رئيس الجمهورية يستقبل رئيس غرفة العموم الكندية    السفير بن جامع بمجلس الأمن: مجموعة A3+ تعرب عن "انشغالها" إزاء الوضعية السائدة في سوريا    شهداء وجرحى مع استمرار العدوان الصهيوني على قطاع غزة لليوم ال 202 على التوالي    محروقات : سوناطراك توقع مذكرة تعاون مع الشركة العمانية أوكيو للاستكشاف والانتاج    انطلاق الطبعة الأولى لمهرجان الجزائر للرياضات    مهرجان عنابة للفيلم المتوسطي: فيلم "بنك الأهداف" يفتتح العروض السينمائية لبرنامج "تحيا فلسطين"    ورقلة /شهر التراث : إبراز أهمية تثمين التراث المعماري لكل من القصر العتيق ومدينة سدراتة الأثرية    إستفادة جميع ولايات الوطن من خمسة هياكل صحية على الأقل منذ سنة 2021    السيد دربال يتباحث مع نظيره التونسي فرص تعزيز التعاون والشراكة    الشمول المالي: الجزائر حققت "نتائج مشجعة" في مجال الخدمات المالية والتغطية البنكية    "الأمير عبد القادر...العالم العارف" موضوع ملتقى وطني    وزير النقل يؤكد على وجود برنامج شامل لعصرنة وتطوير شبكات السكك الحديدية    السيد بوغالي يستقبل رئيس غرفة العموم الكندية    حج 2024: آخر أجل لاستصدار التأشيرات سيكون في 29 أبريل الجاري    حلم "النهائي" يتبخر: السنافر تحت الصدمة    رئيس أمل سكيكدة لكرة اليد عليوط للنصر: حققنا الهدف وسنواجه الزمالك بنية الفوز    رابطة قسنطينة: «لوناب» و «الصاص» بنفس الريتم    "الكاف" ينحاز لنهضة بركان ويعلن خسارة اتحاد العاصمة على البساط    خلال اليوم الثاني من زيارته للناحية العسكرية الثالثة: الفريق أول السعيد شنقريحة يشرف على تنفيذ تمرين تكتيكي    شلغوم العيد بميلة: حجز 635 كلغ من اللحوم الفاسدة وتوقيف 7 أشخاص    ميلة: عمليتان لدعم تزويد بوفوح وأولاد بوحامة بالمياه    تجديد 209 كلم من شبكة المياه بالأحياء    قالمة.. إصابة 7 أشخاص في حادث مرور بقلعة بوصبع    بقيمة تتجاوز أكثر من 3,5 مليار دولار : اتفاقية جزائرية قطرية لإنجاز مشروع لإنتاج الحليب واللحوم بالجنوب    رئيس الجمهورية يترأس مراسم تقديم أوراق اعتماد أربعة سفراء جدد    نحو إنشاء بوابة إلكترونية لقطاع النقل: الحكومة تدرس تمويل اقتناء السكنات في الجنوب والهضاب    رئيسة مؤسسة عبد الكريم دالي وهيبة دالي للنصر: الملتقى الدولي الأول للشيخ رد على محاولات سرقة موروثنا الثقافي    قراءة حداثية للقرآن وتكييف زماني للتفاسير: هكذا وظفت جمعية العلماء التعليم المسجدي لتهذيب المجتمع    السفير الفلسطيني بعد استقباله من طرف رئيس الجمهورية: فلسطين ستنال عضويتها الكاملة في الأمم المتحدة بفضل الجزائر    معرض "ويب إكسبو" : تطوير تطبيق للتواصل اجتماعي ومنصات للتجارة الإلكترونية    تسخير 12 طائرة تحسبا لمكافحة الحرائق    بطولة وطنية لنصف الماراطون    مشروع جزائري قطري ضخم لإنتاج الحليب المجفف    القيسي يثمّن موقف الجزائر تجاه القضية الفلسطينية    ش.بلوزداد يتجاوز إ.الجزائر بركلات الترجيح ويرافق م.الجزائر إلى النهائي    هزة أرضية بقوة 3.3 بولاية تيزي وزو    تمرين تكتيكي بالرمايات الحقيقية.. احترافية ودقة عالية    العدالة الإسبانية تعيد فتح تحقيقاتها بعد الحصول على وثائق من فرنسا    إجراءات استباقية لإنجاح موسم اصطياف 2024    عائلة زروال بسدراتة تطالب بالتحقيق ومحاسبة المتسبب    معركة البقاء تحتدم ومواجهة صعبة للرائد    اتحادية ألعاب القوى تضبط سفريات المتأهلين نحو الخارج    إنجاز ملجأ لخياطة وتركيب شباك الصيادين    ارتفاع رأسمال بورصة الجزائر إلى حدود 4 مليار دولار    جعل المسرح الجامعي أداة لصناعة الثقافة    فتح صناديق كتب العلامة بن باديس بجامع الجزائر    "المتهم" أحسن عرض متكامل    دعوة لدعم الجهود الرسمية في إقراء "الصحيح"    جلسة للأسئلة الشفوية بمجلس الأمة    الاتحاد الأوروبي يدعو المانحين الدوليين إلى تمويل "الأونروا"    فيما شدّد وزير الشؤون الدينية على ضرورة إنجاح الموسم    الرقمنة طريق للعدالة في الخدمات الصحية    حج 2024 : استئناف اليوم الثلاثاء عملية حجز التذاكر للحجاج المسافرين مع الديوان الوطني للحج والعمرة    حكم التسميع والتحميد    الدعاء سلاح المؤمن الواثق بربه    أعمال تجلب لك محبة الله تعالى    دروس من قصة نبي الله أيوب    صيام" الصابرين".. حرص على الأجر واستحضار أجواء رمضان    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



