الجزائر وغانا تؤكدان التزامهما بالحلول الإفريقية وتعززان شراكتهما الاستراتيجية    حرية الصحافة في زمن التحول: مسؤوليات جديدة للإعلام الوطني    الاتحاد البرلماني العربي: دعم القضية الفلسطينية ثابت لا يتزعزع    الرابطة الثانية للهواة - الجولة ال 21: حوار واعد بين مستقبل الرويسات و اتحاد الحراش حول تأشيرة الصعود    انطلاق أشغال الدورة ال 38 للجنة التنفيذية للاتحاد البرلماني العربي بالجزائر العاصمة    البطولة العربية لألعاب القوى بوهران: العداء الجزائري الهادي لعمش يحرز الميدالية الفضية    كرة القدم بطولة افريقيا للمحليين 2025 /غامبيا- الجزائر: الخضر يحطون الرحال ببانغول    شركة بريطانية تتهم المغرب بالاستيلاء على مشروع قيمته 2.2 مليار دولار وتجره للعدالة    انعدام الأمن في فرنسا: تزايد الدعوات المطالبة باستقالة وزير الداخلية    ربيقة يلتقي بمدينة "هوشي منه" بنجل الزعيم الفيتنامي فو نجوين جياب    جيش التحرير الصحراوي يستهدف مواقع جنود الاحتلال المغربي بقطاع البكاري    مراد يشيد بالجهود المبذولة في سبيل تطوير مختلف الرياضات بالجزائر    أضاحي العيد المستوردة: انطلاق عملية البيع الأسبوع المقبل عبر كافة الولايات    المعرض العالمي بأوساكا باليابان: الرقص الفلكلوري الجزائري يستقطب اهتمام الزوار    غلق طريقين بالعاصمة لمدة ليلتين    حجز 4 قناطير من الموز موجهة للمضاربة في تلمسان    وزير النقل يترأس اجتماعًا لتحديث مطار الجزائر الدولي: نحو عصرنة شاملة ورفع جودة الخدمات    صدور المرسوم الرئاسي المحدد للقانون الأساسي لسلطة ضبط الصحافة المكتوبة والإلكترونية    افتتاح الطبعة الرابعة لصالون البصريات و النظارات للغرب بمشاركة 50 عارضا    اليوم العالمي للشغل: تنظيم تظاهرات مختلفة بولايات الوسط    خمس سنوات تمر على رحيل الفنان إيدير بعد مسيرة حافلة دامت قرابة النصف قرن    البروفيسور مراد كواشي: قرارات تاريخية عززت المكاسب الاجتماعية للطبقة العاملة في الجزائر    إعفاء البضائع المستعملة المستوردة المملوكة للدولة من الرسوم والحقوق الجمركية    وزارة الصحة تحيي اليوم العالمي للملاريا: تجديد الالتزام بالحفاظ على الجزائر خالية من المرض    الكشافة الإسلامية الجزائرية : انطلاق الطبعة الثانية لدورة تدريب القادة الشباب    حملاوي تستقبل وفدا عن المنظمة الجزائرية للبيئة والتنمية والمواطنة    يامال يتأهب لتحطيم رقم ميسي    عميد جامع الجزائر يُحاضر في أكسفورد    البنك الإسلامي للتنمية يستعرض فرص الاستثمار    وزير المجاهدين يمثل الجزائر في فيتنام ويؤكد على عمق العلاقات التاريخية بين البلدين    الجزائر تحتضن المؤتمر ال38 للاتحاد البرلماني العربي يومي 3 و 4 مايو    باخرة محملة ب12 ألف رأس غنم ترسو بميناء تنس في إطار برنامج استيراد أضاحي العيد    اتحاد العاصمة ينهي تعاقده مع المدرب ماركوس باكيتا بالتراضي    إدانة شخص بسبع سنوات حبسا نافذا بسوق أهراس    تم وضع الديوان الوطني للإحصائيات تحت وصاية المحافظ السامي للرقمنة    خدمة الانترنت بالجزائر لم تشهد أي حادث انقطاع    تواصل عملية الحجز الإلكتروني بفنادق مكة المكرمة    بلمهدي يدعو إلى تكثيف الجهود    الاختراق الصهيوني يهدّد مستقبل البلاد    وزير الاتصال يعزّي عائلة وزملاء الفقيد    رئيس الجمهورية يتلقى دعوة لحضور القمّة العربية ببغداد    الحصار على غزة سلاح حرب للكيان الصهيوني    المتطرّف روتايو يغذي الإسلاموفوبيا    250 رياضي من 12 بلدا على خط الانطلاق    قافلة للوقاية من حرائق الغابات والمحاصيل الزراعية    انطلاق بيع تذاكر لقاء "الخضر" والسويد    إبراز أهمية تعزيز التعاون بين الباحثين والمختصين    عمورة محل أطماع أندية إنجليزية    المحروسة.. قدرة كبيرة في التكيّف مع التغيّرات    شاهد حيّ على أثر التاريخ والأزمان    ماذا يحدث يوم القيامة للظالم؟    نُغطّي 79 بالمائة من احتياجات السوق    معرض "تراثنا في صورة" يروي حكاية الجزائر بعدسة ندير جامة    توجيهات لتعزيز الجاهزية في خدمة الحجّاج    صفية بنت عبد المطلب.. العمّة المجاهدة    هذه مقاصد سورة النازعات ..    كفارة الغيبة    بالصبر يُزهر النصر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عودة الإمبراطورية الرمزية /الأزمات الدورية للأنظمة العربية الإسلامية
نشر في الجزائر نيوز يوم 24 - 01 - 2011

يشهد عالمنا العربي الإسلامي الكارثة الكبرى منذ حوالي نصف قرن، ومع هذا يواصل قادتنا وأولياء أمورنا في تخديرنا وتنويمنا مغناطيسا. وخير دليل على ذلك هو تطميناتهم لنا بعدم تأثرنا بالأزمة العالمية التي هددت ولا زالت تهدد النظام العالمي منذ حوالي سنة تقريبا. وهي الأزمة التي تنتشر كالوباء مدعومة بميكانيزمات معقدة وغير محسوسة.
