في محاولة منها لتقريب صورتها الثقافية أكثر، وحيث تتركز معاني التبادل الحضاري بأجمل أشكالها، سطرت سفارة اليابان بالجزائر برنامجا ثقافيا متنوعا للسنة الجارية، والبداية تكون بعرض ثلاثة أفلام بدءا من أول أمس إلى غاية 25 فيفري الجاري بقاعة "محمد زينات" برياض الفتح، حيث عرض فيلم "دائما الغروب في الشارع الثالث" (133 دقيقة) (2012) للمخرج "تكاشي يمازاكي"، يحكي قصة بعض العائلات التي تقطن الشارع الثالث في خضم إستعداد طوكيو لاحتضان الألعاب الأولمبية سنة 1964، من بينها عائلة الروائي شغاوا وزوجته هيرومي، وكيف أنهما يعيشان في سعادة في انتظار مولودهما الجديد، إلا أنّ مستقبل هيرومي يتهدد ببروز كاتب جديد، واستطاع رب عائلة نوريفومي سوزوكي أن يوسع ورشته لتصليح السيارات، في حين تصل الفتاة المراهقة "ماتسوكو" من منزلها الريفي إلى طوكيو بالقطار لتشتغل في ورشة صغيرة لتصليح السيارات، تقوم ماتسكو بوضع الكثير من مساحيق التجميل علها تعجب الطبيب الشاب كوتارو كيكوشي.. يعرض الفيلم حياة الناس الودودة في مدينة طوكيو في الخمسينات الميلادية، وطريقة مساعدة الجيران بعضهم بعضا وحياتهم السعيدة، بالرغم من أن اليابان كانت دولة فقيرة بعد فترة الحرب العالمية الثانية. وتدور أحداثه خلال فترة إستعدادات طوكيو لاستضافة دورة الألعاب الأولمبية العام 1964، إذ شيدت المباني والطرق السريعة بوتيرة محمومة، وملأت الإثارة أرجاء المكان، لكن الفيلم يوضح أنه وسط كل تلك التغيرات، لايزال الناس في الشارع الثالث يعيشون حياتهم كما مضى. الفيلم الثاني الذي يعرض اليوم بنفس الفضاء، تحت عنوان "الإنسان الآلي جي" (2011)، يتناول مخرجه شينوبو ياعوشي بطريقة كوميدية، قصة ثلاثة تقنيين يُطلب منهم صنع إنسان آلي، فيفعلون، إلا أنه يتعرض للتلف أسبوعا واحدا قبل عرضه، فيقومون باختيار شيخ ويلبسونه زيا تنكريا في شكل إنسان آلي، والعجيب أن هذا "الإبداع" يحقق لهم نجاحا كبيرا.أما الفيلم الثالث الذي سيقدم يوم 25 فيفري الجاري، فهو من نوع أفلام سينما التحريك من إخراج كواشي شيجيرا العام 2006 "قصة الشجاع" المقتبس من رواية خيالية للكاتب الأكثر مبيعاً ميابي ميوكي، يتتبع الفيلم قصة واتارو تلميذ المدرسة الإبتدائية، الذي يعيش مع والدته بعد طلاق والديه، وتارو الطفل الذي حاول تغيير القدر، بالتالي إنقاذ والدته المريضة التي تصل إلى حالة حرجة، من خلال اتباع نصيحة زميله في الدراسة، ميتسورو، التي تتمثل في العبور إلى عالم آخر، وهو ما يفعله، إذ انطلق في رحلة إلى عالم الرؤية سيصبح بطلا متدرباً، ويسافر بحثا عن كنز دفين له القدرة على تغيير المصير. يصل ميتسورو إلى عالم الرؤية قبل واتارو ويحصل على عقد من الكنز، وحينما يلمسه يطلق العنان للشياطين المحبوسة في الكنز فتصبح الرؤية مليئة بالشياطين.بعد مطاردات واتارو لميتسورو من أجل احتواء الشياطين، يفقد ميتسورو حياته في معركة ضد غروره، ليسلم الكنز لاتارو، متعهد مع المصير، يختار واتارو تحديد أولويات السلام في الرؤية خلافاً لرغبته في استعادة منزل سعيد مع والديه. تطرد الشياطين بعيدا ويعود السلام إلى الرؤية مرة أخرى.