اقتصاد المعرفة: السيد واضح يبرز بشنغهاي جهود الجزائر في مجال الرقمنة وتطوير الذكاء الاصطناعي    بطولة إفريقيا لكرة القدم للاعبين المحليين 2024 /المؤجلة الى 2025/: المنتخب الوطني يواصل تحضيراته بسيدي موسى    الألعاب الإفريقية المدرسية-2025: تألق منتخبات مصر، تونس، السودان ومدغشقر في كرة الطاولة فردي (ذكور وإناث)    تواصل موجة الحر عبر عدة ولايات من جنوب البلاد    اختتام المهرجان المحلي للموسيقى والأغنية الوهرانية : تكريم الفائزين الثلاث الأوائل    جثمان الفقيد يوارى بمقبرة القطار.. بللو: سيد علي فتار ترك ارثا إبداعيا غنيا في مجال السينما والتلفزيون    تمتد إلى غاية 30 جويلية.. تظاهرة بانوراما مسرح بومرداس .. منصة للموهوبين والمبدعين    السيد حيداوي يستقبل مديرة قسم المرأة والجندر والشباب بمفوضية الاتحاد الإفريقي    المكتب الإعلامي الحكومي بغزة: 73 شاحنة فقط دخلت إلى القطاع رغم الوعود والمجاعة تزداد شراسة    الألعاب الإفريقية المدرسية /الجزائر2025: المصارعة الجزائرية تتوج ب10 ميداليات منها 7 ذهبيات في مستهل الدورة    يوميات القهر العادي    الهواتف الذكية تهدّد الصحة النفسية للأطفال    هذا موعد صبّ المنحة المدرسية الخاصّة    غوارديولا.. من صناعة النجوم إلى المدربين    وفود إفريقية تعبر عن ارتياحها لظروف الإقامة والتنظيم الجيد    رغم الاقتراح الأمريكي لوقف إطلاق النار.. استمرار القتال بين كمبوديا وتايلاند    نيجيريا : الجيش يصد هجوماً شنته «بوكو حرام» و«داعش»    إستشهاد 12 فلسطينيا في قصف على خانيونس ودير البلح    إشادة بالحوار الاستراتيجي القائم بين الجزائر والولايات المتحدة    الوكالة تشرع في الرد على طلبات المكتتبين    العملية "تضع أسسا للدفع بالمناولة في مجال إنتاج قطع الغيار    تحقيق صافي أرباح بقيمة مليار دج    إقامة شراكة اقتصادية جزائرية سعودية متينة    تدابير جديدة لتسوية نهائية لملف العقار الفلاحي    رئيس الجمهورية يعزي نظيره الروسي    وهران.. استقبال الفوج الثاني من أبناء الجالية الوطنية المقيمة بالخارج    خاصة بالموسم الدراسي المقبل..الشروع في صب المنحة المدرسية    الجزائر العاصمة.. حملة لمحاربة مواقف السيارات غير الشرعية    ضمان اجتماعي: لقاء جزائري-صيني لتعزيز التعاون الثنائي    المجلس الوطني الفلسطيني: اعتراض الاحتلال للسفينة "حنظلة"    الاتحاد البرلماني العربي : قرار ضم الضفة والأغوار الفلسطينية انتهاك صارخ للقانون الدولي    الابتلاء.. رفعةٌ للدرجات وتبوُّؤ لمنازل الجنات    ثواب الاستغفار ومقدار مضاعفته    من أسماء الله الحسنى.. "الناصر، النصير"    وزير الثقافة والفنون يشدد على "ضرورة بلوغ أعلى درجات الجاهزية" لإنجاح الصالون الدولي للكتاب بالجزائر (سيلا 2025)    إنجاز مشاريع تنموية هامة ببلديات بومرداس    عندما تجتمع السياحة بألوان الطبيعة    هدفنا تكوين فريق تنافسي ومشروعنا واحد    لا يوجد خاسر..