عاد الحزب الإشتراكي الفرنسي ليجدد عهده مع الإنتصارات بعد سلسلة من الهزائم الانتخابية جعلت الحزب يدخل في دوامة من الصراعات الداخلية لأتفه الأسباب ·· هزائم بدت وكأنها مطالبة بإعادة النظر في ركائز وخطاب الحزب العتيد الذي رافق تاريخ البلاد المعاصر ·· فقد تغيرت فرنسا ولم تعد تلك الدولة الأوروبية التي تفاخر بتاريخها النبيل· وعراقتها وماضيها العلمي والإنساني المجيد، ببساطة لم تعد فرنسا مقدمة الدروس الوحيدة في العالم ·· فرنسا اليوم تواجه حتمية التاريخ والطبيعة اللتان تقران بأن دوام الحال من المحال، المستعمرات القديمة لم تعد مجرد ذكرى وإنما واقع تعيشه يوميا من خلال مطالب أبناء المهاجرين من مختلف الأعراق والديانات، الباحثين عن فرنسيتهم مع احترام خصوصياتهم ·· هي فرنسا جديدة لم تجد بعد نفسها في خطابات اليمين، لا المعتدل ولا المتوسط، والأكيد أنها لن تجد نفسها في اليمين المتطرف ·· حتى الحزب الإشتراكي الذي عايش صراع العديد من الشعوب من أجل استقلالها من خلال الخطاب الإنساني، لم تعد تعرف كيف حدث هذا مع مواطنيها من أصول وديانات مختلفة ·· على هذه الخلفية يأتي إذن هذا الانتصار ليعيد رسم الخريطة السياسية في فرنسا مع احتلال الحزب الإشتراكي المقدمة في 13 مقاطعة فرنسية، نقول إعادة رسم الخريطة السياسية وإن كانت بشكل نسبي، على اعتبار أن الرئيس نيكولا ساركوزي أكد في تصريحاته قبيل الانتخابات أنه ليس على استعداد لتغيير انسجام الحكومة أيا كانت النتائج، في إشارة إلى أنه لن يجري تعديلا على الحكومة في حال فوز الحزب الإشتراكي· يتكرس، إذن، عبر الإعلام تحدي انتصار الحزب الاشتراكي في الوقت الذي تشير فيه الإحصائيات إلى أن نسبة الامتناع عن التصويت سجلت رقما قياسيا، فقد امتنع حوالي 24 مليون فرنسي عن التصويت بسبب عدم رضاهم عن كل الأحزاب ·· سخط عارم شمل كل الفرنسيين بسبب السياسة والسياسيين، وفي مقدمتهم الحزب الحاكم والرئيس نيكولا ساركوزي الذي يبدو أنه خيب آمال شعبه ·· قد تكون انطلاقة جديدة للحزب الإشتراكي الذي شهد انقسامات كادت تعصف به، إنطلاقة نحو الرئاسيات المقبلة التي باتت على بعد مسافة قصيرة ·· قد تنجح مارتين أوبري فيما أخفقت فيه سيغولين رويال ·· السياسة فن الممكن، غير أنه الشيء المؤكد والذي لا يمكن أن يحدث، هو أن تتغير السياسة الخارجية من النقيض إلى النقيض، سواء تعلق الأمر بصعود اليمين أو اليسار·