البرلمان يتحرّك ل تجريم الاستعمار    ناصري يستقبل سفير بلجيكا لدى الجزائر    الجزائر تؤكد التزامها بتعزيز جهود مكافحة الارهاب    عدل 3 .. هذه أسعار السكنات    نحو رفع سرعة الأنترنت بالجزائر    توقيع اتفاقية تعاون مع وزارة الشباب    بوغالي يُجدّد إدانة همجية الصهاينة    نساء المغرب في مواجهة آلة القمع المخزني    القدس في خطر مستمر..    اتحاد العاصمة يتأهّل    حفل ذا بيست .. اليوم    سعيود يعرض مشروع قانون المرور    ضبط أكثر من قنطار من الكيف مصدره المغرب    أمن المسيلة يوقف 51 شخصا    بن طالب يتألق    التلفزيون الجزائري سينقل 17 مبارة لنهائيات للكان    عفو رئاسي عن باقي العقوبة للدكتور بلغيث    خنشلة : الشرطة تنظم عملية مداهمة بششار    هل هناك جريدة كبيرة عندنا..؟!    الرئيس تبون يتسلم رسالة من العاهل الأردني    تأطير التجارة الإلكترونية حماية للبيانات والمستهلك    قرار استراتيجي لدعم الاستقرار الاجتماعي    تمكين الطلبة للاستفادة من العلوم والتكنولوجيات الحديثة    "المحاربون" يشرعون في التحضير ل"كان 2025"    الجزائر تؤكد الريادة قاريا    لسعد الدريدي يخلف روسمير سفيكو المستقيل    بدء عمليات البحث عن جثامين الشهداء المفقودين    حين تتكلّم الذاكرة..    الرئيس تبون أسس لمناخ سياسي واقتصادي مناهض للفساد    شراكات وطنية ودولية ورهان على المقاولاتية    غرس شجرتي "الأرقان" و"السيكويا" بجبل الوحش    نحو إنهاء كل مظاهر التشوه العمراني بالعاصمة    القبض على محترفي سرقة الهواتف    منصة رقمية للمشاريع الاستثمارية قيد الإنجاز    حقّ تقرير مصير الصحراويين يتطلّب دعما دوليا عاجلا    مجلس الوزراء يقر زيادات تتراوح بين 5 و10 بالمائة في معاشات التقاعد    تتويج صرخة صمت    جيش الاحتلال يقصف أنحاء متفرقة في قطاع غزة    افتتاح الأيام الوطنية للديودراما بالشلف بمشاركة فرق مسرحية من عدة ولايات    الجزائر بذلت جهودا جبارة لترقية قيم العيش معا في سلام    إطلاق منصة للتواصل بين المؤسسات    مظاهرات 11 ديسمبر 1960 جسدت وحدة الشعب الجزائري    المذكرات الورقية تنسحب من يوميات الأفراد    الملتقى الوطني الموسوم بعنوان الكتابة السردية النسائية الجزائرية (الوعي والتحول)    جهود لحماية التنوع البيئي بالشريعة    وفاة الفنان الموسيقار والملحن نوبلي فاضل    دعم السيادة الصحية بتبادل المعطيات الوبائية والاقتصادية    مغامرة انسانية عمادها البساطة والإبداع    هل إقالة المدير هي الحل؟    فتاوى : سجل في موقع مراهنات وأعطوه هدية    من أسماء الله الحسنى .. الحليم    اللعبان بركان وبولبينة ضمن قائمة"الخضر"في ال"كان"    أبو يوسف القاضي.. العالم الفقيه    الجزائر تُنسّق مع السلطات السعودية    40 فائزًا في قرعة الحج بغليزان    الاستغفار.. كنز من السماء    الاستماع لمدير وكالة المواد الصيدلانية    صهيب الرومي .. البائع نفسه ابتغاء مرضاة الله    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



محمد أركون ومشروع تحرير العقل والتاريخ
نشر في الجزائر نيوز يوم 20 - 09 - 2010

كل كتابة عن مفكر بحجم فقيدنا محمد أركون تحتاج في تقديري المتواضع إلى مفاتيح ثلاثة:
أولها المعرفة بمخاضات تشكله الفكري، وثانيها اللغة الدلالية التي أنتج بها خطابه، وثالثها حقول المعرفة المشتغل عليها من جهة والمشتغل بها من ناحية أخرى· وإذ لا يتسع مقال واحد لتلك المباحث الرئيسة عند مفكرنا فإنني سأركز على ملاحظات ثلاث، أضيف إليها إشارتين وتنبيهين بلغة الشيخ الرئيس إبن سينا·
فأما الملاحظات، فهي من باب إعادة الأمور إلى نصابها ورفع شيء من الغي والإجحاف عن فكر الرجل ومقاصده· أولا لم يزعم أركون في أي أثر له أنه يشتغل على النص (القرآن الكريم) من حيث التفسير أو التأويل· ثانيا لم يقارب المقدس كوحي وإنما كتاريخانية تأسست على فعل تقديسي أنتربولوجي لغايات بشرية مجالها التاريخ· وثالثا لم يخضع لسلطان العلمنة والأنسنة وما يشحنهما من تراث ومعاني وفقه تشريعي· فقد حاول تجاوزهما بتفكير حداثة متعالية عن تاريخية الإسلام والغرب الحديث إنطلاقا من قراءة نقدية ثنائية القطب، هدفها بناء معالم حضارة جديدة تبدأ بالإنسان وتنتهي إليه، أدواتها الأخلاق والعقل والتسامح·
لم يفهم الغرب، وبالتحديد الفرنسيون، فكر المرحوم محمد أركون لثلة من الخلفيات يمكن أن أوجزها إجمالا في نقاط ثلاث:
أولها أنه استطاع أن يعيد النظر في استشراقهم ويثبت قصوره ورومانسيته، بل وعنصريته واستعماريته إلا فيما ندر· ثانيها هدمه، من داخل الفكر الغربي، فكرة الحداثة بوصفها مركزية وخطية غربية· الأمر ذاته مارسه على أحادية المعنى التي ''فرضت'' على ''العلمانية'' بوصفها فصلا حتميا وعنيفا بين الدين والدولة· وبهذا المعنى تجاوز أركون أدلجتها من جهة، ونمذجتها من جهة أخرى· كما فرض فيما أرى بذكاء عال فكرة ''التجربة التاريخية والأناسية'' على مجمل المفاهيم المؤسسة للغرب ومن ثم إمكانية التفاعل والتثاقف مع ''الغيرية'' كاختلاف حضاري· وثالثها حذره المعرفي الصائب من أي مشروع ثقافوي يهدف إلى تجنيده مفكرا أو مناضلا من أجل صناعة ''إسلام (ات)'' على المقاس· فرغم نقده الكبير للإسلام السياسي و''الجهل المقدس'' حافظ على استقلالية سلطته الأكاديمية ولم يعد إنتاج الاستشراق لا في المنهج ولا في الأداة ولا في الغاية·
إن استدعاءه لعلوم كاللسانيات والأنتربولوجيا وفلسفة التاريخ، إلخ ·· أمر بالغ الأهمية من حيث النقل والإضافة والإبداع· فبالموازاة مع الثورة التكنولوجية التي أحدثها الغرب، تفطن أركون منذ نهاية الخمسينيات إلى ثورة أخرى لا تقل أهمية إن لم تكن أهم من الأولى تمثلت في علوم الإنسان والإجتماع البشري·
كما لم يفهمه المسلمون عموما وأهله في المغرب الإسلامي خصوصا لأسباب أخرى مختلفة ألخصها في نقاط ثلاث أيضا:
فأما الأولى فترتبط بهامشية حقله الدراسي في الخمسينيات والستينيات من ناحية وبشرعيته كمثقف من ناحية أخرى· فعدم التحاقه بالثورة الجزائرية سنة 1956 وبقاؤه بفرنسا قبل وبعد الاستقلال حال بينه وبين الشرعية التاريخية والثورية التي مازالت نافذة حتى اليوم· كما أن فقهه في التاريخ الإسلامي ودعوته لرشدية جديدة من داخل المجتمعات الإسلامية تصادمت مع الإصلاح التقليدي من جانب، وإسلام الأنظمة والجماعات الدينية من جانب آخر، وبالتالي لم تكسبه أي شرعية ''دينية'' ولو بمعناها الفلسفي·
