وزير الصحة يبحث مع المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية سبل توسيع التعاون في المجال الطبي    ينتظر من الهيئة تعبئة خبرتها لمرافقة الإصلاحات الوطنية الشاملة    يستقبل وزير الداخلية الإسباني    تقديم عرضا شاملا حول البرامج التنموية الكبرى للقطاع    قانون المالية جاء بنهج جديد قائم على الشفافية والمساءلة    اتفقنا على تعزيز التعاون في مجال التنقل والهجرة غير الشرعية    غزة تعانى من حالة تجويع قاسية وهي جريمة في القانون الدولي    إسرائيل تحرم غزة من المساعدات المنقذة للحياة    الشلف : فرقة البحث و التدخل BRI بأمن الولاية    سكيكدة : والي سكيكدة يحل قضايا المواطنين في ظرف قياسي    جيجل : إتلاف كميات معتبرة من اللحوم الفاسدة    انطلاق الطبعة ال28 للصالون الدولي للكتاب في 29 أكتوبر    إطلاق المكتبة الرقمية الجامعية    احموا أنفسكم بحماية معطياتكم الشخصية    الحزب الشيوعي البرازيلي يجدّد تضامنه مع نضال الشعب الصحراوي    البعثة الأممية في ليبيا تؤكد دعمها للمفوضية العليا للانتخابات    ندوات تكوينية عن بُعد لطلبة معاهد الشؤون الدينية    يواصل التألّق مع فرانكفورت    غموض حول الموعد الرسمي لعودة آيت نوري    مدرب ليل يردّ الاعتبار لماندي    تدابير جديدة لتخفيف الازدحام بالموانئ والمطارات    تحسين الحوكمة وتسريع التحوّل الرقمي في الأشغال العمومية    محطات التحلية خيار استراتيجي لتعزيز الأمن المائي    تفكيك عصابة أحياء بعين تموشنت    44 مشاركا في الطبعة 15    معالجة أولويات قطاعات البيئة، التربية والمياه    الجزائر متمسكة بإصلاح الحوكمة الاقتصادية العالمية    الطبعة الثامنة على وقع "الذاكرة الوطنية"    الهوية الجامعة والذكاء الاصطناعي والنيوكولونيالية أبرز المحاور    "بومرداس قلعة الثوار" ..عمل فني يخلّد الثورة    التلقيح المبكر يمنح مناعة أقوى ضدّ الأنفلونزا    ظاهرة موسمية تتجاوز الوصفات الطبية    زروقي: سجل الذاكرة حافل ببطولات وطنيين في المهجر    حروب العصابات.. إلى أين؟    الساورة في الصدارة    تاقجوت يدعو النقابات العربية إلى مواصلة التجند    ناصري يشارك في مؤتمر جنيف    حمدان يستشهد بثورة الجزائر    وزارة الثقافة تطلق جائزة    سميرة بن عيسى تلمع في سماء الأدب    ندوة حول إسهامات المرأة في النضال إبّان الثورة    الجزائر تشارك في منتدى موسكو    الاقتصاد العالمي يدخل مرحلة جديدة    ضرورة وضع أسس تعاون عملي بين البلدين في مجالات الطاقة    مديرية الصحة تدعو المواطنين خاصة المقيمين بسكيكدة وفلفلة للتلقيح ضد "الدفتيريا"    خبراء الصحة يشدّدون على أهمية تعزيز التطعيم واحترام الرزنامة    المستشفى الجامعي بن باديس بقسنطينة : استئناف نشاط قسم العمليات "ابن سينا"    المنتخب الوطني : بقائمة من 50 لاعباً.. هل يستعد بيتكوفيتش لمفاجأة كبرى؟    عودة آيت نوري وعطال تبعث المنافسة بين دورفال ورفيق بلغالي    صادي وبيتكوفيتش يتضامنان معه..أمين غويري يغيب رسميا عن كأس إفريقيا    "جوائز نوبل".. أزمات اقتصادية وحروب السلام!    أدب النفس.. "إنَّما بُعِثتُ لأُتمِّمَ صالِحَ الأخلاقِ"    فتاوى : حكم قراءة القرآن بدون تدبر    "لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ"    تسجيل خمس حالات إصابة مؤكدة بداء الدفتيريا بولاية سكيكدة    انتصاران هامّان لأولمبيك آقبو وأولمبي الشلف    حبل النجاة من الخسران ووصايا الحق والصبر    أفضل ما دعا به النبي صلى الله عليه وسلم..    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



