مازالت الطائرات المسيرة المغربية تستهدف المدنيين، ليس فقط في الأراضي الصحراوية المحتلة، بل حتى في الأراضي الموريتانية، والمنطقة العازلة، إذ يسجّل في كلّ مرّة سقوط ضحايا دون أن تتحرّك الجهات الدولية المسؤولة لمحاسبة أو معاقبة المغرب ووضع حدّ لسلوكه الإجرامي البغيض. فقبل يومين لقي أربعة أشخاص مصرعهم، في قصفين منفصلين، قرب الحدود الشمالية لموريتانيا، غير بعيد من مدينة أفديرك، بعد استهداف سيارتهم. وحسب الانباء، فقد شنّ طيران الإحتلال المغربي نهاية الاسبوع الماضي غارات بالمسيرات على الحدود بين الصحراء الغربية وموريتانيا (منطقة كَرايرْ لَبيار)، وخلّف القصف قتلى يضافون إلى عدد الضحايا الذين قضوا على فترات متفاوتة في أكثر من اعتداء، في جنوب الصحراء الغربية والمناطق المحاذية للحدود الشمالية لموريتانيا، أثناء تنقيبهم عن الذهب. والغريب، أن الاممالمتحدة تلتزم الصمت حيال الجرائم المتكررة للمغرب في حق المدنيين الصحراويين والاجانب بالطائرات المسيرة والاسلحة المتطورة في المناطق الصحراوية المحررة واستهداف القوافل التجارية العابرة للحدود. وخلقت حالة الحرب المندلعة في الصحراء الغربية منذ 13 نوفمبر 2020، وضعا جديدا وتحديا بالنسبة للاحتلال المغربي، الذي وبعد عجزه عن مواجهة عمليات القصف التي يشنها الجيش الصحراوي ضد قواعده العسكرية خلف الجدار، لجأ الى استهداف المدنيين ووصل به الأمر الى درجة تنفيذ عمليات على الحدود الدولية للصحراء الغربية. مسلسل القصف لا ينتهي وقد بدأ مسلسل استهداف المدنيين يوم 25 جانفي 2020 عندما قصف الطيران المغربي سيارات مدنية صحراوية بمنطقة تيفارتي المحررة أدى الى استشهاد ثلاثة مواطنين صحراويين. وفي 18 أوت 2021، استهدف قصف مغربي مدنيين صحراويين عزل كانوا يستغلون شاحنة مدنية محملة بالسلع والمواد الغذائية قادمة من الاراضي الصحراوية المحررة بعيدة جغرافيا عن الجدار الرملي الفاصل الذي يقسم إقليم الصحراء الغربية على طول أزيد من 2.700 كيلومتر وأسفرت عملية القصف عن خسائر مادية. وبتاريخ 20 أكتوبر 2021 نفذت طائرة مغربية مسيرة هجوما ضد مدنيين صحراويين ببلدة أمهريز، بالمناطق المحررة مما أسفر عن جرح ما لايقل عن ثلاثة مواطنين وتدمير سيارات مدنية. وفي 13 نوفمبر 2021 قصفت طائرة مغربية مسيرة سيارتين مدنيتين في منطقة اكليبات الفولة بإقليم ميجك المحرر، مما تسبب في استشهاد مواطن صحراوي واصابة آخرين بجروح. وعلى الجانب الموريتاني، تعرضت أهداف مدنية للقصف المغربي في العديد من المرات، حيث سقط الكثير من الضحايا الأبرياء، خاصة من المنقبين عن الذهب. واشتد مسلسل استهداف المدنيين خلال الاسابيع الاخيرة حيث أدى هجوم مغربي بالمدفعية استهدف منقبين موريتانيين عن الذهب بالقرب من منطقة "كليبات الفولة" يوم 06 نوفمبر 2021 الى إصابة عدد من المنقبين بجروح. ولم تسلم الشاحنات التجارية الجزائرية هي الأخرى من الإجرام المغربي، حيث طالها القصف وهي تجوب الطريق الدولي الرابط بين الجزائر وموريتانيا في الفاتح نوفمبر 2021، ما أدى الى سقوط مدنيين، كما تكرّر العدوان في 26 أوت 2021 على نفس الطريق. وتؤكد هذه الاعمال التي تنتهك القانون الدولي الإنساني فلسفة المحتل الغازي المغربي في محاولة ابادة كل كائن حي بالاراضي الصحراوية، حيث لا يفرق في ضرباته بين الاهداف المدنية والعسكرية، و لا يميز بين البشر أو الحيوان، فيقصف المنازل والقوافل التجارية والمدنيين بشكل عشوائي. هذا، وحسب تحريات المكتب الصحراوي لتنسيق الأعمال المتعلقة بالألغام، فقد قام الجيش المغربي بشن أكثر من 27 هجوما استهدف حوالي 49 مدنيا بين قتيل وجريح من مختلف الجنسيات في مجموعات كانت على التوالي إما مسافرين أو منقبين عن الذهب أو تجار أو رحل. وأغلب هذه الهجمات، تم في المناطق الحدودية الصحراوية الموريتانية وذلك لأغراض سياسية، اقتصادية واجتماعية تهدف الى قطع التواصل بين العائلات والافراد وإعاقة التبادل التجاري ومحاولة وضع عراقيل وشكوك في إمكانية القيام بالتبادل التجاري الحر بين دول المنطقة، وزرع الرعب واليأس في مستخدمي تلك المناطق. بالنسبة للضحايا القتلى، أكثر من 60 %صحراويون، 5,14 %موريتانيون، مقابل جنسيات أخرى. أما الخسائر المادية، وبالرغم من أنه الى حد الساعة لا توجد احصائيات نهائية، يمكن القول ان الطائرات المسيرة المغربية استهدفت مرافق وبنى تحتية مدنية ومشاريع إنسانية وممتلكات شخصية كمدارس ومصادر للمياه ومرافق ومحلات تجارية في مناطق متفرقة ومتباعدة. جرائم بدون عقاب وإذا كانت الدول التي تغطي على الجرائم المغربية تتحجج في بعض الأحيان بصعوبة تقصي الحقائق والتحقق من الأهداف، فإن كل الهجمات التي نفذها الجيش المغربي بالطائرات المسيرة ضد المدنيين، كانت في أراضي مكشوفة ومن السهل جدا التحقق من طلاء السيارات وحتى ملابس الضحايا، لضمان تمييز الأهداف العسكرية والمدنيين بوضوح، ضف الى ذلك ان هذه الهجمات وقعت في مناطق نائية وتبعد بكثير من الكلومترات عن الجدار المغربي ولم تكن لحماية القوات المغربية المتخندقة فيه، مما يؤكد أنها لا تمثل أي تهديد لهم، علاوة على ذلك كانت الأهداف المدنية المستهدفة بعيدة عن نشاط الجيش الصحراوي، مما كان سببا واضحا في تأخر إجلاء وإسعاف الضحايا في الوقت اللازم. وفي ظل سلوكيات وممارسات الجيش المغربي تجاه المدنيين، يبرز تساؤل حول إمكانية اعتبارها جرائم ضد الإنسانية تهدد السلم والأمن الدوليين وتقوض جهود السلام، وفي ظل هذه الجرائم فهل هناك إمكانية المساءلة والمحاسبة القانونية عبر المحكمة الجنائية الدولية، ومحاكمة المسؤولين المغاربة كمجرمي حرب عن الجرائم التي ارتكبوها في حق المدنيين العزل .