الجميع فائزون ولنصنع معا تاريخا جديدا    870 ألف مكتتب اطلعوا على نتائج دراسة ملفاتهم    تزويد 247 مدرسة ابتدائية بالألواح الرقمية    عنابة تفتتح العرس بروح الوحدة والانتماء    حملة لمكافحة الاستغلال غير القانوني لمواقف السيارات    بداري يهنئ الطالبة البطلة دحلب نريمان    المخزن يستخدم الهجرة للضّغط السياسي    "المادة" في إقامة لوكارنو السينمائية    تحذيرات تُهمَل ومآس تتكرّر    منصّة لصقل مواهب الشباب    جثمان المخرج سيد علي فطار يوارى الثرى بالجزائر العاصمة    الجزائر رافعة استراتيجية للاندماج الاقتصادي الإفريقي: معرض التجارة البينية 2025 فرصة لترسيخ الدور الريادي    دعوة مفتوحة للمساهمة في مؤلّف جماعي حول يوسف مراحي    شبكة ولائية متخصصة في معالجة القدم السكري    منظمة الصحة العالمية تحذر من انتشار فيروس شيكونغونيا عالميا    وهران: افتتاح معرض الحرمين الدولي للحج والعمرة والسياحة    النمّام الصادق خائن والنمّام الكاذب أشد شرًا    إجراءات إلكترونية جديدة لمتابعة ملفات الاستيراد    استكمال الإطار التنظيمي لتطبيق جهاز الدولة    رموز الاستجابة السريعة ب58 ولاية لجمع الزكاة عبر "بريدي موب"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



من يستعد لزلزال القدس؟
نشر في الشعب يوم 14 - 10 - 2009

يوماً بعد يوم تتكشف حقيقة المؤامرة الصهيونية الكبرى تجاه القدس الشريف وبصورة خاصة النيات الخبيثة المبيتة لهدم المسجد الأقصى المبارك تمهيداً لإقامة ما يسمى بهيكل سليمان على أنقاضه وفق خطة منهجية مدروسة ومبرمجة تستغل الوقت والتدرج وتعتمد على الدعايات السوداء أولاً لنسج روايات تاريخية زائفة عن المقدسات وغيرها ثم على تواكل العرب وترددهم وعدم اتخاذهم مواقف حازمة وفاعلة وقاطعة لوقف الإجراءات التعسفية والأعمال الإجرامية ومنع إتمام هذا المخطط الرهيب.
واليوم يبدو الاستحقاق الخطير ماثلاً للعيان، وما كان يبيت في السر صار علنياً يردده الصهاينة بكل وقاحة وصراحة ما يدفعنا لدق ناقوس الخطر والتحذير من قرب إقدام إسرائيل على عمل إجرامي كبير متحدية العالمين العربي والإسلامي والعالم بأسره وضاربة عرض الحائط بكل القرارات الشرعية الدولية وكل القيم والمبادئ والضوابط الأخلاقية والدينية والتاريخية والحضارية والتراثية.
فكل الدلائل تشير إلى ان «ساعة الصفر» لدى الصهاينة قد حانت، كما ان تصريحات ومواقف حكومة الليكود والصهاينة المتطرفين برئاسة بنيامين نتانياهو تصب في هذا الاتجاه وتمهد لتحوّل شامل يستهدف إكمال مؤامرة تهويد القدس العربية والبدء بمشاريع حفر وتنقيب وأعمال تؤدي إلى زعزعة أركان المسجد الأقصى المبارك وتعريضه للدمار لتمحو آثار مسجد سيدنا عمر بن الخطاب وقبة الصخرة المشرفة والحرم الشريف بكامله.
وما أعمال التنقيب وحفر الأنفاق سوى حلقة من سلسلة إجراءات خطيرة يقوم بها الصهاينة لتحقيق هذه الأهداف الإجرامية. فقد كشفت «مؤسسة الأقصى للوقف والتراث» عن شبكة جديدة من الأنفاق المتواصلة والمرتبطة تبنيها إسرائيل أسفل حي سلوان في القدس المحتلة بطول 600 متر ترتبط ببعضها لتصل إلى منطقة باب المغاربة وساحة البراق، الحائط الغربي للمسجد الأقصى.