القدس بين الأمر الواقع والطموح
نشر في الشعب يوم 01 - 08 - 2009

في عهد نتنياهو تكثفت المشاريع الإسرائيلية الهادفة إلى تهويد القدس نهائيا وذلك بعزلها عن بقية الأرض الفلسطينية المحتلة ، ومصادرة الأرض وتهويدها، وتوسيع المستوطنات القائمة، وربطها ببعضها، وتهديد المقدسات من خلال سرقتها وتنفيذ الحفريات تحتها وفي أرجاء مختلفة من البلدة القديمة،
وتكثيف سياسة هدم المنازل، وكل أشكال التطهير والتمييز العنصري ضد الفلسطينيين .وحتى ندرك الواقع الذي تعيشه القدس علينا أن نعرف أن سلطات الاحتلال أصدرت أوامر بهدم أكثر من ألف منزل في القدس منذ بداية العام الجاري، وهناك اكثر من 20 ألف منزل معرض للهدم بحجة أنها بنيت دون ترخيص، بعضها مبني منذ مئات السنين . ولا تقتصر المخططات الإسرائيلية على ذلك ، بل وكما جاء في تقرير صادر عن وحدة البحث والتوثيق في مركز القدس للحقوق الاجتماعية والاقتصادية، أن هناك سياسة إسرائيلية مبرمجة ومستمرة ومتصاعدة بعزل تجمعات سكانية كبيرة يقارب عدد سكانها ال160 ألف مقدسي خارج الحدود البلدية المصطنعة للقدس . وأضاف التقرير: إن أبرز الإجراءات الإسرائيلية تتمثل في استكمال بناء الجزء الأكبر من جدار الفصل العنصري حول المدينة المقدسة، ما جعل البلدات والأحياء العربية معزولة عن القدس ، وهو إجراء يهدد المقدسيين بفقدان حقهم بالإقامة في مدينتهم مستقبلا، وبالتالي تكون السلطات الإسرائيلية المحتلة قد نجحت في التخلص من هذا العدد الكبير من السكان دفعة واحدة . ورغم كل السياسات والإجراءات الإسرائيلية الرامية إلى طرد وتهجير المقدسيين من مدينتهم خصوصا من داخل البلدة القديمة التي تسمى الحوض المقدسي ، إلا أن هناك 36 ألف مقدسي يقطنون داخل أسوار البلدة القديمة مقابل 4 آلاف مستوطن يهودي يقطن بعضهم في ما يسمى بالحي اليهودي الذي أقيم على أنقاض الحي الفلسطيني بعيد سقوط المدينة المقدسة سنة 67 ، وبعضهم الآخر يقطنون في 70 بؤرة استيطانية موزعة على الوقف الإسلامي والمسيحي في البلدة القديمة، وتشمل هذه البؤر عقارات ومساكن حول بعضها الى مدارس ومعاهد يهودية يلتحق فيها سنويا مئات الطلبة الجدد من سكان المستوطنات اليهودية في الضفة الغربية . ويسعى الإسرائيليون الى زيادة عدد المستوطنين في البلدة القديمة لمواجهة الكثافة السكانية الفلسطينية العالية، من خلال سيطرتهم على المزيد من العقارات المتاخمة للمسجد الأقصى والمجاورة للحي اليهودي، وبناء كنس يهودية ومدارس دينية جديدة تستوعب أعدادا أكبر من المستوطنين. إن الخطر الأكبر الذي يهدد الوجود الفلسطيني في القدس القديمة هو استمرار تناقص الوجود المسيحي الفلسطيني العربي، حيث انتقل نشاط الجمعيات الاستيطانية اليهودية إلى الحي المسيحي، من خلال نقل قيادة الجمعيات الاستيطانية مقرها إلى حارة النصارىئ وتفيد المعطيات المتوافرة بأن عدد المقدسيين المسيحيين الفلسطينيين داخل البلدة القديمة يصل الآن إلى نحو 5000 نسمة، يضاف إليهم نحو 7000 نسمة يقطنون خارج منطقة الأسوار، علما أن إحصائيات فلسطينية صدرت العام 1997 تحدثت عن عدد إجمالي من المسيحيين في حدود القدس الكبرى كان وصل إلى 15000 نسمة، ما يشير إلى تهجير أعداد كبيرة منهم بأشكال مختلفة منها عدد الإقامة وفقا للقانون الإسرائيلي الشاذ، والى تقلص في أعداد هؤلاء بسبب انتقال أعداد منهم للسكن في رام الله وبيت لحم، وحتى داخل الخط الأخضر سعيا وراء الأمن والتخلص من الضغوط الاقتصادية، وبحثا عن فرص العمل التي لا تستطيع المؤسسات الفلسطينية في القدس تأمينها حتى لحملة الشهادات الجامعية من هؤلاء .
