يجد الأهل في كثير من الأحيان صعوبة في السيطرة على أبنائهم من أجل فرض قانونهم الخاص في المذاكرة والمثابرة في الدراسة، لذلك تحول الهاتف أو تعلق أبنائهم بالهاتف النقال محل ابتزاز معنوي وسلاح قوي في يد الأولياء، حيث أصبح الأبناء مجبورين على الدراسة من أجل استعماله أو لعب ألعابهم الالكترونية المفضلة. في اللحظة التي تتأكد فيها والدة الطفل علي (13 عاما)، أنّه لم يقم بأداء واجباته المدرسية كما يجب، حتى تبادر بتهديده بسحب الهاتف النقال منه، وحرمانه من التواصل مع أصدقائه عبر المراسلات الإلكترونية، أو ممارسة ألعاب الفيديو. تيقّنت والدته أنّ هذا هو العقاب الأنسب والأكثر تأثيراً لتغيير سلوك طفلها، في الوقت الذي قضاه وأشقاؤه خلال أشهر العطلة الصيفية، يستخدمون الهاتف الذكي للتسلية واللعب والتواصل خلال جلوسهم في البيت، وأثناء وجودها في العمل، وكلما حاولت تقليص ساعات استخدامهم للهاتف، تبوء محاولاتها بالفشل. لذلك، وجدت أنّ هذا التعلق يمكن أن يكون سلاحا ذا حدين، وذلك من خلال تحويل حرمانهم إلى عقاب لأي تقصير قد يقومون به، حيث اكتشفت أن العقوبة الأكبر بسحب الهاتف رغم ردة الفعل التي تصدر من الأبناء، والتي قد تصل إلى حد "الصراخ والعصبية والعنف والمعاندة". ولكن ترى سليمة بودن، انها كثيراً ما تلجأ إلى استخدام عقوبة سحب الهاتف من طلفها البالغ من العمر عشرة أعوام، وخاصة عندما يتعلق الأمر بالدراسة، أو حالة اللامبالاة التي تصدر عنه أحياناً بسبب تعلقه بالهاتف، لذلك ترى أن الوسيلة المتاحة لها الآن والأقل ضرراً جسدياً هي "سحب الهاتف منه لحين تعديل سلوكه"، على حد قولها. وتقول سليمة إنّ هذه الطريقة جيدة في أغلب الأوقات، ولكنها تخشى من التعلق بالهاتف في الأوقات اللاحقة، كون لديه استعداد لأداء أي مهمة يمكن توكيله بها مقابل أن يحصل على الهاتف، لذا ترى أنّ "الأسلم لصحة ابنها النفسية والجسدية هو تقنين استخدام الهاتف إن تمكنت من ذلك أساسا". أمّا زكرياء سلامي فيجد أن تعلق أبنائه بالهاتف جعله أقوى سلاح بين يديه للسيطرة على سلوكياتهم، ويقول: "في كثير من الأحيان أضطر الى اخذ هاتفهم الشخصي بسبب شجاراتهم أو مشاحناتهم المتكررة بسبب لعبهم المشترك ل "فري فاير"، ففي أغلب الحالات يبدؤون بالصراخ على بعضهم، وتبادل التهم في أن أحدهم هو سبب فشلهم في اكمال المهمة أو موتهم في اللعبة طبعا". أضاف زكرياء أنه ومع بداية السنة الدراسية يحجز هواتفهم عنده، ولا يعطيها إياهم إلا في نهاية الأسبوع، بشرط اجتهادهم وإنجازهم لواجباتهم المدرسية طوال أيام الأسبوع، وبالفعل أعطى هذا القانون نتائج جيدة السنة الماضية، لذلك استمر في تطبيقه هذه السنة." العقاب الأكثر تأثيرا من مختلف النواحي، هنالك هواجس تدور في عقول الأطفال بكل ما يتعلق بالهاتف الذكي، الانبهار ووجود المتعة باللعب أو بمتابعة المقاطع القصيرة، جعل من الهاتف أحد أهم الأساسيات كما أن وجود جهاز الإنترنت في البيت، هو أيضاً لم يعد من الكماليات في المنزل. ولما لذلك من أثر نفسي على الأبناء، وبخاصة عندما يصبح "سحب الهاتف منهم عنوة هو العقاب الأكثر تأثيرا بهم"، يقول المختصون إنّ استخدام الهاتف من قبل الأطفال له الكثير من الآثار النفسية والسلوكية عليهم، ومن الطبيعي أن يكون له تبعات على علاقتهم مع عائلاتهم، خاصة ممّن اعتادوا على استخدامه لساعات طويلة، حتى بات هو الملاذ الاجتماعي لهم في البيت والمدرسة والمجتمع المحيط بهم. لذلك، يعتقدون أنّ السماح للأطفال بأن يستخدموا الهاتف لفترات طويلة، هو أحد أخطاء الأهل، إذ إن ذلك يجعل من الصعوبة بمكان أن يتم التخلص منه في الوقت المناسب، خاصة وإن بات الهاتف وسيلتهم المفضلة والدائمة، والتي تغنيهم عن باقي