تجري حاليا على قدم وساق عملية إنجاز دراسة تقنية لترميم و إعادة البناء و بالتالي الحياة من جديد لأحد ابرز المعالم الأثرية للإشارة البحرية على مستوى مدينة دلس (63 كلم شرق مقر الولاية بومرداس) و المتمثل في "منارة برج فنار" العتيقة حسب التسمية الرسمية لها أو منارة "بن غوت" حسب الإسم الشائع أو المشهورة به وسط سكان هذه المدينة. وتم إدراج إنجاز الدراسات المذكورة التي كلف بها مكتب دراسات متخصص في إطار البرامج القطاعية لسنة 2016 حسبما أوضحه لوأج عبد العالي قوديد مدير السياحة، الذي أكد بأنه سيتم من خلال ذلك تحديد الإجراءات الإستعجالية لتوقيف تدهور هذا المعلم الهام الذي زادت وضعيته سوءا جراء زلزال 21 مايو 2003 . وقسمت هذه الدراسة التقنية إستنادا إلى نفس المصدر على ثلاثة مراحل أستكمل إنجاز المرحلة الأولي منها إلى حد اليوم و تتضمن تشخيص المعلم من كل النواحي والقيام بأشغال إستعجالية عند الضرورة و المرحلة الثانية التي إنطلقت مؤخرا وتتمثل في إنجاز دراسة "تيبولوجية " لهذا المعلم و المرحلة الثالثة إعداد الصيغة النهائية عن حالة المعلم . ويبقي هذا المعلم التاريخي الذي سجل في قائمة الجرد الإضافي للممتلكات الثقافية العقارية و صنف كمعلم تاريخي بالولاية سنة 2008 و على إثرها ذلك صنف كمعلم وطني تاريخي سنة 2015ي شامخا بطرازه المعماري الرفيع و موقعه الفريد المطل من الأعالي على خليج البحر حيث يشد أنظار الزائرين من كل الاتجاهات و في مرمي أعين البحارة و ربان السفن من كل الجوانب . ويحتاج هذا المعلم التاريخي حاليا إلى أشغال استعجالية فعلية خاصة و أنه معرض للانهيار بسبب حالة التردي و اللامبالاة التي آل إليها بعوامل الزمن والإنسان بعد توقفه عن النشاط. وأمام هذه الوضعية التي آل إليها هذا المعلم الأثري تعهد والي الولاية عبد الرحمن مدني فواتيح مؤخرا ي في لقاء تنصيب لجنة تسيير مدينة دلس بحضور إطارات وممثلي مختلف الهيئات و المجتمع المدنيي بأنه سيتم التكفل ضمن المخططات البلدية للتنمية أو ميزايتي البلدية و الولاية بترميم و إعادة بناء ما هدم من هذا الصرح التاريخي في إطار عملية التكفل بعدد من المعالم ألأثرية التي تزخر بها هذه المدينة العتيقة . - معلم معماري تاريخي بامتياز يعود تشييده ضمن معالم أخري عبر الساحل الجزائري إلى نهاية القرن 19 و يرجع عدد من المؤرخين، إستنادا إلى الوثائق التاريخية التي بحوزة مديرية الثقافة بالولاية، تاريخ تشييد هذا الصرح المعماري الراقي إلى نهاية القرن 19 و بالضبط إلى سنة 1881، أي بعد أزيد من 40 سنة من احتلال مدينة دلسي ضمن 25 منارة أخرى شيدها المحتل الفرنسي على طول ساحل الوطن فيما بين سنوات 1881 و1954 . وبقيت هذه المنارة التاريخية إلى اليوم تحمل إسم مصممها الهندسي "بن غوت"، الذي لم تتوفر حول حياته و أعماله أية تفاصيل أخرىي حيث قام بإنجازها (المنارة) بمنطقة "البساتين" الجميلة في قطعة أرض اختيرت بعناية و دقة و تعد هي الأعلى و الأكثر ولوجا في البحر ويحدها الميناء و القطاع المحفوظ لقصبة دلس العتيقة من الشرق و قلعة قديمة من الغرب . وتعد هذه البناية البحرية التي اقتبست هندستها من العمارة الإسلامية (منارات المساجد) من بين أجمل المنارات على المستوى الوطني حيث يبلغ علوها إستنادا للبطاقة التقنية 25 مترا من سطح البحر و يصل مدى أشعتها الضوئية من مصباحها الضخم (حين كان يشتغل) إلى زهاء 95 كلم. و كان هذا المصباح، الذي يوجد في أعلي برج المنارة المبنية من الداخل بالرخامي يشغل في أوج نشاطه بقوة كهربائية تصل إلي 6000 واط حيث يبعث سلسلة من الومضات الضوئية للسفن البعيدة لمدة 17 ثانية بدون انقطاع و يمكن رؤية أضوائه ليلا من مرتفعات "أزفون" بولاية تيزي وزو (60 كلم شرق دلس) و من مرتفعات الجزائر العاصمة غربا. ويحتوي طابق برج المنارة إلى حد الآن على أجهزة و عتاد ثمين معتمد في تشغيلها كأجهزة إنارة النجدة و ملتقط كهربائي و هيكل دائري يدور على إناء زئبقي وعتاد مراقبة الدوران و أجهزة تزويد و شحن المصباح و مصباح غازي و معبئ مصابيح و عدسة شبكية عاكسة و جهاز تحديد إتجاهات الرياح و أخري لحماية البرج من الصواعق. - توقف عن النشاط بعد زهاء قرن من العطاء ... ورغم تميز هذا الصرح بطابعه المعماري الهندسي و السياحي الذي يعطى قيمة جمالية مضافة لهذه المدينة على مدار زهاء قرن من الزمن إلا أن الإرهاب الأعمى لم يستثنه من أعماله التخريبية حيث استهدفه ليلة ال 22 فيفري سنة 1994 بقنبلة هزت و أعطبت الكثير من أركان و أسس جدرانه. وتطلب الأمر إثر ذلك زهاء 6 سنوات من أشغال الترميم و إعادة البناء لتشغيله من جديد لفائدة مصالح الملاحة البحرية و الجوية. وبعد سنوات قليلة من عودته لعهده السابق من النشاط أتى زلزال 21 ماي 2003 المدمر على ما تبقى من أجزائه القديمة حيث تشققت البناية من كل جوانبها ليتوقف استغلالها نهائيا و تترك على حالتها إلى اليوم حيث ازداد تدهورها من الداخل رغم بقاء الجدران من الخارج واقفة و صامدة بعدما إستفاد من أشغال إستعجالية سنة 2016 تم من خلالها تثبيته من الداخل من خلال تنصيب أعمدة خشبية . - إجماع على تحويل برج فنار إلى متحف بحري بعد ترميمه و إعادة بناء ما تهدم من أجزائه وبعد توقف إستغلال منارة برج فنار نهائيا جراء الزلزال المذكور تم إنجاز أخرى بمحاذاتها بشكل استعجالي و ترتفع عن القديمة بسبعة أمتار من أجل تلبية و تعويض الدور المحوري في مجال الإشارة البحرية الذي كانت تقوم به منارة برج فنار لسنوات عديدة . ومن المرتقب حسبما أفاد به مدير الثقافة العودة إلى استغلال المنارة القديمة في أغراض سياحية و ثقافية خصوصا بعد إعادة ترميمها و إنجاز ما تهدم من أجزائها في المستقبل . وفي هذا الإطار يجمع أعضاء منتخبي المجلس البلدي و غالبية السكان بما فيهم رؤساء الجمعيات على غرار جمعية "قصبة دلس" و "نوتيلوس" و " دلفين " بضرورة الاستعجال في إنقاذ هذا المعلم التاريخي من الإندثار و العمل على تحويله إلى متحف بحري للحفاظ على الكنوز البحرية والآثار التاريخية التي تركت مهملة بداخل المنارة أو التي هي حالياي بشكل مؤقتي بحوزة عدد من السكان و الجمعيات بمدينة دلس من أجل الحفاظ عليها و تفادي تدهورها و سرقتها.