لقد تغنى، مؤخرا، رئيس لدولة أوروبية تدعي صداقتها للعالم العربي بالمعجزة التونسية، مؤكدا، ومن دون تردد، بأن هذا النصر نابع من قناعة التونسيين بعدم قدرتهم على إسقاط الطائرين بالحجر الواحد. وبمعنى أدق عدم تمكنهم من تحقيق الرخاء الاقتصادي في ظل مطالبتهم بالديمقراطية والحريات الأساسية. ولعل أن تصريحات هذا الرئيس تكشف بوضوح رؤية الغرب لبقية دول العالم وخاصة دول المغرب العربي الخاضعة للاستبداد والدكتاتورية التي تجعل دمقرطة القارة الإفريقية أمرا محتوما النقاش فيه. إن الديمقراطية التي لا طالما تفاخر بها الغرب وجعلها عنوانا ''لحملاته الحضارية'' قد تكون مصدر قلق له أكثر من المغاربة أنفسهم، لأنها ستكون الأداة التي ستحطم الأنظمة التي تخدم مصالحه في المنطقة أولا وأخيرا.
وغير بعيد عن تونس، وفي الجزائر بالتحديد، كان رئيس الوزراء أحمد أويحيى يؤكد وبكل ثقة بأن الجزائر بعيدة كل البعد عن التأثيرات السلبية للأزمة العالمية، ليعود بعدها الرجل عن كلامه المشبع باليقين ويدق ناقوس الخطر، مؤكدا على مدى هول الكارثة، وهو الذي كان محل انتقاد لاذع من قبل نائبة رئيس البرلمان التي تعد واحدة من المخلصين لسياسة الرئيس، حيث اتهمته بتكريس معاناة الشباب لدرجة فقدوا فيها كل أمل. أما بالنسبة لموريتانيا العالقة في وحل ''إفريقيا الفرنسية'' فقد تحوّلت إلى معسكر للمرتزقة وقاعدة لدعم العمليات العسكرية الفرنسية في الساحل. والأمر لا يختلف كثيرا في المغرب التي دخلت في عزلة تامة عن ما يدور من توترات وأحداث حاليا.
فها هو الوطن العربي اليوم يهتز على وقع الأزمات الحادة التي لا تختلف في صورها وأشكالها، وأن اختلفت في الزمان والمكان: تكسير وانقلابات ومظاهرات عنيفة في الشوارع والطرقات، تلاشى على إثرها الحكم التونسي القائم على النظام البوليسي المرعب، كما يتلاشى قصر من الرمال مخلفا وراءه عائلة من المجرمين على غرار عائلة الطرابلسي التي حوّلت بلدا صغيرا وجميلا إلى إمبراطورية من الرشوة والفساد، ليكون بذلك النظام التونسي نموذجا يمثل عودة عهد الإقطاعية الذي ظهر على حساب الجمهورية التي حوّلت غصبا إلى إمبراطورية.
إلا أن ما حدث في تونس الشقيقة من أزمات أثرت بشكل أو بآخر في جارتها الجزائر، يلزمنا على قراءتها والاستفادة منها أيما استفادة: بعد فشل الغرب في إحياء نظام الخليفة الذي دمر عن آخره من قبل الضباط الأتراك الديمقراطيين سنة 1923 وكذلك فشله في غرس ثقافة التجنيس، اتجه تفكير المخططين والخبراء الاستراتيجيين في المنظمات والجمعيات الخفية إلى إنشاء إمبراطورية عربية إسلامية يكون مقرها الرئيسي هو العربية السعودية التي انضمت إلى هذا النادي بعد نهاية الحرب العالمية الثانية. وهذا بغية خلق قطب فعال لاتخاذ القرارات وتنفيذها في الشرق الأوسط، إذ تحميه وتفرضه العنجهية العسكرية الصهيونية وتغذيه وترعاه اليد السعودية التي عرف نظامها عدة اهتزازات وثورات أخمدتها التدخلات العسكرية لحلفائها من الدول الغربية على غرار ثورة 1979-1980 التي انتهت بتصفية الجنود المتمردين (3000 جندي) من قبل قوات التدخل الخاصة في الجيش الفرنسي GIGN حيث تم خنقهم بالغاز السام. وقد كانت عودة الإمبراطورية السعودية الجديدة عاملا قويا في تحول الجمهوريات الدستورية إلى مجرد جمهوريات مطلقة، تخدم في الأساس إرادة الإمبراطورية العميلة الجديدة. هكذا إذا سيطر الدكتاتوريون على الحكم في الدول الخاضعة، وهكذا سيطر أبناؤهم وعائلاتهم على الثروات الوطنية واستغلوها لحسابهم الشخصي، كما هو الحال للنظام التونسي المطرود وإن لم يكن المثال الأوحد. فالكثير من الدول العربية أصبحت هدفا سهلا لهذا المخطط الجهنمي بعد الرحيل المثير للشكوك لشخصيات من أمثال بومدين وبورقيبة وناصر وغيرهم.
