حُقّ لعاشور عبد الرحمان أن ينفرد بلقب نجم السجون الجزائرية، بعد أن فلح في إجراء مقابلتين صحفيتين منذ دخوله السجن، وهي الحظوة التي لم تنزل على أي سجين جزائري منذ الاستقلال، ما أثار حفيظة كثير من الألسن داخل دواليب الدولة وبين الرأي العام، حيث بدأت علامات الاستفهام تُطرح حول خلفية تمكن أحد أهم رموز الفساد من إهانة العدالة وهو قابع بسجونها. بعيدا عن النباهة الصحفية التي تحلت بها صحفيتا الزميلة "الشروق اليومي"، اللتان تمكنتا من إجراء حوار نادر لسجين من داخل سجنه، وبالتالي تحقيق سبق صحفي لا غبار عليه، فإنه بالمقابل يسمح لنا هذا العمل الإعلامي بإثارة موضوع حدود حرية المساجين في الجزائر، وما إذا كانت الأنظمة الداخلية تُحترم بحذافرها. هذا التساؤل المشروع يُمليه نجاح عاشور عبد الرحمان على مرتين متتاليتين في إجراء حوار من داخل سجنه، ومع الجريدة ذاتها وهو ما يجعل كثير من المتتبعين يُضعّفون رواية الصدفة، حتى وإن كان الصحفيون يؤمنون بأن الفرص قد تتكرر وأنا منهم إلا أن ليس كل المجتمع يتكون من صحفيين. الأمر الآخر أن صاحب الحوار، ليس رجلا عاديا، فهو أحد أباطرة وعمالقة الفساد في تاريخ الجزائر ومدان باختلاس أموال الشعب، وحتما يطرح خروجه للرأي العام من السجن على جريدة وطنية تساؤلات ويُثير شكوكا حول كيفية هذه الخرجة، خاصة وأن السياق السياسي والاجتماعي والاقتصادي مطبوع باستشراء الفساد. فليس غريبا بعد هذا أن يقول الناس أن الفاسدين أصبحوا يتمتعون حتى بإهانة العدالة من داخل سجونهم ولا غرابة أيضا أن يقول الناس إن حوار عاشور عبد الرحمان حتى إذا لم يتم إعداده مسبقا مع شخصية ما في الدولة فقد تم التغاضي عن إجرائه، خاصة وأن كل الصحفيين وبخاصة أولئك الذين سبق وأجروا روبورتاجات داخل السجون يعرفون أن الصحفي خلال مهمته بالداخل، يرافقه حارس تنتدبه الإدارة لمراقبة تحركاته ولا ينبغي بأي حال من الأحوال أن تزيغ عيناه أو أذناه عن الصحفي طيلة أداء مهمته داخل السجن. فكيف حصل ذلك؟ الصحيفة تقول إن الحوار جاء بالصدفة وهي رواية قد يغالبها الرأي القائل بأن المقابلة لم تقتصر على سؤال أو اثنين بل 36 سؤالا، عشرة منها تخص قضية عاشور عبد الرحمان، مباشرة. وإذا كانت الصدفة في اللقاء، فكيف كانت الصدفة في توجيه 10 أسئلة مباشرة في قضية عاشور عبد الرحمان، بوجود حارس، كما يُفترض، خاصة وأن العادة جرت أن يكون حراس السجون ممن يرافقون الصحفيين خلال مهامهم بالداخل، هم من الضباط أو ضباط الصف، أي من ذوي مستوى تعليمي يسمح لهم التمييز بين المحظور والمسموح في أسئلة الصحفيين. أما إذا لم يكن هناك حارس أصلا أو كان موجودا وتهاون أو تقاعس أو غفل، فتكون الإدارة قد انحرفت انحرافا خطيرا وحُقّ للصحيفة تحقيق سبق مشروع. خلال الحوار أهان عاشور عبد الرحمان مختلس 3200 مليار، العدالة الجزائرية وطعن في مصداقيتها وهو قابع بالسجن، فانفرد بلقب "نجم السجون الجزائرية" بلا منازع، كونه صاحب حق لا يملكه سجين غيره برغم من أن السجون الجزائرية تعج بأمثاله من قبيل المدانين في قضية الخليفة بنك والبنك التجاري والصناعي "البي سي يا"، ويُصبح من حق هؤلاء المساجين وحتى غيرهم أن يطالبوا الإدارة بالتواصل مع الصحافة لإبداء آرائهم لعموم الناس، كما يحق للصحفيين أيضا أن يحظوا بالموافقة على كل طلب لزيارة السجون لعلّهم يلتقون بالصدفة بشخصية من حجم عاشور عبد الرحمان ؟! إن هذه الانحرافات تفتح المجال للتأويلات على مصراعيه، وتضع مؤسسات الدولة في حكم الهشاشة في عهد أصبح أرشيف دور القضاء يُسرق، وبناياتها تُحرق، ومساجينها يؤكدون تعاطي المحظور داخل السجون لتُصبح الضحية، مصداقية الدولة. قال مصدر من وزارة العدل إن الوزير محمد شرفي اطلّع على الحوار وعاين الخلل، وأنه قام باتخاذ إجراءات صارمة من شأنها أن تضبط مثل هذه المهمات، على أن يتم الكشف عن نوعيتها لاحقا.