مكّنت الإستراتيجية التي اتّبعتها الجزائر لمكافحة تفشي وباء كورونا العالمي، من تجاوز آثار الوباء المدمّرة بأقل الأضرار، بل جنّبتها مثلما قال وزير الصحة عبد الرحمن بن بوزيد «سيناريوهات كارثية مثل التي شهدتها بعض البلدان»، بفضل الجهود الاستباقية المبذولة. سارع رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، منذ ظهور الإصابات المحلية الأولى بفيروس كورونا وسط عائلة من ولاية البليدة، بعد احتكاكهم برعايا جزائريّين مقيمين بفرنسا، إلى وضع إستراتيجية شاملة لمكافحة هذه الآفة المستوردة من الخارج، واتخاذ تدابير في وقت مبكر من أجل مكافحة انتشار فيروس «كوفيد-19»، أخذت بعين الاعتبار توصيات منظمة الصحة العالمية وتمّ تكييفها مع الوضع الداخلي. هذه التدابير حرص على تنفيذها وترجمتها في الميدان، الجهاز الحكومي، وكل الفاعلين في مجال مواجهة الفيروس على رأسهم جميع مستخدمي الصحة، الذين كانوا ومازالوا خط الدفاع الأول في حرب ضد عدو غير مرئي، أبانوا فيها عن احترافية وشجاعة في التعامل مع جائحة عالمية، بالرغم من أن اغلبهم لم يشهدوا مثلها طيلة مسيرتهم المهنية، ويفتقرون للتجربة ولوسائل التصدي والمجابهة. وبالرغم من الانتقادات الموجّهة للإستراتيجية الجزائر في محاربة تفشي الوباء، بسبب التأخر في تطبيق تدابير الحجر الصحي عند بداية ظهور الوباء، إلا أن الخبراء تراجعوا عن تقييمهم ووصفوا التجربة ب «الرائدة» و»الفعّالة»، بعد أن ظهرت نتائجها في الميدان. وقال رئيس لجنة الصحة بالمجلس الشعبي الوطني، «إنّ نظرة خاطفة على الأرقام العالمية لانتشار الوباء والتحكم فيه في المحيطين الإقليمي أو المتوسطي تجعلنا نشعر بالفخر والكبرياء، من أن الجهود الجبارة للدولة قد آتت أكلها». وأضاف أنّ إستراتيجية المواجهة أثبت فعاليتها واستشرافيتها، واستطاع المجهود الوطني لمختلف القطاعات الاقتصادية والاجتماعية التي تأثرت بارتدادات هذا الوباء وانعكاساته السلبية، الصمود في وجه الركود الذي فرضته هذه الجائحة، ووفّرت كل ما يضمن استمرارية تموين المواطن بحاجياته الضرورية وضمان مستلزماته الأساسية. ووصفت منظمة الأممالمتحدة إستراتيجية الجزائر ب «الشجاعة»، وقال منسقها المقيم بالجزائر ايريك أوفرفيست إنّ «الجزائر وعلى غرار الدول الأخرى التي مسّها الوباء، اتخذت تدابير شجاعة أقرّها رئيس الجمهورية هي فرض الحجر الكلي أو الجزئي عبر كامل التراب». واعتبر هذه الخطوة الوسيلة الأكثر نجاعة للحد من انتشار الفيروس، تندرج في إطار تعزيز مخطط التصدي لخطر وباء «كوفيد-19»، الذي أعدته وزارة الصحة والذي يقوم على مراقبة الوباء والتكفل بالحالات المشبوهة وآلية التكفل بالمرضى والتشخيص والحماية وكذا تدابير النظافة وإجراءات الرصد». خطّة التّصدّي في الوقت الذي أربك فيروس كورونا المستجد، حكومات دول متقدمة، وأحدث اضطرابا وسط سلكها الطبي، ليس بسبب نقص العتاد وإنما بسبب عدد المصابين الذي فاق التوقعات، إلى درجة أن بعض الدول اضطرت للاختيار بين المرضى المسموح لهم بالاستفادة من سرير إنعاش، ممّا كلفها فاتورة باهظة وخسائر فادحة في الأرواح، لعدم اكتراثها وتحضيرها، تصدّت الجزائر للجائحة مباشرة دون إضاعة الوقت، واعتمدت على إمكانياتها المحلية، وقامت بعدما تعذّر الحصول على إحصائيات الولايات في وقت مبكر، بتنصيب لجنة وطنية مكلفة بمتابعة الوضع الوبائي، واتخاذ الإجراءات الواجب إتباعها وتكييفها وفق تطور منحى الإصابات. وارتكزت خطة التصدي التي اعتمدها الحكومة على الوقاية والمراقبة النشطة والتشخيص المبكر» بي - سي - آر» والتكفل السريع بالحالات عن طريق بروتوكول العلاج بالكلوروكين والحجر الصحي. وسمحت هذه التدابير بتجنب الضغط الذي عرفته أنظمة الصحة أخرى، حيث سيمكّن تحليل الوضع ما بعد الوباء، وأتمنى ذلك، من الكشف عن سبب التركيبة المختلفة لهذا الوباء. ولأنّ خطورة «كوفيد-19»، بدأت تتعاظم ثم فرض يوم 23 مارس 2020 حجرا جزئيا بالجزائر العاصمة وحجرا كليا على ولاية البليدة على اعتبار أنّها الأكثر تضرّرا بالجائحة، ثم انتقل الحجر الصحي إلى الولايات المتضررة، واستمر لغاية اليوم، كما قامت السلطات العمومية في بدايات ظهور الوباء بغلق المدارس والثانويات والجامعات وهياكل الرياضة، بالموازاة مع وضع حجر «فعّال وملتزم»، ساهم إلى حد اليوم في تقليل الإصابات وانتقال العدوى وسط المواطنين. وعكس بعض دول الجوار التي استعانت بالجيش لفرض احترام قواعد الحجر الصحي، التزم أغلب الجزائريين بالإجراءات الموصى بها من طرف اللجنة الوطنية لمتابعة وباء كورونا، وشيئا فشيئا أصبح الجميع متقيدا بقواعد الحجر والتباعد الاجتماعي وارتداء الكمامات، وإن ظهرت بعض الحالات الشاذة لمواطنين حاولوا لفت الأنظار فقط. كما ساهمت الإجراءات التي اتخذتها الحكومة المتعلقة بتعليق بعض النشاطات التجارية، وخدمات النقل، في الحد من انتشار الفيروس، بعدما تبين أن الأسواق والمجمعات التجارية بؤر الوباء. صمود الأطباء وتضامن شعبي واسع أبان مستخدمو السلك الطبي عن «شجاعة» نادرة، في التعامل مع الجائحة العالمية، وبقوا مرابطين في أماكنهم بالرغم من تعليق عطلهم السنوية، ففي الوقت الذي حامت الشكوك حول قدرتهم على مسايرة الوضع الوبائي والتكفل بأعداد المصابين أمام نقص الوسائل والمعدات، أثبتوا للعالم قدرتهم على مجابهة الوباء والثبات بالرغم من أن الفترة العصيبة والظرف الصعب. وبالرغم من أنهم فقدوا العديد من خيرة الأطباء والمختصين والأعوان خلال معركة القضاء على الفيروس التاجي، إلا أن الخوف لم يمس قلوبهم، واتخذوا كل الإجراءات اللازمة للتكفل بجميع الحالات، وأثبتوا لغاية اليوم مهارة عالية في عملهم لحصر الوباء والقضاء عليه، إذ كانوا السباقين إلى التوصية باستخدام دواء الكلوروكين مصحوبا بمضادات حيوية وأدوية مضادة للفيروسات دون الالتفات إلى ما كان يروج ويشاع حول نجاعة هذا البرتوكول، واضعين صوب أعينهم هدفا واحدا هو العلاج والشفاء. وما عزّز جهود السلك الطبي، انخراط جمعيات المجتمع المدني في معركة القضاء على الفيروس العالمي، بالمساهمة في حملات مستمرة لغاية اليوم، للتحسيس بأهمية الالتزام بتدابير الوقاية من «كوفيد-19»، كما تكفّل رجال أعمال ومواطنون بدعم الأطباء والمستشفيات بالوسائل الضرورية لمجابهة الوباء. كما انخرط الأساتذة الجامعيّين والمهنيين في عمليات إنتاج الهلام المطهر وأجهزة الإنعاش والكمامات، وهي سابقة أولى، سمحت بسد العجز المسجل في بداية ظهور الوباء، وتلبية الطلب الوطني، في وقت عجزت دول أوروبية في توفيرها. وبالرغم من أن الوضعية الحالية للوباء أصبحت في منحى تنازلي، يبقى الحذر مطلوبا، وتستدعي من المواطنين اليقظة واحترام قواعد النظافة والمسافة الجسدية، بالامتثال لقواعد الحجر الصحي والارتداء الإلزامي للقناع.