ولكن كيف تم تجسيد استراتجية كهذه في ظل بحر من أزمات الهوية وكيف تفاعل مع الأزمات متعددة الأصعدة؟
لطال ما سعت الاستراتيجية الأمريكية المسطرة بدقة لا متناهية بعد الحرب العالمية الثانية، وذلك من خلال جمعيات ومنظمات سرية مختصة (بيلدبورغ- تريلاتيرال) إلى دعم الحركات التحريرية والمساهمة في بناء الدول الوطنية لتنفذ بعده مخططا أكثر خطورة وتعقيدا يتمثل في استبدال النظام العسكري التقليدي المتهرئ بنظام استعماري جديد: فبتطويرها لقدراتها على المعرفة والفهم ومن ثمة التدخل، استطاعت الولايات المتحدة الأمريكية أن تهزم المعسكر السوفيتي معتمدة على نموذجين ساعداها في حربها الأيديولوجية ألا وهما: النموذج الديمقراطي والنموذج التيوقراطي (الرمزي).
فما يجري حاليا في الوطن العربي يندرج في إطار حتمية إعادة ترتيب أدراج النظام تحت قيادة إمبراطورية العم سام. وإن كانت مهمة دركي العالم تبدو سهلة بالنسبة للدول التي لازالت تحت تأثير الاستعمار التقليدي على غرار ساحل العاج ودول خليج غينيا في إفريقيا ودول جنوب شرق آسيا ودول أوروبا الوسطى، إلا أنها تبدو صعبة ومعقدة جدا عندما يتعلق الأمر بدول تحررت واستقلت بالحروب والكفاح، وهو الأمر الذي يستدعي استخدام إمبراطورية رمزية تعمل عمل الطعم وهما تماما ما تقوم به العربية السعودية.
وفي ظل الوضع الذي يقلقنا كجزائريين وعرب، تستمر الإستراتيجية الأمريكية في تطوير نشاطها المرتكز على تمرير جملة من الآليات التي تضع الاقتصاد الفوضوي والموازي في خانة الاقتصاد المنظم والمراقب والموجه، الأمر الذي سيخل بالتوازنات والتحالفات بين اللوبيات ودوائر القرار، حيث سينقسمون بين مؤيد ومشجع للانفتاح على النموذج العالمي المسير من قبل البنوك الدولية والشركات متعددة الجنسيات وبين متشبث بالاقتصاد الموجه والمخطط حفاظا على سيادة الدولة.
إن ما حدث في تونس وظهرت ملامحه في الجزائر يعبر تماما عن خطورة هذا البرنامج الموجه والمخطط والمدبر على الرغم من طابعه الفوضوي. ومما لا شك فيه فإن الأوضاع في تونس قد انحرفت عن إرادة المخططين على اعتبار أنها أخذت أبعادا أخرى، وهذا يرجع إلى استفحال الرشوة والفساد لدرجة لا تطاق، إضافة إلى استغلال أموال الدولة لأغراض شخصية. إن الشعب التونسي أمام مفترق الطرق، وعليه فهو مطالب باتخاذ القرار الذي سيحدد مستقبله. ولعل أن إرهاصات الحل تأتي من النخبة التي تعمل جاهدة من خلال الجمعيات والمنظمات في سبيل الحيلولة دون عودة نظام الحكم السابق وكذا منعه من إعادة تشكيل نفسه. كما أن تضحية الشعب التونسي لابد وأن تكلل بإنشاء مؤسسة تكون بمثابة الجدار المنيع الذي يحمي الأمة من السلطة العسكرية والسطو الإجرامي.
إن الأزمة التي شهدتها بلادنا في الآونة الأخيرة، والتي تم خنقها في مهدها خشية أن تنزلق الأمور وتأخذ نسقا مشابها لما حدث في تونس، منع من تشكل رؤية موحدة تكون نقطة انطلاق جديدة. ومن الواضح أن تأثيرات العشرية السوداء والخلافات والأحقاد لا تدع أمام الجزائريين سوى اللجوء إلى الطريقة التونسية حتى يؤمّنوا أنفسهم انحرافات المافيا المتحالفة مع الأطراف المعادية للوطن.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.