"الجمهورية "تزور معتقلات القتل والتعذيب ببني بحدل والخميس ببني سنوس
جرائم تحت الأنقاض
نشر في الجمهورية يوم 29 - 12 - 2014

الأمة التي ليس لها تاريخ ليس لها حاضر ولا مستقبل، مقولة صحيحة وصادقة إلى حد بعيد، إذ أن قراءة الماضي والوقوف على وقائعه وسيلة تساهم لا محالة في ارتقاء أية أمّة ومجتمع ولعلّ تلمسان مدينة التاريخ والرقي المعماري ومنشأ الزيانيين ومهد الحضارات التي تركت شواهد تحكي وتروي قصصها ترقد على معالم تاريخية وأثرية تعود إلى أحقاب طويلة تفوح بعبق الثقافات المثوراتة منذ العصور الغابرة ,ولأن الحديث عن المدينة الثانية التي تكتسي أهمية كبيرة في الغرب الجزائري بعد ولاية وهران يفتح مجالات واسعة ومتعددة لايسع المقام لذكرها خصصنا موضوع تحقيقنا الصحفي حول بطولات وتضحيات الولاية الخامسة التاريخية التي كان لها دور فعّال ومهّم خلال الثورة التحريرية الكبرى خاصة وأن لؤلؤة المغرب الكبير كما يصطلح على تسميتها تتميز بالموقع الاستراتيجي الحدودي و اتساع الرقعة الجغرافية التي كانت تغطيها . كما تفتخر هذه المدينة بالقادة الكبار الذين خططوا للمعارك وواجهوا العدو ببسالة الشجعان وحنكة العظماء في مقدمتهم الشهيد البطل العربي بن مهيدي و عبد الحفيظ بوصوف و عبد الملك رمضان و هواري بومدين و عبد العزيز بوتفليقة وبن بلة وسي عثمان والعقيد لطفي وغيرهم من الزعماء الذين قادوا الثورة في الولاية الخامسة , ولابد من أن نشير قبل الشروع في رحلتنا التي قادتنا إلى تلمسان المدينة المضيافة إلى نبذة تاريخية وجيزة عن الولاية الخامسة التاريخية التي كانت من أهم القواعد الخلفية لعبور السلاح من منطقة الحدود وتموين الجبهة بالذخيرة والعتاد الحربي .
1000 شهيد بمنطقة "بني سنوس"
انطلقت رحلتنا التي دامت قرابة الساعتين من وهران نحو عاصمة الزيانيين من أجل البحث عن أحداث تاريخية لم يسبق ذكرها ولا ذكر تفاصيلها , ثم قصدنا وسط المدينة بحثا عن دليل يقودنا لجمع الشهادات الحية من أفواه من صنعوا التاريخ ولهذا الغرض توجهنا إلى مديرية المجاهدين التي كانت تشهد حركة غير عادية وتوافدا كبيرا للزوار وعلمنا أن هذه الفترة من نهاية السنة تتزامن مع إعادة جرد ملفات المجاهدين ,حيث و جدنا في استقبالنا المدير الولائي السيد جمعي بومعراف الذي كان منشغلا في أداء مهامه ,تحدث إلينا عن العمليات التي مهدت للثورة في 54 قائلا " قبل الإنطلاقة الفعلية لحرب التحرير التي عممت في وقت واحد على جميع المناطق إنطلاقا من جبال جرجرة , الونشريس ومرورا بأقصى الشمال القسنطيني ووصولا إلى غرب البلاد وأقصى الجنوب , وكما هو معلوم قاد قائد الولاية الخامسة العربي بن مهيدي أول عملية عسكرية رمزية بمشاركة مجموعة مكونة من 12 مجاهدا من بينهم محمد الوهراني ونائبه أحمد الوهراني وساهموا في انطلاق أول شرارة في هذه المنطقة ,علما أن المجموعة المذكورة وزّعت على فوجين. إذ تبنى الفوج الأول عمليات حرق أشجار الفلين والعملية الثانية كانت عسكرية و تمّت بنصب كمين قتل فيه معمّر . وكانت جبال بني سنوس شاهدة على أولى معارك الولاية الخامسة التي انطلقت بالتحديد في شهر أكتوبر من سنة 1954بمنطقة تلمسان مما يعني أن أوّل عملية عسكرية رمزية تحت قيادة العربي بن مهيدي .و عبد الحفيظ بوصوف نفذّت على تراب بني سنوس ,هذه المنطقة التي قدمت للثورة ما يزيد عن 1000 شهيد " وأضاف السيد بومعراف أن نشاط الجبهة الذي شهدته المنطقة أثناء اندلاع الحرب قابلته سياسة الثأر والقمع والتعذيب التي مارستها الإدارة الفرنسية على الشعب الجزائري من أجل كبح جماح الحركة الثورية بعدما اكتشفت فرنسا أن هذه المنطقة باتت تشكّل خطرا عليها باعتبارها إحدى المعاقل الاستراتيجية للثوار.
