يشهد قطاع التعليم العالي والبحث العلمي في الجزائر تحوّلًا نوعيًا يعكس توجّه الدولة نحو جعل البحث العلمي رافعة حقيقية للتنمية الاقتصادية وخلق الثروة، وذلك من خلال إدماج المخابر ومؤسسات البحث في النسيج الاقتصادي الوطني. وفي هذا الإطار، كشف وزير التعليم العالي والبحث العلمي، كمال بداري، عن تسجيل 80 شراكة تنفيذية مبنية على مشاريع مبتكرة خلال السنة الجارية، ما يعكس الانتقال من البحث النظري إلى البحث المنتج ذي الأثر الاقتصادي المباشر. وجاءت تصريحات الوزير خلال إشرافه على أشغال الندوة الوطنية للمؤسسات العمومية ذات الطابع العلمي والتكنولوجي، حيث أبرز أن البحث العلمي لم يعد نشاطًا أكاديميًا معزولًا، بل أصبح عنصرًا أساسيًا في بناء اقتصاد وطني قائم على الابتكار والمعرفة، وقادر على خلق مناصب شغل مستدامة وتعزيز القيمة المضافة. وأوضح بداري أن سنة 2025 عرفت قفزة نوعية في مجال تثمين نتائج البحث، من خلال تسجيل 539 بحثًا علميًا موجهًا للتطبيق الاقتصادي، بزيادة قدرها 31 بالمائة مقارنة بالسنة الماضية، ما يدل على تنامي وعي الباحثين والمؤسسات بأهمية ربط البحث بالإنتاج. وفي سياق تعزيز الشراكة مع القطاع الاقتصادي، تم إنشاء 77 فريق بحث مختلط موزعين عبر 676 برنامج بحث، إضافة إلى إطلاق 134 حاضنة أعمال جذبت استثمارات بلغت قيمتها 2.8 مليار دينار، وهو ما ساهم في تحويل الأفكار العلمية إلى مشاريع قابلة للتجسيد الميداني. وعلى مستوى المشاريع البحثية، شهدت السنة الجارية تسجيل 335 مشروع بحث وطني، من بينها 251 مشروعًا ذا صيت دولي، إلى جانب 1374 مشروعًا مبتكرًا و133 مشروعًا موضوعاتيًا، فضلاً عن إيداع 3249 براءة اختراع، ما يعكس حركية علمية متصاعدة داخل الجامعات ومراكز البحث. كما أفضت هذه الديناميكية إلى استحداث 2611 مؤسسة اقتصادية مصغرة، و310 مؤسسات ناشئة، و340 فرعًا اقتصاديًا، فيما تم إدراج بعض الفروع التابعة لثلاثة مراكز بحث في بورصة الجزائر، في خطوة غير مسبوقة تعكس الثقة المتزايدة في مخرجات البحث العلمي. وأكد الوزير أن هذه الندوة تشكل محطة لتقييم حصيلة عام كامل من العمل وفق مؤشرات دقيقة، مذكرًا بأن توجيه البحث العلمي نحو دعم الاقتصاد الوطني انطلق منذ ثلاث سنوات، تنفيذًا لرؤية رئيس الجمهورية، عبد المجيد تبون، الرامية إلى بناء اقتصاد متنوع قائم على المعرفة والابتكار. وشكلت الندوة أيضًا فضاءً للتشاور وتبادل الخبرات، حيث تم عرض نتائج بحوث تساهم مباشرة في الاقتصاد الوطني، لا سيما في مجالات الأمن الطاقوي، والأمن الغذائي، والصحة، وهي قطاعات استراتيجية تمثل أولوية وطنية. واختُتمت الأشغال بالتوقيع على ثلاث اتفاقيات تعاون بين مراكز بحث وطنية ومؤسسات اقتصادية، في مجالات تطوير العلف وتسمين الماشية، إلى جانب توظيف تكنولوجيا الليزر لطرد الطيور من المطارات، ما يعكس التوجّه العملي لتطبيق نتائج البحث العلمي في ميادين حيوية. بهذه المؤشرات، يواصل قطاع التعليم العالي والبحث العلمي ترسيخ موقعه كفاعل محوري في التحول الاقتصادي، واضعًا المعرفة في صميم التنمية الوطنية، وممهّدًا الطريق نحو اقتصاد جزائري أكثر ابتكارًا واستدامة.