطورة على السكان وكذلك على النباتات والحيوانات، كما تمت الدعوة إلى القيام بعمل معمق بخصوص النفايات غير المشعة أو تلك الناتجة عن التجارب النووية من رمال مزججة، صخور وحمم ملوثة، وكذلك الأدوات والأجهزة المشعة الأخرى المحتملة والتي دفنتها السلطات السياسية والعسكرية الفرنسية، و ذلك بهدف تحديد أماكنها واسترجاعها ضمانا للأمن الصحي للسكان ومن أجل خلق بيئة صحية.
وأشار التقرير إلى أن القانون الفرنسي المؤرخ في 15 جويلية 2008 والمتعلق بالأرشيف، يعزز بشدة ضمان سرية الأرشيف المتصل بالطاقة النووية، حيث أوصى معدا الورقة بضرورة التمكين من الوصول لأرشيفات معينة كالخرائط التي تسمح بتحديد موقع النفايات المدفونة على وجه الخصوص، ما من شأنه أن "يعزز الأمن"، كما تمت دعوة الدولة الفرنسية إلى تحسين وصول السكان الجزائريين إلى المحفوظات الطبية الموجودة بحوزة مصلحة الأرشيف الطبي الخاص بمستشفيات الجيش، وذلك من أجل تسريع عملية تعويض الجزائريين المتضررين بالتجارب النووية، مع جعل المعلومات الخاصة بالتعويضات متاحة للمعنيين باللغة العربية على الموقع الالكتروني للجنة تعويض ضحايا التجارب الفرنسية Civen؛ كما يجب أن تتم مهام هذه الهيئة، في المناطق المعنية لتسهيل عملية طلب التعويض وتكوين الملفات، مثلما تم العمل به عدة مرات في بولينيزيا.
و قال التقرير ضمن التوصيات أيضا إنه من المهم أن تسجل الجهات الفاعلة من مدنيين وجنود فرنسيون وسكان جزائريين، شهادتها في "الذاكرة الجماعية" للأجيال الآجلة، ويمكن تسريع ذلك بمساعدة أكاديميين من الجزائر وفرنسا.
"فرنسا مُطالبَة بتسليم قائمة بمواقع النفايات المدفونة للجزائر"
و في الشق المتعلق بالإجراءات الواجب اتخاذها بخصوص النفايات النووية، دعا مُعدا التقرير، السلطات الفرنسية إلى تزويد السلطات الجزائرية بالقائمة الكاملة للمواقع أين تم دفن النفايات الملوثة وتحديدها بدقة، و وصف المواد المستخدمة لتغطيتها، كما أكد أنه على فرنسا أن تزود الجزائر بخطط إنشاءات هيئة الطاقة الذرية والبديلة الفرنسية CEAالمنجزة تحت الأرض أسفل القاعدة العسكرية لهضبة رقان، وكذلك مخططات الأروقة المختلفة التي حفرت في الجبل الغرانيني تان أفلا الموجود أيضا ضمن سلسلة جبال الأهقار بولاية تمنراست.
أما في ما يتعلق بتدابير حماية الصحة، فدعا التقرير السلطات الجزائرية إلى أن تعلم الساكنة بشكل أفضل، بخصوص حظر الوصول إلى هذه المناطق، من خلال تدابير بسيطة كتدعيم الحواجز الفاصلة وتركيب لوحات المعلومات على المواقع باللغتين العربية والفرنسية، وكذلك نشر المعلومات في البلديات والمصالح الصحية في البلدات والقرى بهذه المناطق.
إلى جانب ذلك، تمت التوصية بإجراء دراسة مستقلة تشمل الأبناء والأحفاد للتأكد إذا كان هناك خطورة انتقلت عبر الأجيال، مع القيام بمسح كشف على المعدات الملوثة قيد الاستخدام حاليًا، وتنفيذ التدابير الصحية الموجهة في المقام الأول لقاطني قرية ميرتوتك ثم السكان المحليين الآخرين، وإعلام وتوعية السكان في المدارس بالتعاون مع الحركات الجمعيات، بخصوص المخاطر الإشعاعية.
و فيما يتعلق بتوصيات تأهيل وحماية البيئة، ذكر التقرير بأنه و «على الرغم من استحالة العودة إلى الحالة الطبيعية بالكامل، فإنه ينبغي إجراء عملية أولى لتقييم احتمالات إعادة التأهيل البيئي لمواقع الاختبارات النووية، مع ضمان المراقبة المنتظمة للمناطق الملوثة بمشاركة علماء مستقلين».
و أكد الباحثان أن المناطق الأكثر تلوثًا، وبشكل رئيسي موقع تدفق الحمم الموجود على جانب جبل تان أفلة، لذلك يجب تنقيته أو على الأقل تغطيته للحد من انسكاب الجسيمات المشعة من الرياح والمطر، مع القيام بمراقبة منتظمة سنوية.
و من التقنيات الجديدة التي أوصى التقرير باستعمالها، هي الطائرات بدون طيار المجهزة برادار اختراق أرضي وشعاع كاشف غاما لاكتشاف النفايات المدفونة، وكذلك استخدام صور الأقمار الصناعية لضمان المراقبة والسماح بمقارنة التغيرات بمناطق التجارب النووية، مع مرور الوقت.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.