ولكي ندرك أبعاد التصاعد المحموم في المخططات الإسرائيلية التوسعية الاستيطانية إزاء القدس نشير إلى أن عدد المقدسيين سيصل وفقا لدراسات إسرائيلية، واستنادا إلى معدل النمو السكاني، حتى العام 2020 إلى 376 ألفا داخل حدود البلدية الإسرائيلية المصطنعة للقدس، في حين سيرتفع عدد الإسرائيليين في القدس الشرقية والغربية إلى 650 ألفا، منهم ما يقرب من 200 ألف مستوطن يقيمون في مستوطنات يهودية أقيمت على أراضٍ فلسطينية مصادرة في القدس الشرقية المحتلة .ورغم أن خبراء فلسطينيين وإسرائيليين يشككون في التقديرات الإسرائيلية لأن معدل النمو السكاني الفلسطيني أكثر بثلاثة أضعاف من معدل النمو السكاني غير الديني وبضعفي معدل النمو السكاني اليهودي الديني، إلا أن من المهم إدراك ما يخطط الإسرائيليون لكي يتم وضع الخطط الفلسطينية القادرة على إفشالها .
الحكومة الإسرائيلية شرعت بتوسيع حدود الكتلة الاستيطانية معاليه ادوميم لتضم 8 مستوطنات على أرض مساحتها 191 كيلو مترا مربعا، وإقامة القدس الكبرى التي تنتزع 10 من مساحة الضفة الغربية المحتلة، لمنع أن تكون القدس المحتلة عاصمة للدولة الفلسطينية، عن طريق إحداث تغيير ديمغرافي جذري في المدينة خاصة أنها ترغب في أن يكون عدد السكان العرب في المدينة 12 . ، كما تهدف إسرائيل إلى فصل شمال الضفة الغربية عن جنوبها عن طريق هذه الكتلة الاستيطانية التي ستكون بعمق 35 كيلو مترا . أن ذلك يعني أن التواصل بين المستوطنات الإسرائيلية جغرافي، وبين القرى والمدن الفلسطينية عبر الأنفاق .وهناك عدة اتجاهات لتطبيق الأهداف الإسرائيلية هي: تقليص عدد السكان العرب وهدم المنازل، وسحب الهويات وجدار الفصل، وإخراج كل التجمعات المدنية العربية الواقعة داخل حدود المدينة إلى خارجها، وضم كل الكتل الاستيطانية إلى داخل مدينة القدس . إن تهويد مدينة القدس المحتلة هو مقدمة لتنفيذ القرار الإسرائيلي بأحدث عملية تطهير عرقي للفلسطينيين والنظر إليهم كمجموعة أقلية تعيش في المدينة. وبذلك لم تبق إسرائيل شيئا لتصادره في مدينة القدس المحتلة فهي قد صادرت 86 من مساحتها ولم يبق سوى 14 من المدينة وهي المنطقة المبنية ويمكن لهم مصادرتها عبر قانون الغائبين .