وجاء الكشف بعد أيام من الإعلان عن نفق جديد أسفل سلوان بطول 120 متراً، يصل الأقصى، واتضح لاحقاً ان الحديث يدور عن أكثر من نفق، ما يشكل خطراً كبيراً على المسجد وبيوت الفلسطينيين في البلدة القديمة، إذ ان بعضها قد تصدّع نتيجة الحفريات.
كما كشف الشيخ رائد صلاح، رئيس الحركة الإسلامية في فلسطين المحتلة عام 1948 عن مؤتمر يجري الاستعداد له من أجل السعي إلى بناء الهيكل الثالث... والمؤسسة الاحتلالية تسير بأسلوب مجنون هستيري يجتمع فيه الدور الرسمي والشعبي من أجل تهويد القدس وبناء الهيكل الأسطوري الكاذب على حساب الأقصى.
وفي وقت متزامن أصدر وزير الأمن الداخلي الإسرائيلي، إسحق أهارونوفيتش، أوامره لشرطة الاحتلال بزيادة وجود قواتها في المدينة المقدسة من أجل ما سمّاه «تعزيز السيادة الإسرائيلية في شرق القدس».
ولو ربطنا هذه التطورات بالإعلان عن بناء مستوطنات استعمارية جديدة في القدس وتوسيع المستوطنات القائمة ومصادرة المزيد من الأراضي في حي سلوان والأحياء العربية الأخرى ومواصلة التعدي على سكان القدس الأصيلين من مسيحيين ومسلمين، لأدركنا حجم المؤامرة الكبرى وتأكدت لنا حتمية الدعوة للحذر واليقظة والتنبه والمطالبة بالإسراع بقيام تحرك عربي حازم قبل فوات الأوان، خصوصاً ان نتانياهو وأركان حكومته العنصرية رفضوا كل الضغوط والمطالب الأميركية بتجميد الاستيطان وعملية التهويد والإصرار على بناء مستعمرة جديدة في حي الشيخ جراح المقدسي الشهير.
ومشكلة العرب والمسلمين أنهم لا يقرأون ولا يتابعون الأحداث والتطورات ثم يعملون على ربطها وتفسيرها بحسب تسلسلها، والأهم من كل ذلك أنهم لا يتخذون المواقف المبدئية الحاسمة والقرارات الوقائية التي تتمتع بالصدقية والجدية قبل ان تقع الواقعة أو «يقع الفأس في الرأس»، فيتحولون إلى «ظاهرة صوتية» تندد وتستنكر وتحتج وتغضب لتقتصر ردات الفعل على التظاهرات والبيانات ومهاجمة العالم بأسره وتحميله مسؤولية ما جرى ويجري من دون أن نفكر ولو للحظة بمسؤولياتنا وواجباتنا الوطنية والقومية والدينية والجهادية أو بالاعتراف بسلسلة الأخطاء والخطايا التي ارتكبناها، وما زلنا على امتداد التاريخ، بحق أنفسنا وأمتنا وقضايا مقدساتها.
ومن يريد ان يتذكر، لعل الذكرى تنفع وتجدي، يجد ان القصة قديمة وطويلة ومترابطة ومبرمجة ومتدرجة. فقد بدأت قبل نكبة 1948 بسيطرة اليهود على الجزء الشرقي من القدس وشروعهم ببناء مساكن وأحياء كاملة توجوها في الحرب بالسيطرة عليه ليشكل اللبنة الأولى في مخطط قضم المدينة المقدسة وضمها تمهيداً لإعلانها عاصمة أبدية لإسرائيل. فقسمت القدس بين شرقية وغربية وكان يفصل بينهما حاجز وهمي أطلق عليه اسم «بوابة مندلبوم».
