عطّاف يثني على الحركية اللافتة    مسابقة لتوظيف 500 طالب قاض    استراتيجية مستدامة لتعزيز الروابط    سيفي غريّب يدعو إلى التوجه نحو فصل جديد    صالون دولي للأشغال العمومية والمنشآت الطاقوية بالجنوب    استحداث علامة مؤسّسة متسارعة    مظاهرات 11 ديسمبر شكّلت منعطفا فاصلا    رفع العلم الوطني بساحة المقاومة    بيتكوفيتش يكشف أسلحته اليوم    حصحاص يدشن مرافق تربوية وصحية جديدة ببوفاريك    دربال يؤكّد أهمية تعدّد مصادر مياه الشرب    بوعمامة يشارك في اختتام ملتقى الإعلام الليبي    مسابقة لأحسن مُصدّر    الجزائر تُنسّق مع السلطات السعودية    الصحفي زياد صالح في ذمة الله    25 اتفاقا للارتقاء بالتعاون الجزائري - التونسي    7 اتفاقيات شراكة بين مؤسسات اقتصادية جزائرية - تونسية    التحضير لمنتدى رؤساء الدول والحكومات للآلية في فيفري 2026    هيئات سياسية وحقوقية مغربية تندد بتغول الفساد    حلول واقعية لتعزيز وجهة استثمارية واعدة    إدانة سياسة التعتيم الإعلامي للاحتلال المغربي في الصحراء الغربية    عرض "أحمد باي" في جانفي 2026    الأسبقية التاريخية للجزائر في تسجيل القفطان    تتويج "رُقْية" بالجائزة الكبرى    "محفظة التاريخ" لتخليد مظاهرات 11 ديسمبر    40 فائزًا في قرعة الحج بغليزان    مدوار يكشف حقيقة العروض    محرز ينافس بن زيمة ورونالدو    الاحتفاء بذكرى مظاهرات    مازة يتألق وينقذ ليفركوزن    توفير نظارات طبية للتلاميذ الأيتام والمعوزين    جهود لحماية التنوع البيئي بالشريعة    حجز "بيتزا" غير صالحة للاستهلاك البشري    الوالي يأمر بمضاعفة المجهودات وتسليم المشاريع في آجالها    هل يُقابل ميسي رونالدو في المونديال؟    بوعمامة في طرابلس    الاستغفار.. كنز من السماء    خيام النازحين تغرق في الأمطار    خُطوة تفصل الخضر عن المربّع الذهبي    الاستماع لمدير وكالة المواد الصيدلانية    إطلاق خدمة دفع إلكتروني آمنة من الخارج نحو الجزائر    سعيود يترأس اجتماعا تنسيقيا مع مختلف القطاعات    رئيس السلطة يعرض تصورا استباقيا    "ضرورة رفع كفاءة الأداء الإداري وتحسين تسيير المؤسسات التربوية"    مظاهرات 11 ديسمبر1960 بفج مزالة سابقا فرجيوة حاليا    إجماع وطني على قداسة التاريخ الجزائري ومرجعية بيان أول نوفمبر    رئيس الجمهورية يبعث برسالة تخليدا لهذه الذِّكرى المجيدة    الإطاحة بشبكة إجرامية من 3 أشخاص تزور العملة الوطنية    خنشلة : توقيف 03 أشخاص قاموا بسرقة    المنتخب الوطني يفوز على منتخب العراق 2- 0    فتاوى : اعتراض الأخ على خروج أخته المتزوجة دون إذنه غير معتبر    صهيب الرومي .. البائع نفسه ابتغاء مرضاة الله    هل الشعر ديوان العرب..؟!    المنتخب الجزائري يحسم تأهله إلى ربع نهائي كأس العرب بعد فوزه على العراق    نحن بحاجة إلى الطب النبيل لا إلى الطب البديل..    المسؤولية بين التكليف والتشريف..؟!    إجراء قرعة حصّة 2000 دفتر حج    إجراء القرعة الخاصة بحصة 2000 دفتر حجّ إضافية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



التجّار والحرفيّون والموظّفون في ركب الثّورة

بعد ستّين عاما، يتذكّر الشعب الجزائري إضراب الثمانية أيام، الذي امتد من 28 جانفى إلى 04 فيفري 1957، باعتباره إحدى المحطات المبرّزة في تاريخ ثورته المجيدة، حيث استجابت مختلف شرائح الشعب من عمال وتجار وفلاحين وموظفين وطلبة للإضراب الذي دعت إليه جبهة التحرير الوطني، ليبرز في هذا السياق دور التجار والحرفيين الجزائريين إبّان الثورة التحريرية ومساندتهم المطلقة لها.