إن ما يجري بالقدس المحتلة حاليا، مجرد حلقة من مخطط يتم تنفيذه تباعا منذ الاحتلال الإسرائيلي في حزيران العام .1967 ولقد تصاعد تنفيذ هذا المخطط وبلورته بعد اتفاق أوسلو في العام 1993 بمبادرة من حزب الليكود حيث أقرت البلدية التي كان يترأسها أيهود اولمرت خطة حملت اسم القدس 2020 هدفها إخراج المدينة المقدسة من دائرة التفاوض عبر تغيير طابعها الديمغرافي، وتوحيد القدس الشرقية والقدس الغربية، وتقليص عدد سكانها العرب ورفع عدد سكانها اليهود إلى مليون بحلول الموعد المذكور، واستمرت الممارسات الإسرائيلية لتنفيذ هذه الخطة رغم نهاية ولاية اولمرت بعد تعاقب ثلاثة على رئاسة البلدية من المعسكر اليميني نفسه، آخرهم الرئيس الحالي لبلدية القدس نير بركات وهو أكثرهم تطرفا في مواقفه من الفلسطينيين في القدس ومن عملية السلام. فقد تصاعدت الإجراءات الإسرائيلية ضد الوجود الفلسطيني، كما وكيفا، منذ تسلمه منصبه منتصف العام الماضي. ومع مجيء حكومة نتنياهو الثانية إلى سدة الحكم، التي تعتبر أكثر الحكومات الإسرائيلية ارهابية وعنصرية ضد الفلسطينيين بشكل عام وضد الوجود الفلسطيني بالقدس بشكل خاص .
إن ما تتعرض له القدس رهيب جدا، وأدى إلى وضع إذا استمر ستضيع القدس، لذا لا يكفي لوقفه الإدانة والشجب والتمنيات، وتقديم بعض المساعدات، والقيام باحتجاجات متفرقة، بل بحاجة إلى موقف عربي رافض ما دامت المخططات الإسرائيلية لتطبيق الحل الإسرائيلي خصوصا في مدينة القدس جارية على قدم وساق، فلا يكفي الحديث عن السلام وعن وقف الاستيطان كشرط للتفاوض . القدس بحاجة إلى إستراتيجية تقوم على أن القدس عاصمة فلسطين وروحها وعقلها وقلبها، وأنها جزء من الأرض المحتلة العام ,1967 ودون دحر الاحتلال منها بشكل كلي، بعيدا عن معادلة الأحياء العربية والأحياء اليهودية التي طرحها بيل كلينتون، وعن ضم الكتل الاستيطانية الكبيرة، ومبدأ تبادل الأراضي المطروحين منذ قمة كامب ديفيد العام ,2000 وعن سياسة تقوم على رد الفعل وعلى مجرد البقاء وتحسين شروط حياة السكان المقدسيين كإستراتيجية وليس بوصفها تكتيكا من ضمن إستراتيجية هدفها الناظم إنهاء الاحتلال وكل ما قام به الاحتلال من استيطان وحصار وتهويد وتغيير المعالم بصورة جوهرية. وما يتطلبه ذلك من تعزيز عوامل الصمود والبقاء والمقاومة، في القدس وكافة الأراضي المحتلة ، وبالضرورة لا يكفي الحديث عن وقف الاستيطان . إن الحكومة الإسرائيلية الإرهابية الحالية، حكومة حرب وعدوان واستيطان وعنصرية، وهي أكثر حكومة تطرفا منذ تأسيس إسرائيل. ولا يكفي لمواجهتها الاستمرار بالحديث عن السلام ، بل لا بد من مراجعة مسيرة العملية السلمية مراجعة عميقة وجريئة واستخلاص الدروس والعبر التي على رأسها ضرورة التوصل إلى حل نهائي وشامل للصراع دون مراحل انتقالية، ولا فصل القضايا عن بعضها، وعلى أساس مرجعية واضحة وملزمة من البداية. فلا يمكن إنقاذ القدس دون توفير مقومات وإمكانيات الصمود الحقيقية، ودون وضع معركة القدس في سياق المعركة الأكبر، معركة الاستقلال الوطني، التي لا يمكن أن تنتصر دون مقاومة راشدة تجعل المحتل يدفع ثمن الاحتلال .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.