175 معتقل ومحتشد للقتل والتعذيب بتلمسان
ونظرا للأهمية التاريخية لمنطقة بني سنوس الواقعة في الجنوب الغربي على بعد 40 كلم تقريبا من عاصمة الولاية ارتأينا ان نبدأ جولتنا الميدانية من هنا خصوصا أن هذه المنطقة تعد مهد الثورة في الولاية الخامسة ,وعلمنا أن تلمسان تضم أكبر عدد من المعتقلات و المحتشدات ومراكز التعذيب التي تعد من أهم الوسائل التي انتهجها العدو لترهيب سكان القرى والمداشر لمنعهم من الإنضمام للجبهة في محاولة للقضاء على نشاط جيش التحرير
أنشات فرنسا 51 معتقلا ونفس العدد من المحتشدات عبر كامل تراب الولاية وما يربو عن 75 مركز تعذيب في المنطقة برمتها أي بما يفوق 175 في المجموع ولعل هذا العدد الهائل من المعاقل التي استعملتها فرنسا لإذلال الشعب الجزائري ,ونزع الاعترافات منه يفسّر ما مدى فظاعة التعديب والقمع الممارس على الجزائريين في تلك الفترة , فأي فظاعة أشد من هذه الفظاعة و أي قسوة أبلغ من هذه القسوة عندما كانت تقطع أجساد الأسرى وتنتزع أطرافهم وهم أحياء داخل المراكز , وتنهش الكلاب لحوم الشهداء ومن لم يمت بوسائل التعذيب على طاولة الجلادين مات من شدة البرد أوالجوع
وعلى هذا الأساس أخد جانب الحديث عن المعتقلات في موضوع بحثنا حصة الأسد باعتبارها شواهد تاريخية تروي مآسي سكان المنطقة الذي ذاقوا أشد أنواع العذاب علي يد العدو ,توجهنا على مثن سيارة العمل إلى منطقة بني سنوس المترامية بين الجبال والصخور مررنا عبر الشريط الجبليي , وعند بلوغنا ناحية الطريق الذي يتوسط جبال صيرة وبني سنوس لمحنا معلما تاريخيا في طو ر الإنجاز بساحة أحفير ببلدية عين الغرابة . وهو المعلم التذكاري الذي تحدث عنه المدير الولائي للمجاهدين وينتظر تدشينه بمناسبة إحياء اليوم الوطني الشهيد , لم نتوقف عند هذه المحطة وواصلنا الرحلة باتجاه المكان المقصود وقبل وصولنا شاهدنا مناظر الطبيعة العذراء التي تفصل بني سنوس عن عاصمة الولاية ولفت انتباهنا خلو المنطقة من التجمعات السكنيىة التي غالبا ما تنتشر بالقرب من المزارع . غير أن الطابع الصخري والحجري الذي يميز المنطقة عزل بني سنوس في أقصى نقطة من الجنوب الغربي للولاية ,وبمجرد أن سلكنا هذا الشريط الجبلي بدأت تتضح لنا معالم البناء المنخفض وتحديد اعندما اقتربنا من بلدية عين الفتوح ثم المملوح و العزايل وصولا الى بني سنوس وهي المناطق التي تتميز بزراعة اشجا ر الزيتون ونشاط المعاصر .
من هنا تبدأ قصة معتقل سد بني بحدل
رافقنا في هذه الرحلة الشاقة المجاهد بهلول قدور الذي دلّنا على معاقل التعذيب والمحتشدات التي أنشأتها فرنسا في هذه البقعة , وعندما قطعنا طريق الوادي وجدنا المجاهد بوجنان علي في انتظارنا أمام مدخل بلدية الخميس , حيث رافقنا باتجاه سد بني بحدل وتحديدا نحو معتقل السد (Barrage).