وبعد التهويد التام لهذا الجزء ومصادرة ممتلكات العرب وهدم مقدساتهم الإسلامية والمسيحية، جاءت حرب حزيران )يونيو1967 ( الكارثية فسنحت الفرصة للصهاينة بالسيطرة على القدس الشريف وإطباق الطوق من حوله لتبدأ المرحلة الثالثة من التهويد وفق خطة خبيثة أوجزها بالمراحل التالية:
إجبار عدد كبير من أهل القدس الأصليين أباً عن جد على النزوح من مدينتهم المقدسة.
التضييق على الأهالي الذين صمدوا في أرضهم بشتى الوسائل من مصادرة ممتلكات والحصار المالي والاقتصادي والاعتقال والتعذيب ومنع البناء ووقف المشاريع وفرض ضرائب ورسوم مجحفة.
مصادرة الأراضي والممتلكات العائدة للنازحين وفق ما يسمى بقانون «الغائبين» وبناء مساكن ومتاجر تمنح أو تباع لإسرائيليين يهود.
تقديم إغراءات مالية لمالكي الأراضي والعقارات لحملهم على بيع ممتلكاتهم مباشرة أو عبر الاحتيال من طريق واجهات باسم شركات وهمية تعود في الأساس لجهات صهيونية، واعتماد سياسة الترهيب والترغيب في حالات أخرى بحيث يعاقب من يرفض البيع وتستخدم ضده كل وسائل الإكراه والابتزاز والتهديد.
تزوير الكثير من الصكوك والسندات العقارية وتحويل ملكيتها من أفراد وشركات ومؤسسات تعود لمواطنين عرب إلى جهات إسرائيلية.
قضم الأحياء العربية وتوسيع المستعمرات الصهيونية تدريجياً لإتمام مؤامرة التهويد التي وصلت خطورتها إلى حد التصفية الكاملة بعد ان تبين انه لم يبق من الأراضي والممتلكات العربية في القدس الشريف سوى 12 في المئة من حجمها الأصلي قبل الاحتلال.
البدء بالمسيحيين العرب أولاً لحملهم على الهجرة والنزوح ومصادرة ممتلكاتهم والتعرض لمقدساتهم والتضييق عليهم. ولدى الأمم المتحدة والجهات الدولية المختصة وثائق وشهادات لبطاركة ومطارنة ومواطنين تفضح هذه الأعمال وتحذر من ان عدد السكان المسيحيين في القدس قد انخفض وتقلص بنسبة 75 في المئة عما كان عليه قبل الاحتلال. وقد تزامن هذا التهويد ضد المسيحيين مع ضغوط على الفاتيكان لحمله على تحريف الإنجيل المقدس وشطب كل ما يشير إلى مسؤولية اليهود عن صلب السيد المسيح عليه السلام، وما يتعلق باليهود بشكل عام. وقد تحقق لإسرائيل ما تريد بعد صراع طويل لكنها لم تكتف بذلك بل أكملته بمصادرة معظم ممتلكات الكنائس المسيحية وبنت فوق أراض تابعة لها مستوطنات، كما احتالت على بعض رجال الدين لحملهم على بيع أراض خاصة بطوائفهم لشركات تبين في ما بعد أنها إسرائيلية.
بعد هذه التصفية الجسدية والمادية للمسيحيين من أبناء القدس الأصليين، التفتت الآلة الصهيونية الجهنمية إلى العرب المسلمين فاتخذت إجراءات تعسفية وعنصرية ضدهم لقطع شرايين الحياة عنهم ومنعت عنهم العمل والتجارة وبناء أو توسيع مساكنهم لحملهم على النزوح وخفض عدد أبناء القدس الأصليين الذين يبلغ تعدادهم أكثر من 350 ألف مواطن عربي. وانتقل المخطط من الأفراد إلى المقدسات فتم منع بناء المساجد. وهدم بعض المساجد الأخرى وتم تحديد عدد المصلين في المسجد الأقصى إلى ان اندلعت الشرارة الأولى بالإقدام على إحراق المسجد الأقصى المبارك في آب (أغسطس 1969 ) وتبعتها شرارات أخرى تمثلت في الهجمات المتكررة للمتطرفين على المسجد ومحاولة الصلاة في الحرم الشريف وصولاً إلى عمليات الحفر والتنقيب وبناء الأنفاق التي أشرت إليها.