تحمل السينما اليابانية نكهة فنية خاصة، تجاوزت حدود اليابان، ناقلة إلى العالم الخارجي التفاصيل الدقيقة لواقع المجتمع الياباني بكل تقاليده، وعلاقاته، وتطوراته، مرددةً لمشاعر وهموم الشعب الياباني من خلال أفلام سينمائية عكست صورة واقعية للصراع بين القديم والجديد، بين الفكر التحرري للأجيال الحديثة والرفض للمقومات السلبية في الشخصية اليابانية. إن اليابانيين عرفوا السينما عام 1897 من خلال جهاز العرض الذي اخترعه الفرنسيان الإخوان لوميير. كما أنتجوا أول جريدة سينمائية عام ،1900 لكن أول فيلم روائي عرض ببلادهم كان أمريكيا. وامتلأت إستوديوهات اليابان بعدد من المخرجين الطموحين، والذين لم يكونوا يحملون من المؤهلات العلمية ما يذكر، لكن رغبتهم العارمة وطموحهم كان أقوى العوامل التي مكنتهم من صنع سينما يابانية في فترة وجيزة.. ومنهم من حصد جوائز كبرى في المهرجانات العالمية، مثل المخرج "هيروشي ايناجاكي" الذي حصل على الجائزة الكبرى في مهرجان فينيسا عام 1958 عن فيلمه (حياة ماتسو المتمرد)، وكذلك المخرج "كينجي ميزوغوتشي" الذي قدم أول أعماله في1923، ونرى في جميع أفلامه عبَّرَ عن كراهية السلطة والتعاطف مع المضطهدين وخاصة النساء. أهم الإتجاهات الجديدة للأفلام في العشرينات، قدمت من قبل ياماناكا ساواوا (1909 1938) وايناغاكي هيروتشي (1905 1980) الذي صور شريحة من حياة الطبقة الدنيا، وطبقة الفلاحين.وغوشو وهو مخرج إهتمامات واسعة النطاق، تعبر قصص الحياة اليابانية العادية واليومية، كما أنه مثل مواطنه المخرج "أوزو" {ozu} كان شفافا ورقيقا، ومعلقا ناقدا، ولكن بلفته وأسلوبه الخاص "الواقعي والساخر" الذي أثر بشكل فريد في الشكل السينمائي في اليابان. وفي الثلاثينيات (من القرن العشرين)، حيث كان العصر الذهبي الأول للسينما اليابانية، إتسعت مجالات العمل في السينما اليابانية، واندفع إليها خريجي الجامعات، حتى أصبحت الإستديوهات مراكزاً عامة لنشر الأفكارالتقدمية اليسارية المعبرة عن تطلعات ومشاعر العامة من الشعب الياباني، وهو ما أثار حفيظة الحكومة اليابانية فقامت حينها بقمع هذه الأفلام، ومحاصرة المخرجين السينمائيين اليابانيين في نطاق ضيق، وحدث أن اضطر بعضهم إلى ترك الجامعات بعد القبض عليهم بتهمة الإشتراك في الحركة الشيوعية التي نشطت في تلك الفترة. إنما على العكس مما تفعله معظم المؤسسات الكبرى عادة في مثل هذا الموقف، لم ترفض شركات الإنتاج السينمائية التعامل معهم، وتحت هذه الظروف ظهر ألمع مخرجو السينما اليابانية وأشهرها واستطاعوا أن يجدوا لهم مكانا في هذا العالم ومنهم المخرج تاداشي ايماي والمخرج الأشهر أكيرا كوروساوا (1910- 1998). ويعتبر «كيروساوا» الياباني، الأكثر شهرة خارج حدود بلاده منذ فوزه بالجائزة الكبرى لمهرجان فينسيا عام 1951، ثم بجائزة أوسكار أحسن فيلم أجنبي في نفس العام عن فيلمه «راشومون» وهو الفيلم الذي فتح السوق الغربية للأفلام اليابانية، ثم فوزه بجائزة الدب الفضي في برلين عام 1952 عن فيلمه (حياة)، وبجائزة الأسد الفضي في فينيسيا عام 1954 عن فيلمه «الساموراي السبعة»، ثم الدب الفضي مرة أخرى في برلين عام 1958 عن فيلمه «الغابة المخيفة». في الأربعينيات، تأثرت صناعة السينما اليابانية بالأفلام الأجنبية، فأخذت الشكل التعبيري من الألمان، والواقعية من الدنمارك، والتقدمية من السوفيت، والأسلوب التسجيلي من الطليان، لتمتد في الأربعينيات للأمريكية الكلاسيكية، حين مقت بعض الشباب المناخ القمعي في مجتمعهم، وتاقوا إلى روح الحرية الواضحة في الأفلام الأمريكية. ومنذ الخمسينيات، ظهرت موجة جديدة من الأفلام اليابانية على أيدي مجموعة من المثقفين التقدميين عقب الحرب في اليابان، إتسمت بالسخط على الأوضاع الإجتماعية والممارسات السياسية السائدة، منادية بأفكار تحررية جديدة. في الفترة الأخيرة، تغير شكل الفيلم الياباني متأثراً بموجة الحداثة الجديدة، ومن خلال الإستعانة بممثلين أجانب وأماكن تصويرية خارج اليابان، وهو ما مكن مخرجو هذه المرحلة صنع جمهور عالمي للسينما اليابانية خارج حدودها.