علاقتهم بالآخرين، لذا يعاني أولياء الأمور من صعوبة في تخليص الأبناء من الهواتف إلا أن يكون عن طريق المكافأة أو العقوبة. وبيّنت إحدى الدراسات التي أعدتها شركة متخصصة في اليابان، أن "المراهقين وبسبب تعلقهم واستخدامهم المفرط للهاتف، يُعد الحرمان منه لفترات هو العقوبة الأكثر استخداماً بين الأهل، كون الهاتف بات وسيلة التواصل الاجتماعي الأكثر استخداماً من قبلهم، وبخاصة المراهقين منهم". وتطبيقا لذلك، هناك نظرية علمية نفسية يُطلق عليها "الاشتراط الإجرائي"، وهي عبارة عن طريقة تتناول قضية التعلم، حيث إن الاشتراط يتحكم في تعديل السلوك، إذ إن "الثواب من النتائج التي تعزز سلوكا ما، أو تزيد من احتمالات تكراره، فإن العقاب يعد من النتائج التي من المفترض أن تقلل من احتمالات تكرار السلوك"، كما جاء في تقرير خاص يتطرق لهذه النظرية. كما تبين الدراسات العلمية المتعلقة بذلك أن العقاب الذي يمكن أن يتعرض له الفرد، سواء طفل او بالغ، من شأنه أن يُجبر الشخص على تعديل سلوكه بما يتناسب مع العقوبة. ومن هنا، يلجأ الأهل إلى أن يكون تعديل السلوك بالعقوبة بشكلٍ عام، بيد أن التعلق الكبير بالأجهزة الإلكترونية، وبما أنها أصبحت جزءاً لا يتجزأ من حياتهم ومتعلقاتهم، دفعت الأهل إلى أن تكون العقوبة تتناسب مع الفعل، وهو الأمر الذي أظهر "مفعوله"، كما تؤكد ذلك الكثير من الأمهات. عدا عن ذلك، يرى أولياء الأمور أن عقوبة "سحب الهاتف من الأطفال"، عدا عن كونها تدفعهم لتعديل السلوك نحو الأفضل، وتجنب الأخطاء التي ارتكبوها، هناك من يستغلها لتقليل التعلق، إذ أن هذا الإدمان يمكن علاجه بالعقوبة وبالتدرج، حتى يصل الطفل إلى قناعة أنه قادر على الموازنة ما بين الهاتف وحياته الأخرى من عائلة ومجتمع ومدرسة، وتساعده على التفاعل الاجتماعي مرة أخرى، ما ينعكس على شخصيته فيما بعد. ولكون الأهل يتعاملون مع الهاتف كونه "عدو الدراسة وأداء الواجبات المدرسة"، ويُعتقد أن هذا التعلق الكبير المبالغ فيه من شأنه بالفعل ان يؤثر على المستوى التحصيلي للطالب، لذلك يربط الأهل ما بين العقاب على التقصير ب "سحب الهواتف منهم كعقاب وكطريقة للتحفير على الدراسة وتحسين مستواهم في الاختبارات". جزاء وعقاب مع التطور التكنولوجي الذي طال مختلف جوانب الحياة، وبسبب ظهور "التعلم التكنولوجي والدراسة عن بُعد أبان جائحة كورونا"، فهذا ساهم في زيادة اللجوء للهواتف الذكية في العملية الدراسية، وبموافقة ورغبة الأهل، لذلك قد يكون من الصعوبة بمكان أن يتم فصل الطفل أو اليافع عن الهاتف بشكل مفاجئ ودائم"، بل إن اختيار طريقة مناسبة للتعامل مع هذا الأمر يتطلب ذكاء ومهارة من الوالدين للمحافظة على التوازن النفسي والدراسي والتربوي للأطفال. ومنذ سنوات طويلة اعتاد الأطفال على استخدام التكنولوجيا في اللعب من خلال "البلاي ستيشن"، وكان هناك كثير من الأهل الذين يعانون من تعلق أبنائهم بهذه الألعاب ولساعات طويلة، بل وأنها تؤثر على سلوكهم، وهذا ما يراه المختصون من أن التعلق بالهاتف ليس ظاهرة جديدة، بل هو متابعة لهذا التطور، وسهولة الحصول على الهاتف مما يصعب التقليل من استخدامها إذا لم تكن هناك متابعة من الأهل. استخدام الهواتف الذكية، أثّرت على تفاصيل حياة الطفل بالكامل، سواء من ناحية طريقة التفكير والتعامل مع الآخرين، ولكنها في ذات الوقت قد يكون لها تأثير إيجابي، وعليه يجب على الأهل أن يكونوا على دراية وحكمة في طريقة التعامل مع الابن في كيفية تحسين استخدامه للهاتف من ناحية "الوقت والمضمون"، خاصة وأن الأهل هم من يقدمونه للأبناء، ومراعاة مشاعرهم فيما بعد "التقنين"، وعدم ربط الهاتف دائما بالعقاب، إنما محاورة الابن واطلاعه على السلبيات والإيجابيات.