وهذا غيض من فيض والحبل على الجرار. والأسئلة الملحة المطروحة الآن هي: إلى متى الرضوخ والسكوت عما يجري؟ وهل سنظل ننتظر وننتظر ونشاهد القدس وهي تختفي من الوجود؟ وهل نحن بحاجة إلى مزيد من الدلائل والشواهد والإثباتات لنتأكد من ان الآتي أعظم وان الخطوة التالية ستكون، لا قدر الله، هدم المسجد الأقصى المبارك؟ وهل نحن بحاجة للتدقيق والتأكد من ان هدف الصهاينة النهائي هو هدم المسجد الذي بارك الله من حوله وبناء الهيكل المزعوم على أطلاله؟!
نعم إنها حقائق لا تحتاج الى اثبات كونها وقائع دامغة لا تنقصها البراهين. فماذا سيفعل العرب وبماذا سيرد المسلمون وقد ناهز عددهم البليون والمئة مليون إنسان؟
كيف يسكت هؤلاء وهم يعرفون ان الله عز وجل قد خص القدس الشريف والمسجد الأقصى المبارك بمعجزة الإسراء والمعراج وجعله سبحانه وتعالى قبلة الإسلام الأولى، فهو أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين الذي نوه الله تعالى بقدره ومكانته في قوله عز وجل: سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا، إنه هو السميع البصير
(سورة الإسراء) آية .1 وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: مسجدي هذا ومسجد الحرام ومسجد الأقصى».
وهناك المزيد من الآيات البينات والأحاديث النبوية الشريفة والوقائع والوثائق الإسلامية التي تؤكد الأهمية القدسية القصوى للقدس الشريف والمسجد الأقصى المبارك سنعود إليها في مقال آخر، ولكن كل ما جرى ويجري يدفعنا إلى دق ناقوس الخطر والتحذير من مغبة التمادي في السكوت على الضيم واللامبالاة في مواجهة أخطار التهويد والتعرض للمؤسسات، فالقدس الشريف يرزح تحت نير احتلال بغيض يهدف إلى طمس هويتها. والأقصى في خطر أكيد، وعلينا ان نحذر من ان تنفيذ المخطط الصهيوني وتهديد المسجد الأقصى المبارك سينجم عنه زلزال مدمر يجتاح العالم كله ويهدد الأمن والاستقرار ويشعل نيران حروب وفتن واضطرابات وأعمال عنف وإرهاب تطال الجميع ولن ينجو منها أحد. فمن ذا الذي يستعد لمواجهة هذا الزلزال الرهيب؟ ومن يعمل ويتحرك لمنع وقوعه؟ ومن الذي سيتصدى للجرائم الصهيونية؟
إنها أسئلة مشروعة تتطلب الإجابة عليها الكثير من الجهد والعمل والجهاد والجدية والحزم والحسم... فهل من مجيب؟ اللهم فاشهد إني قد بلغت!!
عرفان نظام الدين
واليوم يبدو الاستحقاق الخطير ماثلاً للعيان، وما كان يبيت في السر صار علنياً يردده الصهاينة بكل وقاحة وصراحة ما يدفعنا لدق ناقوس الخطر والتحذير من قرب إقدام إسرائيل على عمل إجرامي كبير متحدية العالمين العربي والإسلامي والعالم بأسره وضاربة عرض الحائط بكل القرارات الشرعية الدولية وكل القيم والمبادئ والضوابط الأخلاقية والدينية والتاريخية والحضارية والتراثية.