وهو المركز الذي فتح في سنة 1955 تحت إشراف النقيب "بالانك" وكان مقسما إلى قسمين الأول خاص بدا ر "سي امحمد" التي كانت ملك للسيد بلحاج أحمد واغتصبت منه من قبل قوات فرنسا ليتم تحويلها إلى معتقل لتعذيب المجاهدين القاطنين بقرى العزايل وبني بحدل وكذا المجاهدين القادمين من عدة مناطق .
و القسم الثاني وهو دار" البولوني" التي كانت تابعة لمعمّر إسباني ,بنيت سنة 1932 وأدرجت كملحقة تابعة للمركز في سنة 1955 , وحسب شهود من المنطقة فالقليل من نجى في هذا المركز , وتتواجد قربه غرف التعذيب مشكلة من 8 زنزانات ضيقة موصولة بقضبان حديدية لتقييد المعتقل , وهي بحجم قفص من الحجارة يوضع فيه الأسير وهو فاقد الوعي بعد تعذيبه.
مغارة السد من ورشة للاسمنت إلى محتشد للأسرى
عزز هذا المركز في الفترة مابين سنة 1958 و1962 إلى محتشد كبير يجمع مئات الأسرى من الجزائريين وحوّل النقيب" تيسو "الذي أشرف عليه في هذه الفترة من المغارة المؤدية لسد بني بحدل التي كانت عبارة عن ورشة مخصصة لصناعة للإسمنت المسلح من أجل بناء السد إلى محتشد للمجاهدين الذين ألقي عليهم القبض في مناطق متفرقة
وكان يفوق عدد السجناء ال500 فرد معظمهم كلفوا بالأعمال الشاقة والبقية تم إعدامهم ومحاكمتهم بعد جلسات التحري التي كانت تتم على وقع التعذيب والقمع, وعلمنا أن أول من توفي من المجاهدين في هذا المركزهم الشهداء حضري أحمد , وبن بشير عبد القادر , وبختاوي محمد رحمهم الله .
خلال وصولنا إلى سد بني بحدل للوقوف على وضعية هذا المعتقل , ورغم أننا اصطحبنا مجاهدين من أبناء بلدية الخميس إلا أننا توقفنا عند نقطة المراقبة المتواجدة أمام المدخل الرئيسي لسد بني بحدل حيث طلب منا الحارس أوراق التصريح بالمهمة واستفسر عن سبب قدومنا, ولمّا علم أننا صحفيين جئنا من أجل زيارة المعتقل سمح لنا بالمرور, ولو كانت وجهتنا نحو السد لبقينا ننتظر في الخارج ,لأن الدخول إلى ناحية سد بني بحدل لا يكون الا بتصريح من المسؤولين المعنيين .
هدم أروقة التعذيب بدار" البولوني" ,,,, انتهاك للمعلم التاريخي
المهم دخلنا هذا المكان الذي لم يبق منه سوى معالم مترامية هنا وهناك ومنها ما هي على حافة الإنهيار خصوصا وأن هذا المعتقل شهد بناء بعض المنازل التي أخفت آثار التعذيب عدا بعض الغرف والزنزانات التي بقيت على حالها رغم اهترائها وهدم جزء كبير كان مبنيا في مدخل المعتقل , وهو ما شاهدناه بمجرد ولوجنا إلى الداخل حيث وجدنا بقايا حجارة قديمة لزنزانات دار "بولوني" التي هدمت بعد الاستقلال وحسب المجاهد عباس يبدري الذي عذب في هذا المكان أن المعتقل أحد شواهد القتل والإبادة خلال فترة القائد" بالونغ "وذلك في الفترة الممتدة مابين سنتي 1957 و1958 ,
المجاهد يبدري عباس :" قبض عليّ في الجرف الأحمر رفقة 3 نساء وعشت الجحيم في معتقل الخميس"
