أحزاب سياسية جزائرية تعتبر قانون الأحزاب الجديد خطوة نوعية نحو تعزيز الديمقراطية والممارسة السياسية    وهران تحتفي بمجد المجاهدين في الذكرى الخامسة والستين لمظاهرات 11 ديسمبر 1960    الحماية المدنية تحذر المواطنين من حوادث المرور والمنزل خلال احتفالات السنة الجديدة 2026    البحث العلمي يتحول إلى محرك اقتصادي: 80 شراكة مبتكرة و3249 براءة اختراع في سنة واحدة    سوناطراك توقّع عقود إنجاز ثلاثة مصانع كبرى لتحلية مياه البحر وتعزّز الأمن المائي الوطني    انطلاق إنتاج أقلام الأنسولين من الجيل الجديد ببوفاريك في خطوة نوعية لتعزيز الأمن الصحي الوطني    المذكرات الورقية تنسحب من يوميات الأفراد    هدر غير مبرر للكهرباء والغاز في فصل الشتاء    أطفال غزّة يموتون برداً    من أزمة القيادة إلى مأزق الإرادة    الجزائر خاضت خلال عهداتها حروبا دبلوماسية حقيقية    دراسة ومناقشة نصوص قوانين ووضعية الأسئلة الشفوية    أعضاء النقابات مدعوون لتسوية وضعيتهم القانونية    ينشر عرضا عن استعمال موارده المالية والبشرية لعام2025    نُثَمِّنُ " عاليا" جهود الدولة في مجال حماية وترقية الطفولة    تواجد ميداني للحفاظ على الأمن العمومي و السلامة المرورية    تبسة : وضع اللمسات الأخيرة على مشروع استراتيجي    ملتقى وطني للأدب الشعبي الجزائري بالجلفة    دعوة إلى التعجيل بإصدار القانون التجاري الجديد    الاستعمال العقلاني للمضادات الحيوية أولوية وطنية في إطار الأمن الصحي    نعمل بانسجام مع الإستراتيجية الوطنية للأمن السيبراني    إرادة جزائرية تتأكد في مرافقة إفريقيا في مشاريعها التنموية    القانون كرس إجراءات صارمة لكشف ومكافحة هذه الجريمة    "الخضر" بالعلامة الكاملة في الدو الثمن النهائي    شبيبة القبائل تعود إلى سكة الانتصارات    مشاريع رقمية مبتكرة في الأفق    الرئيس تبون حريص على إشراك الشباب في بناء جزائر قوية    استكمال التسجيل وتصحيح الملفات المرفوضة قبل 6 جانفي    47 خدمة عصرية على البوابة الوطنية للخدمات الرقمية    رفع التجريم عن أخطاء التسيير يؤسس لبيئة اقتصادية تنافسية    حين تتحول الأرقام إلى واقع    كواشف الغاز.. بين جهود الدولة والسلوك غير المسؤول    انطلاق الأيام الوطنية التكوينية للمقاولاتية لذوي الهمم    مجلس الأمن الدولي يعقد جلسة طارئة اليوم    مطار هواري بومدين ضمن أكثر 10 مطارات إفريقية استيعابا للمسافرين    مبارك دخلة.. من رفوف "الكاسيت" إلى "التريند" الرقمي    مؤسسات الثقافة تحتضن الأطفال بأنشطة هادفة    تواصل الدورة السابعة للمهرجان الوطني للفرق النحاسية    الفريق يواصل هدر النقاط    عنابة تحتضن أبطال الشرق    بلومي يُصاب مجدّدا    تيميمون تحتفي بالطبعة 17 للمهرجان الوطني للأهليل وترسخ تراث الواحة الحمراء    سنفعل ما بوسعنا للفوز والإقناع    الاتحاد يقتنص نقطة    اختتام الطبعة ال33 لمعرض الإنتاج الجزائري    رفض عربي وإسلامي واسع لاعتراف الكيان الصهيوني ب"أرض الصومال" وتحذير من تداعيات خطيرة على الأمن الدولي    دار الثقافة ابن رشد بالجلفة تحتضن الملتقى الوطني الثاني للأدب الشعبي الجزائري    البليدة : افتتاح المهرجان الثامن لموسيقى وأغنية العروبي    التصويت بالإجماع على قانون تجريم الاستعمار وفاء لرسالة الشهداء    تمديد مدة المرحلة الثانية للتلقيح ضد شلل الأطفال    معنى اسم الله "الفتاح"    .. قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا    الرابطة الأولى موبيليس : الكشف عن برنامج الجولة ال14    التقوى وحسن الخلق بينهما رباط وثيق    الجزائر ماضية في ترسيخ المرجعية الدينية الوطنية    اتفاقيات لتصنيع أدوية لفائدة شركات إفريقية قريبا    التكفل بمخلفات المستحقات المالية للصيادلة الخواص المتعاقدين    صحيح البخاري بمساجد الجزائر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الصوتُ والصدى في حياة (الدرويشة)..!