فكل الدلائل تشير إلى ان «ساعة الصفر» لدى الصهاينة قد حانت، كما ان تصريحات ومواقف حكومة الليكود والصهاينة المتطرفين برئاسة بنيامين نتانياهو تصب في هذا الاتجاه وتمهد لتحوّل شامل يستهدف إكمال مؤامرة تهويد القدس العربية والبدء بمشاريع حفر وتنقيب وأعمال تؤدي إلى زعزعة أركان المسجد الأقصى المبارك وتعريضه للدمار لتمحو آثار مسجد سيدنا عمر بن الخطاب وقبة الصخرة المشرفة والحرم الشريف بكامله.
وما أعمال التنقيب وحفر الأنفاق سوى حلقة من سلسلة إجراءات خطيرة يقوم بها الصهاينة لتحقيق هذه الأهداف الإجرامية. فقد كشفت «مؤسسة الأقصى للوقف والتراث» عن شبكة جديدة من الأنفاق المتواصلة والمرتبطة تبنيها إسرائيل أسفل حي سلوان في القدس المحتلة بطول 600 متر ترتبط ببعضها لتصل إلى منطقة باب المغاربة وساحة البراق، الحائط الغربي للمسجد الأقصى.
وجاء الكشف بعد أيام من الإعلان عن نفق جديد أسفل سلوان بطول 120 متراً، يصل الأقصى، واتضح لاحقاً ان الحديث يدور عن أكثر من نفق، ما يشكل خطراً كبيراً على المسجد وبيوت الفلسطينيين في البلدة القديمة، إذ ان بعضها قد تصدّع نتيجة الحفريات.
كما كشف الشيخ رائد صلاح، رئيس الحركة الإسلامية في فلسطين المحتلة عام 1948 عن مؤتمر يجري الاستعداد له من أجل السعي إلى بناء الهيكل الثالث... والمؤسسة الاحتلالية تسير بأسلوب مجنون هستيري يجتمع فيه الدور الرسمي والشعبي من أجل تهويد القدس وبناء الهيكل الأسطوري الكاذب على حساب الأقصى.
وفي وقت متزامن أصدر وزير الأمن الداخلي الإسرائيلي، إسحق أهارونوفيتش، أوامره لشرطة الاحتلال بزيادة وجود قواتها في المدينة المقدسة من أجل ما سمّاه «تعزيز السيادة الإسرائيلية في شرق القدس».
ولو ربطنا هذه التطورات بالإعلان عن بناء مستوطنات استعمارية جديدة في القدس وتوسيع المستوطنات القائمة ومصادرة المزيد من الأراضي في حي سلوان والأحياء العربية الأخرى ومواصلة التعدي على سكان القدس الأصيلين من مسيحيين ومسلمين، لأدركنا حجم المؤامرة الكبرى وتأكدت لنا حتمية الدعوة للحذر واليقظة والتنبه والمطالبة بالإسراع بقيام تحرك عربي حازم قبل فوات الأوان، خصوصاً ان نتانياهو وأركان حكومته العنصرية رفضوا كل الضغوط والمطالب الأميركية بتجميد الاستيطان وعملية التهويد والإصرار على بناء مستعمرة جديدة في حي الشيخ جراح المقدسي الشهير.
ومشكلة العرب والمسلمين أنهم لا يقرأون ولا يتابعون الأحداث والتطورات ثم يعملون على ربطها وتفسيرها بحسب تسلسلها، والأهم من كل ذلك أنهم لا يتخذون المواقف المبدئية الحاسمة والقرارات الوقائية التي تتمتع بالصدقية والجدية قبل ان تقع الواقعة أو «يقع الفأس في الرأس»، فيتحولون إلى «ظاهرة صوتية» تندد وتستنكر وتحتج وتغضب لتقتصر ردات الفعل على التظاهرات والبيانات ومهاجمة العالم بأسره وتحميله مسؤولية ما جرى ويجري من دون أن نفكر ولو للحظة بمسؤولياتنا وواجباتنا الوطنية والقومية والدينية والجهادية أو بالاعتراف بسلسلة الأخطاء والخطايا التي ارتكبناها، وما زلنا على امتداد التاريخ، بحق أنفسنا وأمتنا وقضايا مقدساتها.