عن مسيرته قبل إعتقاله قال المجاهد عباس " صعدت إلى الجبل في سنة 1959 للالتحاق بالمجاهدين وكان عمري انداك 17 سنة .و أتذكر حينما كنت أدرس في الإبتدائية أن القرية القريبة من "باراج " حوّلت إلى سكنات وظيفية للعمال الذين شغلوا في فترة بناء السد , وبعد التحاقي بصفوف المجاهدين في الجرف الأحمر , تعرضنا للوشاية وأصبت في عملية تمشيط قامت بها القوات العسكرية في تلك المنطقة ,حيث قبض عليّ في يوم الأربعاء المصادف لتاريخ 10 فيفري 1960 , وقضيت تلك الليلة في معتقل الخميس تم أخذوني إلى دار الطاهر , وفي اليوم الموالي زارنا الملازم "ناو" الذي كان يرتدي الزي المدني ويملك عيادة في وسط مدينة تلمسان بحكم مهنته كطبيب وبما أنني كنت أدرس في الإبتدائية قبل ذلك وتحديدا في فترة تولي القايد حكم المنطقة ,تعرّف الدكتور" ناو " على ملامحي في وسط الأسرى المكبّلين واقترب مني قائلا " ألست الشخص الذي كان يزورني مع زوجة أستاد المدرسة " مارسال كوفار" إلى العياد ة " وعندما تأكد من هويتي طلب من الجندي أن يفك أسري واقتيادي إلى المستشفى لأنني كنت جريحا . وهذا هو السبب الذي كان وراء عدم تحويلي إلى زنزانات الجحيم في معتقل السد , بينما بقية رفاقي الذين ألقي عليهم القبض معي من بينهم 3 نساء . أصيب منهم 5 وقتل اثنان والبقية عذبوا داخل المعتقل ,
محمد بوزياني إبن شهيدالمنطقة بوزياني أحمد:
"والدي قتل بالرصاص في محاولة فراره من زنزانات دار البولوني "
في هذه الأثناء التي زرنا فيها المكان صادفنا في طريقنا إبن الشهيد بوزياني أحمد الذي قتل على وقع التعذيب في زنزانات دا ر" البولوني" وروى محمد أن الوالد رحمه الله حاول الفرار من هنا أثناء جلسات الاستنطاق لكنه استشهد برصاص المستعمر في عين المكان. ويتذكّر محمد الذي كان طفلا في سن العاشرة أن والده تعرض لهذه الحادثة في سنة 1958.
وفي نفس المكان الذي استشهد فيه الشهيد بوزياني أحمد تتواجد حاليا بقايا الزنزانات التي هدمها مسؤولو البلدية سابقا و تأسف المجاهدون الذين وقفوا على أطلال المنشأة الاستعمارية لمصير هذا المعلم الذي فقذ خصوصيته بسبب الإهمال و الجهل
المجاهد بوجنان يروي بحرقة شديدة لحظات تعذيبه في معتقل السد:
" عذبت بالصعق الكهربائي والقليل من نجا على طاولات الموت "
أخيرا نطق المجاهد بوجنان الذي إلتزم الصمت في البداية وانتفض من داخله عندما شاهد بقايا الزنزانات التي عذب فيها قائلا " كنت أسيرا تحث رحمة العدو رفقة المجاهد بهلول قدور في هذا المكان ولو تحدث الحجر لبكى دما , لقد رأينا بأم أعينيا أشد انواع التعذيب فلم نسلم من الصعق الكهربائي على طاولات الموت حيث كانوا يقومون برمينا داخل صهاريج المياه القذرة ويقيّدونا بواسطة أسلاك مكهربة على مستوى الأذن وأصابع الأرجل .ويربط سلك آخر في اللسان . ليبدأ العذاب الشديد تحث التيار العالي, ومن شدة الآلام كان البعض من المجاهدين يفارقون الحياة على طاولات الموت ,
زنزانات دار "سي أحمد " قفص من جحيم
توقف محدثنا عن الكلام فاسحا المجال للمجاهد بهلول قدور الذي تابع كلامه قائلا " قبل اعتقالي عيّنت كاتبا في الناحية التي كان يقودها سي ميلود أنداك واسمه الحقيقي مجاهدي عبد الكريم إلى جانب المجاهدين بوسماحة محمد وبوزياني أحمد حيث قبض علينا رفقة 4 نساء في هجوم عسكري للقوات داخل المخبأ الذي كنا نتوارى فيه بالجرف الأحمر .
ليتم اقتيادنا إلى معتقل بني بحدل حيث تتواجد زنزانات أخرى خلف المبنى بدا رسي أمحمد وقال بوجنان بعدما صعدنا إلى الزنزانات الخلفية التي بقيت على حالها عدا ترميم المبنى الذي تحول إلى سكن عائلي وعلمنا أن هذا المعتقل كانت تسكنه المجاهدة فاطمة خلفي التي عذبت وقطعت أطرافها لكنها حرصت على المكوث فيه بعد الاستقلال ورحلت بعد فترة زمنية .
