كان قرار إنهاء الأحادية الحزبية في نهاية الثمانينيات إثر أحداث أكتوبر، 88 قراراً مهما ومفعماً بالآمال والطموحات في بناء تجربة ديمقراطية حقيقية عمادها التعدد الحزبي والتنوع البرامجي والفكري·· لكن بعد أكثر من عشريتين من الزمن لم تفرز هذه التجربة إلا أحادية مقنعة تحت مسميات حزبية! لكن المثير في ذلك أن هذه ''الأحزاب'' التي لم تعبر بالفعل عن تنوع حقيقي في الأفكار، والبرامج لم تؤسس أيضا لحياة حزبية حقيقية، سواء على مستوى التأطير الجماهيري، على قاعدة القناعات الحزبية والسياسية أو على مستوى التنشئة السياسية العامة لأجيال يمكن أن تساهم في إثراء النضال السياسي داخل حزبها من جهة، وفي تفاعلها مع الأحزاب النظيرة من الجهة الأخرى· ولذلك، فإن من الطبيعي أن نشاهد اليوم بعد عقدين من التجربة، حالات ''القحط السياسي'' الذي تعاني منه البلاد، كنتاج طبيعي لإنعدام الحياة الحزبية المنوعة والمتعددة، حيث ظلت ''الأحزاب'' مصنعا لتحقيق المصالح وإعادة إنتاجها في كل دورة، دون أن تعبر عن قناعات إيديولوجية أو خيارات سياسية بعينها أو حتى أن تدافع عن مصالح المنتسبين لها في عمومهم·· بقدر ما تسعى إلى تحقيق مصالح ذاتية لعدد محدود من النخبة (الصفوة القائدة)، وبالتالي لم يكن ضمن أولوياتها السعي لصياغة فكر وتكوين إطارات حزبية قادرة على تحمل مسؤولية تجسيد البرامج على أرض الواقع· بل بدا نشاط معظم الأحزاب (سيما الصغيرة منها) خلال الفترة الماضية لا يتجاوز واقع ''تدوير'' المناصب والمصالح في إطار محدود من النخبة دون إشراك حقيقي وفعلي لما يفترض أنها قاعدتها الجماهيرية - إن وجدت- أو حتى المشاركة في فعل سياسي حقيقي على الساحة السياسية في شقيها المعارض أو الموالي· لينتقل الفعل الحقيقي للأحزاب إلى المحافظة على ''جني ثمار الريع''، والمشاركة في المناسبات الانتخابية كلما حان موعدها، دون أن تحدث فارقا حقيقيا خلال هذه المسيرة الطويلة، أو حتى أن تسعى إلى خلق حياة حزبية فعلية على قاعدة الأفكار والقناعات السياسية المعتمدة على أجيال من المناضلين المؤهلين لحمل لواء تلك القناعات وإسقاطها على أرض الواقع·