ومن يريد ان يتذكر، لعل الذكرى تنفع وتجدي، يجد ان القصة قديمة وطويلة ومترابطة ومبرمجة ومتدرجة. فقد بدأت قبل نكبة 1948 بسيطرة اليهود على الجزء الشرقي من القدس وشروعهم ببناء مساكن وأحياء كاملة توجوها في الحرب بالسيطرة عليه ليشكل اللبنة الأولى في مخطط قضم المدينة المقدسة وضمها تمهيداً لإعلانها عاصمة أبدية لإسرائيل. فقسمت القدس بين شرقية وغربية وكان يفصل بينهما حاجز وهمي أطلق عليه اسم «بوابة مندلبوم».
وبعد التهويد التام لهذا الجزء ومصادرة ممتلكات العرب وهدم مقدساتهم الإسلامية والمسيحية، جاءت حرب حزيران )يونيو1967 ( الكارثية فسنحت الفرصة للصهاينة بالسيطرة على القدس الشريف وإطباق الطوق من حوله لتبدأ المرحلة الثالثة من التهويد وفق خطة خبيثة أوجزها بالمراحل التالية:
إجبار عدد كبير من أهل القدس الأصليين أباً عن جد على النزوح من مدينتهم المقدسة.
التضييق على الأهالي الذين صمدوا في أرضهم بشتى الوسائل من مصادرة ممتلكات والحصار المالي والاقتصادي والاعتقال والتعذيب ومنع البناء ووقف المشاريع وفرض ضرائب ورسوم مجحفة.
مصادرة الأراضي والممتلكات العائدة للنازحين وفق ما يسمى بقانون «الغائبين» وبناء مساكن ومتاجر تمنح أو تباع لإسرائيليين يهود.
تقديم إغراءات مالية لمالكي الأراضي والعقارات لحملهم على بيع ممتلكاتهم مباشرة أو عبر الاحتيال من طريق واجهات باسم شركات وهمية تعود في الأساس لجهات صهيونية، واعتماد سياسة الترهيب والترغيب في حالات أخرى بحيث يعاقب من يرفض البيع وتستخدم ضده كل وسائل الإكراه والابتزاز والتهديد.
تزوير الكثير من الصكوك والسندات العقارية وتحويل ملكيتها من أفراد وشركات ومؤسسات تعود لمواطنين عرب إلى جهات إسرائيلية.
قضم الأحياء العربية وتوسيع المستعمرات الصهيونية تدريجياً لإتمام مؤامرة التهويد التي وصلت خطورتها إلى حد التصفية الكاملة بعد ان تبين انه لم يبق من الأراضي والممتلكات العربية في القدس الشريف سوى 12 في المئة من حجمها الأصلي قبل الاحتلال.
البدء بالمسيحيين العرب أولاً لحملهم على الهجرة والنزوح ومصادرة ممتلكاتهم والتعرض لمقدساتهم والتضييق عليهم. ولدى الأمم المتحدة والجهات الدولية المختصة وثائق وشهادات لبطاركة ومطارنة ومواطنين تفضح هذه الأعمال وتحذر من ان عدد السكان المسيحيين في القدس قد انخفض وتقلص بنسبة 75 في المئة عما كان عليه قبل الاحتلال. وقد تزامن هذا التهويد ضد المسيحيين مع ضغوط على الفاتيكان لحمله على تحريف الإنجيل المقدس وشطب كل ما يشير إلى مسؤولية اليهود عن صلب السيد المسيح عليه السلام، وما يتعلق باليهود بشكل عام. وقد تحقق لإسرائيل ما تريد بعد صراع طويل لكنها لم تكتف بذلك بل أكملته بمصادرة معظم ممتلكات الكنائس المسيحية وبنت فوق أراض تابعة لها مستوطنات، كما احتالت على بعض رجال الدين لحملهم على بيع أراض خاصة بطوائفهم لشركات تبين في ما بعد أنها إسرائيلية.