معتقل السد شاهد على عمليات القتل الجماعي
قال المجاهد بوجنان علي أن معتقل السد شهد عدة عمليات للقتل الجماعي بحيث لا يمكن إحصاء عدد الأسرى الذين مروا من هنا , ومعظمهم من المدنيين العزل الذين ينشطون مع الثوار فمنهم من قدموا من مناطق تيري , الخميس , سيدي العربي , قصر شرافة اليمامة حاليا , وهناك مجاهدون دفنوا في المعتقلات وخير شاهد على مجازر العدو في هذه المنطقة يقول الشيخ عباس هو معتقل آخر بالخميس الذي لم يتحدث عنه أحد ,وعلمنا أننا بصدد إجراء سبق صحفي في هذا الخصوص . حيث طلبنا من المجاهدين الذين رافقونا إلى سد بني بحدل زيارة معتقل القتل والتعذيب بالخميس بإعتبار منشأة غير مصنفة ضمن المعتقلات الاستعمارية لحد الآن.

المغارة جحر الانتظار للأسرى المحولين على الأشغال الشاقة
وفي ذات السياق أثار فضولنا المجاهد عباس لمعرفة خبايا معتقل الخميس الكامنة في باطنه وقصته التي لايعرفها سوى سكان المنطقة الذين لازالوا يحتفظون بأسرار هامة عن الثورة , وقبل الذهاب الى بلدية الخميس كان من واجبنا التوّجه إلى المغارة التي استعملتها فرنسا لحشد السجناء الذين لم تكتمل التحريات عنهم ,ومنهم من حوّلوا للأشغال الشاقة في منطقة العريشة وكان الشيخ عباس واحد من هؤلاء الذي قضوا فترة الأسر تحت التعذيب و أعمال "الكرفي " على حد قوله , وأردف قائلا " قضيت فترة الشهرين في محتشد العريشة وكنا نعمل في تكسير الحجارة بدون إنقطاع من الساعة الثالثة صباحا إلى غاية منتصف الليل تحت رحمة الجلادين الذين كانوا يضربوننا ونحن نشتغل , وكنت رفقة بعض المجاهدين الذين حولوا من الخميس نحو العريشة وأذكر منهم بن عبد الله عبد الحفيظ الذي لايزال على قيد الحياة والبقية كلهم توفوا يرحمهم الله
وأحيطكم علما أن السجناء هم الذين قاموا ببناء معتقل السد في سنة 1955 حيث كان تابعا لدار سي أمحمد لكن فرنسا انتزعته بالغصب وحوّلته بعد اندلاع الثورة إلى معتقل للقتل والتعذيب
وقضى المجاهد بوجنان الذي فقد إحدى عينه في حادثة لا علاقة لها بالتعذيب نفس رحلة العذاب داخل أسوار بني بحدل وتحدث ل" الجمهورية" بحرقة شديدة في لحظات استحضر فيها أحلك أيامه أثناء الثورة " أوقفوني 3 مرات وفي كل مرة نجوت من الموت . وكانت بداية رحلتي داخل أروقة الموت ببني بحدل في سنة 1957 عندما ألقي علي القبض في الخميس وحولوني إلى هذا المكان . رغم أنني لم أكن مجندا في الجيش لكن السكان كانوا يدعّمون الثورة وينشطون مع المجاهدين في عمليات تتعلق بجمع الاشتراكات لتمويل الجبهة وتزويدها بالمئونة وحتى فيما يتعلق بتمرير الرسائل وعندما تفطنت العساكر لتحركاتي قبض علي وقضيت 3 أشهر في معتقل "باراج "
مهمتنا جمع أموال الإشتراكات ومساعدة زوجات الشهداء والأسرى
واعتقلت رفقة المجاهد بهلول الذي كان أحد رجال القسمات التابعة للثورة حيث عيّن مسؤولا على خلية متكونة من فوج يضم 44 مجاهدا مهمته جمع الأموال من أجل تسليمها لقائد العرش الذي بدوره يشرف على 4 مجموعات تضم 44 عضوا موّزعا في مناطق يحددها القادة وللعلم كان يقتطع شطر من الاشتراكات لمساعدة عائلات الشهداء والسجناء, وكنا نقوم انذاك بتسليم مبلغ 10 دنانير لأرامل الشهداء و زوجات الأسرى يضيف المجاهد بهلول , وهذا المبلغ مهم في تلك الفترة و وخلال فترة حجزي داخل المعتقل يواصل كلامه -كنا نمر بأصعب الأوقات اثناء جلسات التعذيب والاستنطاق وكان ضباط فرنسا لا يملون ولا يكلّون في معاودة التحقيق معنا والذين كانوا يحولون للمحاكمة يرتاحون من العذاب بينما الباقون فكان مصيرهم إمّا الموت أو الأشغال الشاقة , فعلى غرار زميلي بوجنان الذي انتقل الى القصبة بتلمسان تم نقل إلى سجن وهران , ثم أطلق سراحه لكنه وقع في مجددا في قبضة العساكر ونقل إلى معتقل شاطو بسبدو ومكث لمدة 5 أشهر وأفرج عنه قبل أشهر من الاستقلال .