نشر في الشعب يوم 08 - 04 - 2020

«الدرويشة» مجموعة قصصية، للقاصّة المصرية صفاء النجّار، الصادرة عن مؤسسة بتانة-القاهرة-2019م؛ وتقعُ في 130صفحة، تتضمن 21 قصةً قصيرةً.
الدرويشة سندريلا: نبدأ من عتبة المجموعة القصصية (عنوان المجموعة: «الدرويشة»)، ونحنُ نعلم أن الدرويش/ الدرويشة مصطلح صوفي، ويعني الزاهد الجوّال، والجمع: دروايش. وهكذا يعني أن المتلقي سيظنّ أنهُ سيدخلُ في حلقةٍ للذكر، ويتعلمُ بعض النصوص والقصائد والإيقاعات ويعرف كيف سيدور دورة الدراويش ليرتقي بقلبه وفكره نحو العُلا. هكذا أرادتْ منّا الكاتبةُ أن نكونَ معها وفي حلقتها وأن تدير بيدها وبعصاها طريقة من طرقها الصوفية في الكتابة والقراءة وتجعلنا نغورُ حيناً ونرتقي حينا آخر كي نفهمَ مبتغاها وماذا تريد..؟
بدأتِ الكاتبةُ في استهلال مجموعتها برسم سندريلا «درويشة» تختلفُ عن أصل الحكاية والأسطورة التي عشناها وسمعناها وشاهدناها حيث حُلمُ كلّ فتاة أن تكونَ هي «السندريلا» وهي التي تفوزُ بالأمير لتنعم في حياة القصر. ووجدتُ في هذه القصة الأولى «يوميات السندريلا في القصر» تكادُ تكون دخيلةً على بقيةِ القصص للوهلة الأولى، لكن بعد أن أقرأ المجموعة قراءةً متأنيةً وبتبصر أجدُ كل قصة هي مكملة وجزء من التي تليها وقبلها، فاللوحةُ لا تكتمل دون أن تضع جزئيات الخطوط واللون وانعكاس الضوء، وبعدها ستقرأ اللوحة وتشاهدها من جميع اتجاهاتها وحدةً فنيةً متكاملةً. فرسمُ فنتازيا»السندريلا» تأخذُنا خارج المألوف وما اعتدنا عليه من قراءتنا للقصص في بداياتها وخواتيمها، فقد رسمتِ «الكاتبةُ» سندريلا جديدة، سندريلا الدرويشة، الزاهدة، العادلة، في حياة القصر الباذخ، في الخدم والإنارة وكل تفاصيل الحياة اليومية، (سندريلا) التي تبني حياةً أكثر حباً للحياة وإعطاء كل ذي حقٍ حقه، ورسم مايجب أن يكون عليه القصر (وهو صورة مصغرة للمجتمع) بفكرٍ خلاّبٍ وروح طاهرةٍ عفيفة.
-صورة الدرويشة / العائلة: وأنت تقرأُ عزيزي (المتلقي) بقيّة القصص، تلاحظُ كيف تمّ بناؤها وهندستها وفق خطةٍ محكمةٍ، تقودُكَ أنتَ لا تقودُها، لأنّها(الدرويشة) التي جعلتكَ تسير وتدور معها في رحلة السمو والخروج من الجسد، نحو عالم الروح، من عالم أرضي إلى آخر سماوي.