بعد هذه التصفية الجسدية والمادية للمسيحيين من أبناء القدس الأصليين، التفتت الآلة الصهيونية الجهنمية إلى العرب المسلمين فاتخذت إجراءات تعسفية وعنصرية ضدهم لقطع شرايين الحياة عنهم ومنعت عنهم العمل والتجارة وبناء أو توسيع مساكنهم لحملهم على النزوح وخفض عدد أبناء القدس الأصليين الذين يبلغ تعدادهم أكثر من 350 ألف مواطن عربي. وانتقل المخطط من الأفراد إلى المقدسات فتم منع بناء المساجد. وهدم بعض المساجد الأخرى وتم تحديد عدد المصلين في المسجد الأقصى إلى ان اندلعت الشرارة الأولى بالإقدام على إحراق المسجد الأقصى المبارك في آب (أغسطس 1969 ) وتبعتها شرارات أخرى تمثلت في الهجمات المتكررة للمتطرفين على المسجد ومحاولة الصلاة في الحرم الشريف وصولاً إلى عمليات الحفر والتنقيب وبناء الأنفاق التي أشرت إليها.
وهذا غيض من فيض والحبل على الجرار. والأسئلة الملحة المطروحة الآن هي: إلى متى الرضوخ والسكوت عما يجري؟ وهل سنظل ننتظر وننتظر ونشاهد القدس وهي تختفي من الوجود؟ وهل نحن بحاجة إلى مزيد من الدلائل والشواهد والإثباتات لنتأكد من ان الآتي أعظم وان الخطوة التالية ستكون، لا قدر الله، هدم المسجد الأقصى المبارك؟ وهل نحن بحاجة للتدقيق والتأكد من ان هدف الصهاينة النهائي هو هدم المسجد الذي بارك الله من حوله وبناء الهيكل المزعوم على أطلاله؟!
نعم إنها حقائق لا تحتاج الى اثبات كونها وقائع دامغة لا تنقصها البراهين. فماذا سيفعل العرب وبماذا سيرد المسلمون وقد ناهز عددهم البليون والمئة مليون إنسان؟
كيف يسكت هؤلاء وهم يعرفون ان الله عز وجل قد خص القدس الشريف والمسجد الأقصى المبارك بمعجزة الإسراء والمعراج وجعله سبحانه وتعالى قبلة الإسلام الأولى، فهو أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين الذي نوه الله تعالى بقدره ومكانته في قوله عز وجل: سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا، إنه هو السميع البصير
(سورة الإسراء) آية .1 وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: مسجدي هذا ومسجد الحرام ومسجد الأقصى».
وهناك المزيد من الآيات البينات والأحاديث النبوية الشريفة والوقائع والوثائق الإسلامية التي تؤكد الأهمية القدسية القصوى للقدس الشريف والمسجد الأقصى المبارك سنعود إليها في مقال آخر، ولكن كل ما جرى ويجري يدفعنا إلى دق ناقوس الخطر والتحذير من مغبة التمادي في السكوت على الضيم واللامبالاة في مواجهة أخطار التهويد والتعرض للمؤسسات، فالقدس الشريف يرزح تحت نير احتلال بغيض يهدف إلى طمس هويتها. والأقصى في خطر أكيد، وعلينا ان نحذر من ان تنفيذ المخطط الصهيوني وتهديد المسجد الأقصى المبارك سينجم عنه زلزال مدمر يجتاح العالم كله ويهدد الأمن والاستقرار ويشعل نيران حروب وفتن واضطرابات وأعمال عنف وإرهاب تطال الجميع ولن ينجو منها أحد. فمن ذا الذي يستعد لمواجهة هذا الزلزال الرهيب؟ ومن يعمل ويتحرك لمنع وقوعه؟ ومن الذي سيتصدى للجرائم الصهيونية؟
إنها أسئلة مشروعة تتطلب الإجابة عليها الكثير من الجهد والعمل والجهاد والجدية والحزم والحسم... فهل من مجيب؟ اللهم فاشهد إني قد بلغت!!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.