ولا زلنا نتذكر جحيم التعذيب ببني بحدل رغم أننا بقينا هناك لمدة أسبوع ومرت علينا هذه الأيام وكأنها سنوات طويلة ذقنا خلالها مرارة العذاب , وبعدها مكثت لمدة عام ونصف في محتشد العريشة ,
المجاهد بهلول يستحضر حادثة استشهاد الاسير سي ابراهيم بزي العدو
" فرنسا استعملتنا كذروع بشرية بجبل الموطاس في مواجهة الثوار "
وفي عهد" لواس " منظمة الجيس السري الفرنسي كانت هناك معارك طاحنة في الجبال و تحديدا على الشريط الحدودي , استعملتنا فرنسا كذروع بشرية في المناطق التي يتواجد فيها الثوار بجبال العصفور وموطاس و, الكاف و صبرة من أجل الكشف عن المخابئ ويتم تقديم الأسير إلى المكان المستهدف بالزي العسكري الفرنسي لغرض التمويه وفي بعض الأحيان يسقط الطعم في ساحة القتال وكانت العساكر تقدم حوالي 24 كبش فداء من المجاهدين في هذه العمليات لاستدراج الثوار وأتذكر الشهيد ابراهيم الله يرحمه الذي كان فدائيا وألقي عليه القبض في تلمسان وعندما خرج من الزنزانة حاول ان يخدع الضباط وزعم أنه يعرف مكان الفلاقة وعندما قادهم بالقرب من جسر الوادي همّ بالفرار لكنه استشهد بعد اطلاق النار عليه , وفي معتقل العريشة حيث كنت من بين مئات المعتقلين الذين عملوا في المحاجر وكان معظمهم من منطقة سيدي الجيلالي استخدمنا العدو في جمع جثث الشهداء الذين سقطوا في المعارك من أجل التعرف على هويتهم, وكنا ننكر حتى لو عثرنا على الأشلا ء من ذوينا في هذه العمليات التي كان تريد منها فرنسا إحصاء ضحايانا من جيش ا لتحرير بهذف تقليص قائمة المطلوبين لديها في حالة العثور على جثة أحدهم
" في أواخر61 جمعنا أشلاء شهداء العريشة المدفونين في سيدي الجيلالي"
,كنا نقوم بجمع الأشلاء وأطراف المجاهدين التي لا يمكننا التعرف عليها نظرا لبشاعة المنظر حيث جمعنا في أواخر 1961 في منطقة العريشة جثت مشوهة معظمها مفصولة الأعناق و الأطراف من الصدر و وهو دليل على شراسة المعارك التي كانت تشهدها المنطقة انذاك وعلمنا بعد ذالك أنهم دفنوا في منطقة سيدي الجيلالي
وفي الجهة المقابلة لزنزانات دار سي محمد يظهر للعيان جبل موطاس الذي حصد أرواح الشهداء الذين كانوا يختبؤون فيه, حيث أكدّ ل" لجمهورية "المجاهد بهلول أن فرنسا وضعتنا كفئران تجارب في هذه المنطقة ودرّبت الكلاب الذين نهشوا أجسادنا وفي حالة سقوط الضحية على الأرض سيلقى حتفه على الفور ولن يفلت من عضة الكلاب القاتلة وهو ما تعرض له
" فرنسا درّبت الكلاب على رائحة السجناء بنهش أجسادنا "
محدثتا المجاهد بهلول الذي لايزال يستحضر لحظات التعذيب التي عاشها عندما وضع في الغابة وطلب منه الجري إلى غاية مسافة معينة حاملا بين يديه كيس من الرمل وذلك لتدريب الكلاب على شم رائحة السجناء وقال " لقد كنت أصارع عضات الكلاب حتى لا أسقط أرضا وتتمزق أحشائي, لكنني نجوت من إختبار العدو وبقيت على قيد الحياة وعندما كنّا نتجمع داخل المحتشد في المغارة نحكي ماحدث لبعضنا البعض ماحدث لنا وكنا نذرف الدموع من شدة الألم والوجع ومن كان ينجو من الكلاب الشرسة يقع في فخ الألغام التي كانت تقوم بتجريبها القوات في عدة مناطق لملاحظة قدرتها على الإنفجار.