وأما الثانية، فتعود للحجب التي وضعتها ''النخب'' عبر سجالات زائفة تخدم في مجملها السلطة الحاكمة وجماعاتها البائسة· والمقصود بتلك السجالات الزائفة مسألة اللغة والهوية والأيديولوجيا إلخ·· وعليه، تم الإقصاء آليا وكذلك التصنيف السهل والقاتل· والمأساة الكبرى أن ذلك التسمم طال المؤسسة الأكاديمية الجامعية التي فقدت استقلاليتها وخاصة روحها النقدية، بل أصبحت وكرا للكسل الفكري ومشتلة للرداءة واللاعلم· ضف إلى ذلك السطو الذي عرفته عليها من قبل زبانية ديدنهم الحجر على الفكر ومصادرة الرأي الحر· وثالثتها اختزال فكر الرجل في بعض المفاهيم المغلوطة كالعلمانية أو نقد القرآن واعتباره تاريخا لا غير· إن ذلك الاختزال يعود في نظري لتحجر المواقف الرافضة للعقل والتجديد وتكلس الفضاء العمومي بسبب احتكار السلطة له· إن ذلك المناخ يقتل كل عقل أصيل أو مستنير أيا كانت نقائصه أو مآخذنا عليه· ولن يستطيع احتلال مكانته الطبيعية إلا بثورة على البنى النفسية والذهنية وأشكال التسلط والاستبداد وكذا أمراض التدين·
صحيح أنه ليس من السهل على عقل غير مجهز بأدوات المعرفة المعاصرة أن يفهم فكر أركون· والفهم هنا لا أعني به المشاطرة أو المحاكاة أو التكرار، لكن النقد والتجاوز، مما يجعلني أعترف هنا بأنني رغم اطلاعي على إنتاج الأستاذ محمد أركون وعلاقتي الشخصية به لما يقارب العقدين لا أزعم أنني أفهم كل مداخله· فكلما قرأت له اكتشفت زاوية نظر جديدة حول تراثنا الإسلامي وموروث الغرب أيضا·· ففكرته عن العقل مثلا وتاريخانيته في الإسلام أعطته بعدا مختلفا وفاعلا عنه في الأدبيات الدينية التي تجعل منه سندا ومبررا لشرعية الشريعة بينما الشريعة ذاتها لا تكون إلا به ولا تحفظ إلا بحفظه· وكذلك الأمر بالنسبة للأنسنة بروحها الإسلامية والسابقة عنها في غرب إيراسموس·
ما أعيبه إجمالا على أركون من حيث المنهج وليس الموضوع، أنه لم يمكننا، ربما لضخامة المشروع واتساع الحقول، من دراسة أركون بأركون وفهم أركون بأركون، بمعنى الاشتغال ضمن نسق أركوني واضح· فمثلا دراستنا للإسلامولوجيا التطبيقية، وهي تطوير أركوني بامتياز، لا تفهم منهجيا إلا عبر تجربة الأنتروبولوجيا التطبيقية عند روجيه باستيد أو غاستون باشلار فيما يخص العقلانية·
إن المشروع النقدوي المزدوج للتاريخين الإسلامي والغربي وراهنيهما عند أركون يمكن أن يكون بداية تأسيسية لمدرسة جديدة تتجاوز ما اتفق على نعته بصدام الحضارات· إن فيلسوفا ومؤرخا للأفكار كمحمد أركون مكننا من التخلص من إعاقتين كبيرتين·· أولاهما الخوف من ''قداسة'' تراثنا الفكري والروحي، وثانيهما خضوع المغلوب لسلطة الغالب أمام الغرب بتأليهنا له وشيطنة أنفسنا· ذلكم في نظري هو المشروع المفتوح لمفكرنا أركون·· تحرير فعلي لعقلنا المكبل بأغلال تحالف ثلاثي رأسه السلطة السياسية وقاعدته تدين الدهماء وواسطة عقده نخب لا تفكر إلا بما يرضي هذا أو ذاك·
كنت كتبت ذات يوم أنه بتوقف الوحي أصبح التاريخ مصدرا للمعرفة، فمتى تصبح المعرفة ذاتها مصدرا لصناعة تاريخنا القادم؟·


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.