دعا، أمس، الخبير الاقتصادي مسدور إلى رفع قدرات التصدير الجزائرية في مجال النفط والغاز واستغلال التحولات التي تعرفها العلاقات الدولية للتموقع وجني أكبر قدر ممكن من العائدات المالية، واتهم المتحدث في حوار ل «الشعب» بعض الأطراف بمحاولة الترويج لنفاذ الثروة النفطية لتبرير فشلها في استغلالها جيدا، وعن أموال النفط وترشيدها وأمور أخرى سنكتشفها في هذا الحديث بمناسبة حلول الذكرى 41 لتأميم المحروقات. @ «الشعب»: في ظل عجزنا عن بناء اقتصاد خارج قطاع المحروقات وازدياد التبعية للصناعات النفطية والغازية، ألا ترى بأن التفكير في ترشيد العائدات المالية واستغلالها جيدا أحسن من الرهان على استراتيجيات صناعية فاشلة ومشاريع كبرى لا تملك جدوى اقتصادية؟ @ @ الخبير فارس مسدور: إن عائدات المحروقات في الجزائر تتطور من سنة لأخرى حيث فاقت في العشر سنوات الأخيرة أكثر من 350 مليار دولار، ولكن يبقى استغلالها وترشيدها بطريقة عقلانية هو حجز أكبر إشكال نعاني منه، والمطلع على واقع التنمية في الجزائر يلاحظ كثرة المصاريف والاستثمارات ولكن طريقة انجازها و وإعادة تقييمها كلف خزينة الدولة مصاريف مضاعفة. ويبقى الطريق السيار «شرق/ غرب» النموذج السيئ في عدم القدرة على التحكم في المصاريف وحتى بعد انجازه مازالت المصاريف تلاحقه من خلال إعادة تزفيت الكثير من الأجزاء في ظرف قصير وهو ما يطرح الكثير من التساؤلات حول انتشار اللجوء للمصاريف الإضافية. وحتى استغلال العائدات المالية النفطية لتمويل مؤسسات صغيرة ومتوسطة فاقت ال 400 ألف لا تمنح الإضافة للاقتصاد الوطني أمر يدعو للمراجعة فكلما زاد عدد هذه الشركات ارتفع الاستيراد، وفوق ذلك نلجأ في كل مرة إلى مسح ديونها وإعفائها من إرجاع مستحقات البنوك العمومية في صورة تعكس هشاشة المتابعة والحرص على أموال الدولة. ويحدث هذا في ارتفاع الأصوات التي تنادي فقط بالقروض والإعفاءات من الضرائب وغيرها من السلوكات الاقتصادية التي تتهدد جميع المجهودات للنهوض بالاقتصاد الوطني. كما أن تقلبات أسعار النفط وعدم استقرارها يحتم التحفظ على بعض المشاريع الكبرى التي لا تملك جدوى اقتصادية كبيرة لأنها قد تؤثر كثيرا على العائدات النفطية، وسنجد نفسنا نتخلى عنها مستقبلا. @ تروج بعض الأطراف أخبارا عن نفاذ الثروة النفطية وقرب انتهاء مخزون المحروقات فهل هذه الخلفيات موضوعية أم أنها شائعات للتغطية عن واقع معين؟ @ @ إن الحديث عن نفاذ المحروقات أمر غير موضوعي فقد تم استغلال النفط في الجزائر منذ أكثر من 56 سنة ورغم ذلك فالإنتاج في ارتفاع مستمر والاكتشافات تتزايد من سنة لأخرى وحتى التصدير في نمو متصاعد وعليه فكل التصريحات و الأخبار التي تتحدث عن زوالها ليس لديها أي دلائل مادية وكل ما في الأمر هي محاولة من بعض السياسيين للتستر على واقع معين. وتشير الاكتشافات والبحوث العلمية عن وجود مصادر طاقة أخرى في باطن الأرض وفوقها فالجزائر لها تنوع تضاريسي يجعلها دولة مؤمنة طاقويا فمدينة تمنراست مثلا تتربع على طاقات باطنية اكتسبتها من التضاريس البركانية التي تميزها، من شأنها أن تجعلها قطبا لمصادر طاقة هامة. وحتى الحديث عن نفاذ المحروقات الذي اعتبره أكبر كذبة اقتصادية أمر غير مقبول في ظل توفرنا على الطاقة الشمسية والهوائية التي يجب أن ننخرط فيها بشكل واسع لأن التنافس في هذا المجال شرس وغير ظاهر للعيان. @ تسببت الأزمات السياسية في الشرق الأوسط وخاصة تهديدات إيران بغلق مضيق هرمز أمام النفط الخليجي وتوقيف صادراتها نحو أوروبا بعد قرارهذه الأخيرة التوقف عن استيراد الخام الإيراني في ارتفاع أسعار النفط، ناهيك عن موجة الصقيع التي ضربت مختلف بقاع العالم، فما هي المستويات التي يمكن أن تصلها الأسعار، وهل تؤيد المبادرة في تعويض النفط الإيراني في الأسواق الأوروبية؟ @ @ في ظل هذه التطورات المتسارعة أعتقد أن الأسعار سترتفع إلى 200 دولار أو أكثر لأن كل المؤشرات تصب في خانة وصول الصراع الغربي والإسرائيلي الإيراني إلى درجات خطيرة. وعلى الجزائر أن تستغل هذا الوضع وتتموقع في السوق النفطية لجني أكبر قدر ممكن من العائدات بعيدا عن استعمال العاطفة ولما كانت الجزائر تعاني من سنوات الظلام استفادت الكثير من الدول من المأساة الوطنية ولم ترحمنا أي جهة وهو ما سمح لها بتطوير اقتصادياتها وتحقيق الكثير من المكتسبات والعائدات المالية التي جعلت منها اليوم قوى إقليمية وعليه فالعوامل الجيو إستراتيجية في صالحنا. @ هل للفساد علاقة بارتفاع عائدات المحروقات؟ @ @ يعتبر الفساد أكبر عدو لعائدات المحروقات من خلال انتشار شبكات المافيا والفساد والتي تبتكر طرق وأساليب جديدة للحصول على أموال غير مشروعة ونذكر هنا الرشوة التي بلغت مستويات خطيرة جدا فالإحصائيات تؤكد أن 12 بالمائة من رؤوس الأموال تذهب إلى الرشوة إن لم تكن أكثر، ومنه فالردع وإشراك جميع القوى الحية والإعلام من أجل كبح هذه الآفة التي ستأتي على الأخضر واليابس وستفرغ خزائن الدولة من أموال الشعب.