يبدو جليا بأن التعنت الذي يبديه طرفا الأزمة السورية، مضافا اليه التأليب والتأجيج الذي تمارسه بعض المجموعة الدولية، بدأ يدفع ليس فقط نحو الانسداد والتصعيد، بل ويضع الشعب السوري تحت رحمة العمليات الارهابية والمذابح ويقربه من الحرب الأهلية التي يكثر الحديث عنها هذه الأيام بعد ان اصبحت اخبار التفجيرات والمجازر المرتكبة في المدن السورية الثائرة وحتى في قلب العاصمة دمشق تتصدر العناوين في وسائل الاعلام العالمية، ليزاحم المشهد السوري بذلك المشهد العراقي في العنف واللا أمن بل وليتفوق عليه رغم جهود الوساطة التي يبذلها المبعوث الأممي “كوفي عنان” الذي بدأ يهدّد برمي المنشفة وهو يرى خطته تذوب في الماء. الأزمة في سوريا تكبر كلهب النار، ولا يظهر في الأفق بوادر اي انفراج، بل على العكس تماما حيث دخلت العمليات الارهابية على الخط واصبح كل طرف يوجه اصابع الاتهام للآخر، فالمعارضة تحمل النظام المسؤولية وتجزم بأنه يفعل ذلك لارهاب المدنيين والثوار حتى يرفعوا الراية البيضاء ويستسلموا ويتركوه لحاله، اما النظام فينفض يديه منها ويؤكد بأنه ليس من مصلحته اقتراف مثل هذه الفظائع التي لا يرتكبها إلا الوحوش، ويمسح السكين تارة في القاعدة والجماعات الارهابية، وأخرى في مناوئيه قصد توريطه وتأليب الغرب ضده حتى يدفعوه للتدخل العسكري والإطاحة به بعد أن تعذر زحزحته من منصبه بعد مضي سنة ونصف من الثورة. طبول الحرب تُقرع في خضم تعفن الأجواء الأمنية في سوريا، والعجز عن احراز اي تقدم في تطبيق خطة عنان، بدأ الجميع يضع يده على قلبه خشية حصول المحظور وتحول الأزمة الى حرب أهلية، خاصة وان مقدماتها ظاهرة للعيان، وقد بدأت النداءات تدق ناقوس الخطر، حيث حذر الأمين العام الأممي »بان كي مون« من حرب اهلية كارثية في سوريا، وقال بأن دخول المجازر على خط الأزمة يمكن أن يغرق بلاد الشام في حرب داخلية لن تتمكن الخروج منها، ونفس التخوف أبدته وزيرة الخارجية الأمريكية “هيلاري كلينتون”، التي اشارت الى ان اعمال العنف في سوريا يمكن ان تؤدي الى حرب اهلية او كما سمتها حربا بالوكالة بسبب ما وصفته دعم ايران لنظام الأسد، مضيفة ان ايران موجودة بعمق في سوريا وجيشها يقوم بتدريب القوات السورية،، والظاهر ان هذه التحذيرات، لا تقصد التهويل البتة لأن الوضع السوري فعلا خطير وينذر بالإنفجار في اي لحظة، خاصة وان النظام مصر على سياسة الكل الأمني لتصفية المجموعات المسلحة المناوئة، والمعارضة من جهتها مصرة على استمرار ثورتها حتى اسقاط نظام بشار الأسد، وبينهما يبدو “كوفي عنان” والمراقبون الدوليون تائهون لا يدرون اي سبيل يسلكون، والمدنيون يأكلون الحصرم ويدفعون الثمن لتغيير مخاضه عسير وآلامه مبرحة وليلة طويل.. وفي المقابل لا نسمع من الخارج اي اصوات تدعو الى التعقّل واسكات صوت السلاح والجلوس الى طاولة حوار لإيجاد حل بديل يرضي الجميع. تحرك ظاهره بريىء وباطنه مريب أصرّ الرئيس السوري بشار الأسد في خطابه الأخير امام البرلمان الجديد على تحمل اطراف خارجية عربية على وجه الخصوص المنحنيات الخطيرة التي تتخذها الأزمة في بلاده، وقال »انه بعد سنة ونصف على بدء الأزمة اتضحت الأمور وتنزّعت الأقنعة وتعرى الدور الدولي فيما يحصل كما فضح الدور الإقليمي نفسه بنفسه«. والواقع أن المتتبع للشأن السوري، وتحديدا لبعض المواقف الغربية والعربية يقف على اصرار كبير لتأجيج الأزمة وتصعيدها والعمل على سد كل منافذ الحل السلمي دون اكثرات حقيقي بمعاناة الشعب السوري الذي يجد نفسه مسحوقا بين مطرقة النظام وسندان المعارضة ويدفع وحده الثمن الغالي حيث يقتل منه العشرات كل يوم ويشرّد المئات وينزح الآلاف... لا يمكن في الواقع مطلقا أن نتجاهل بعض التحركات المشبوهة التي تتعمد جر الأزمة السورية إلى النفق المسدود، بل وجعلت نفسها طرفا في هذه الأزمة تقف إلى جانب المعارضة، تدعمها اعلاميا وعسكريا وتسخّر لها المنابر والمؤسسات الدولية لنشر استغاثاتها واذاعة بكائياتها واتهاماتها المؤسسة منها وحتى الملفقة ضد النظام. كما لا يمكن أن نتجاهل الدور الذي تقوم به بعض الدول العربية تحديدا لفرض الخيار العسكري من خلال دعوتها إلى فرض خطة عنان تحت بند الفصل السابع من ميثاق الأممالمتحدة الذي يجيز استخدام القوة في سوريا على غرار ما حدث في العراق وليبيا وافغانستان.. وإلى غاية، الآن تبدو التحركات الدولية دافعة نحو التأزيم وليس الانفراج كما يظهر انحيازها بشكل مفضوح الى درجة إصرارها على تحديد المسؤولية عن مذبحة الحولة وتوريط النظام دون انتظار نتائج عمل بعثة المراقبين الأميين او لجنة تحقيق دولية محايدة.. وفي ظل هذه التطورات تمضي الأزمة السورية الى التعقيد والتصعيد وطبول الحرب تقرع من بعيد في حين يتمسك الأسد بكرسيه الغارق في دماء السوريين الابرياء،، ويبقى الأمل في ظهور جهة محايدة يمكنها اقناع الرئيس السوري بمبادرة حل شبيهة بالمبادرة الخليجية التي حلحلت الأزمة اليمنية، والى ذلك الحين تبقى اجواء الحرب تحيط ببلاد الشام فمن يصنع خشبة الخلاص؟