بوجنان يكشف عن قصة الشهيدة رقية فاطمة من بلدية الخميس التي دفنها في المعتقل
" وجدتها جثة هامدة داخل الزنزانة وسائل أصفر يخرج من فمها من شدة الضرب"
كان الأسرى في زنزانات السد يموتون بعد التعذيب وهو ما حدث للشهيدة رقية فاطنة التي استشهدت داخل الزنزانة وقال بوجنان " الشهيدة رقية اقتيدت من منطقة الخميس إلى هنا وكانت ضمن المجموعة التي كنت متواجدا فيها ولم تكن لها بالثوار حيث اعتقلت في بيت أختها في حادثة مقتل جندي فرنسي وجرّت مع المشبوهين إلى المعتقل وبعد تعذيبها حولت للزنزانة وفي اليوم الموالي , كنت مكلفا بتوزيع الحساء وعندما فتح الجندي عليها الزنزانة اقتربت منها لإطعامها فإذ بي أجدها جثة هامدة وهي جالسة وينزل من فمها سائل أصفر ,حينها عرفت أن المرحومة رقية ماتت من شدة الضرب الذي تعرضت له أثناء التعذيب . واستنجدت بالجندي وقلت له انها ميتة فطلب مني أن ألفها بقماش وقمت بدفنها بالقرب من المعتقل لكن قبرها غير معروف حاليا .
" نشتغل " الكورفي " ببطون فارغة وخبزة واحدة توزع على 7 معتقلين "
وليس بعيدا عن هذا المكان تحدث المجاهدون الذين رافقونا في هذه الرحلة عن" لاغروت" التي تحولت من مخزن" للبيطون" إلى محتشد داخل النفق الأرضي الموصول بالأسلاك الشائكة التي وضعت لمنع الأسرى من الهروب , واستغلت مغارة السد لحشد مئات المجاهدين الذين يقومون بالأشغال الشاقة , حيث أكد المجاهد بهلول أن الأسير عليه أن يقطع مسافة طويلة وسط الأسلاك للوصول إلى المغارة وتتطلب مدة السير داخل النفق حوالي نصف ساعة تقريبا نظرا لصعوبة إختراق الأسلاك , "لقد فعلت بنا فرنسا ما فعلت, فالسجين كان بمثابة خروف مربوط للذئاب وفقط.
وعرّج المجاهد بوجنان وهو واقف على أطلال معتقل السد الذي عذب فيه للحديث عن سياسة التجويع التي مارستها فرنسا ضد السجناء حيث قال " الخبزة الواحدة كانت توّزع على7 سجناء وكل واحد منا يكتفي بقطعة صغيرة وكمية من حساء الجزر
معتقل التعذيب والقتل بالخميس معلم منسي
مقابر جماعية لمئات الشهداء الذين قتلوا على يد " لاصاص "
خرجنا من المعتقل وفي طريقا نحو معتقل الخميس قصدنا بيت المجاهد بهلول الذي قام بواجب الضيافة بحضور أبناءه ورفيق دربه في الكفاح المجاهد بوجنان , وسلّمنا قائمة بأسماء . الشهداء الذين قتلوا في معتقل الخميس واعتبرها قائمة أولية لأن هذا المعتقل شهد عدة عمليات قتل جماعية ولاتزال رفات الشهداء مدفونة في باطنه, بينما تم التعرف على أبناء منطقة الخميس الذي قتلوا على يد "لاصاص " . المهم توجهنا إلى المعلم المنسي بالخميس الكائن قرب المجسد القديم بوسط بلدية الخميس . وعندما وصلنا لم نكن نتوقع أن هذا المعتقل يشبه منازل المعمرين حيث علمنا أنه كان عبارة عن مدرسة كولونيالية تم حولت في عهد الصاص ( المصالح الادارية المختصة )إلى معتقل للتعذيب والقتل .
المجاهد بركاني مختار :"كنت أقوم بردم جثث الشهداء في حفرة بعمق 4 امتار خلف المبنى"
دلّنا السيد بهلول على المجاهد بركاني مختار الذي كان جالسا بالقرب من المسجد حيث أكد هذا الأخير أنه كان يقوم بعمليات الحفر خلف المعتقل على عمق 4 امتار لدفن الشهداء الذي قتلوا في هذا المكان وعندما يتضاعف عددهم نقوم بفرش طبقة من الأعشاب ونحرقها حتى نتمكن من إعادة دفن مجموعة أخرى في نفس المكان الذي تحول إلى قبو خلف المبنى وكان المجاهد بركاني مختار من بين الذين اعتقلوا في سنة 1957 ونقلوا من معتقل السد الى معتقل الخميس الذي يشهد على مقتل حوالي 100 شهيد من منطقة الخميس ولحد الآن لم يصنّف كمعتقل للتعذيب والقتل لدى وزارة الدفاع الفرنسي , وهذا المكان فتح في سنة 1954 ومارست فيه فرنسا كل أنواع التعذيب من تنكيل وتقطيع على الطاولات وقتل بالرصاص وهناك بعض الأسماء التي دفنت في فنائه يقول المجاهد بركاني أمثال الشهيد قصاب محمد ونجله عبد القادر , والشهيد عرباوي عبد القادر وأبنائه , الهيبري لخضر وابنه والمرحوم محمد ولد الحاج وشهداء اخريين قدموا من عدة مناطق


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.