تتتابعُ صورُ القصص في (الحلم الذي لن أرويه لجدّتي)،(الدرويشة والمريد)، (أنا جميلة لأني أشبه أمي)، (أمي وأبي)،حتى نصل الى مجموعة قصص (ورم مشاكس يؤنسُ وحدتي). القصصُ بمجملها تقعُ في خانةِ (السيرة الذاتية) فقد وضعت الكاتبةُ سيرةً ل(درويشة) وارتباطها بأبجديات العائلة وصورة الأم، والأب، والأولاد، هي خائفةٌ على هذا النسيج، خائفة أن تفلتَ منها لحظات جعلتها هي، خلقتها وخلّقتْها، وتزيّنتْ بها ومعها، جعلت تاريخ العائلة مجتمعاً مرصوصاً، حتى وإن اختفت بعض الوجوه ورحلت الى العالم الآخر، سجّلتْ لهم ما خطّتهُ خطاهم، وأقلامهم وأوهامهم وأحلامهم؛ هكذا وجدتْ مع الترابط والتسلسل في الكتابة أن تجعلَ الأيام بوتقةً في مختبر حياتها. فكانت صورة (الزمن الأسطورة والأزرق الحار)، وكيف تتدرب على لحظات الولادة في (تدريبات الحياة)، وماذا تعني لها السباحة سايكولوجياً، وكيف كانت معها (شادية) صورةً وصوتاً في (البراح الذي يسكنني)، وكيف تتعاملُ مع الأسطورة، هكذا تأخذنا في صورٍ أحياناً تظنها(فلاش باك سينمائي) لكنها من صُلب الحدث تعيشُ لحظته وتعدّ أنفاسه.
-الدرويشة والألم (الصوت والصدى): في هندسةٍ مكمّلةٍ لما ابتدأتُهُ الكاتبةُ، تتحفنا ببناءٍ فنيّ رصين، حيث لا تجعلك تمشي معها بخطى ثابتة، في زمان يستهلك عقاربه، بل هي (الدرويشةُ) التي تنوّعُ حلقتها ودوران الجسد والروح، تتطوّر بنية النّص لتتناسب مع روحية التوهج الصوفي (الدرويشي)، فتجعل قصةً (صدى) وجوابها (صوت) في قصةٍ أخرى، تبدأ من (الصفحة 91) حتى آخر صفحة(128). حيثُ يتلاحق الصدى والصوت في بناء الحدث، الصوت الذي يظهر بصورة الفعل والنتاج الذي تنتجه (الدرويشة)، و(الصدى) هو الاختلاج النفسي في الذات.
هُنا تكونُ (الدرويشةُ) أكثر وضوحاً، حيثُ تصل ذروة العشق والتلبس بمحبة العالم، لتكشفَ عن الألم، الألم بصوره المتعددة، الألم الذي لا صورة له ولا صوت ولا طعم، ألمٌ يفارق الوقت، ويتجاوز المكان، في ألمٍ يحبّ الجميلات، يحرّكُ العالمَ ليكتشف علاجاً، ليكون الألم مع الموروث القرآني في صورة (يعقوب) و(الغراب)، و(الذئب)، و(البقرات العجاف)، يدخلُ هذا الموروث والخزين المعرفي للكاتبة ليكونَ أداةً من أدواتها في صياغة جمال الصورة واللحظة والحدث.
إنّهُ الألمُ –يا سيّدي- حيثُ تمنحهُ حياةً أخرى، فتحيلهُ إلى ألوان في لوحات (فريدا كاهلو) وسيرتها، وتُنتجُ من الألم شِعراً ونصوصاً، وذكريات. وبعد كل هذا النزف الصّوري واللوني، تجلس (الدرويشة) على صخرة الصبر والانتظار لتكونَ (سيزيف) زمانها، فمهما كان الألم والمرضُ إرثاً مقيتاً، عبر جينات تورّثتها، فلابدّ أن يكون تاريخُ العائلة المحنّط بالصور الذي يعلوها الشريط الأسود وتتزايد كل يوم، فأن (الدرويشةَ) ستظلّ تقاومُ لأنها ستحيا بامتداد أولادها وتحيا بحياتهما.
هكذا جعلتِ (الكاتبةُ) من مخيالنا أن يتصوّر هذه (السيرة) في (تأريخ عائلةٍ) شخّصتها بالأسماء في بعض أوراقها لتكونَ شهادةً وتجربةً للجميع لا تجربة فردية تندثر بمرور الزمن، بل تجعلنا نعيشها معها بتفاصيلها بحلوها ومرّها، ولو انّ المرّ هو الأكثر شراهةً وطغياناً.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.