قد جاء قرار شنّ هذا الإضراب تطبيقا لقرارات مؤتمر الصومام في 20 أوت 1956، التي أكّدت مخرجاته على ضرورة تصعيد العمل الثوري وإشراك كافة مكوّنات المجتمع. وضمن هذا السياق اجتمع بالجزائر العاصمة أعضاء من لجنة التنسيق والتنفيذ المنبثقة عن ذات المؤتمر، وبعد مناقشة موضوع الإضراب من جميع جوانبه، اتفق كل من عبّان رمضان ومحمد العربي بن مهيدي وبن يوسف بن خدّة على حتمية القيام بهذا الإضراب الشعبي عبر كامل التراب الوطني، ابتداء من 28 جانفي 1957.
وقد تقرّرت هذه الخطوة الحاسمة في وقت كانت الثورة التحريرية في أمسّ الحاجة إلى هَبَّة شعبية تكذّب مزاعم الاحتلال وادعاءات ضباطه وقادته، وبأنّ هذا (التمرّد تقوده مجموعة من الخارجين عن القانون الذين لا صلة لهم بالشعب الذي تبرّأ منهم ومن أعمالهم)! حسب زعمهم وفي زمن ارتفعت فيه وتيرة القمع المنظم والتقتيل المقنّن والتعذيب الممنهج، ومحاصرة القوّة الفرنسية للثورة وازدياد حرصها الشديد للقضاء على هذه الملحمة، والابقاء على (الجزائر فرنسية) من قِبل حكومة غي موليه.
وقد تجلّت السياسة الإجرامية الفرنسية في هذا المجال في تكثيف عملياتها العسكرية ، والرفع من حجم قوّاتها بالجزائر، والاستغاثة بقوات وخبرات الحلف الأطلسي، وإنشاء المحتشدات والمناطق المحرّمة وتطويق المدن والقرى والمداشر..
وممّا زاد في الهيستيريا الفرنسية إقدامها على عملية اختطاف طائرة الزعماء الجزائريين الخمسة (أحمد بن بلة، حسين آيت أحمد، محمد بوضياف، رابح بيطاط، محمد خيضر) بالإضافة إلى الصحفي مصطفى الأشرف في 22 أكتوبر 1956، والتي تُعدّ أول قرصنة جوية في التاريخ.
كما جاء إضراب الثمانية أيام في أجواء الانتصارات الدبلوماسية التي حقّقتها الثورة في عديد المحافل الدولية، ولعل أبرزها مشاركة الجزائر بوفد هام ضمن مؤتمر باندونغ بأندونيسيا في أفريل 1955، والعمل على تسجيل القضية الجزائرية ضمن أشغال الجمعية العامة لهيئة الأمم المتحدة في أواخر عام 1955، ممّا أدّى حينذاك إلى انسحاب الوفد الفرنسي من الجلسة!
ومع اقتراب موعده تم توزيع مناشير تحوي نداء الإضراب، وتحدّد تاريخ بدايته ونهايته، مع توجيه نداءات متواصلة عبر أثير الإذاعة السرية (صوت الجزائر الحرّة المكافحة) وتمّ تشكيل لجان مدنية خاصة على مستوى المدن والنواحي والقسمات والأحياء، إلى جانب إعلام المواطنين بضرورة التزوّد بالمؤونة ومختلف المواد الغذائية والأدوية، وما يحتاجون إليه طيلة أيّام الإضراب، كما تمّت مساعدة المحتاجين والفقراء منهم.
وقد مكث الجزائريون طيلة تلك الأيام في بيوتهم، وتوقّفت نشاطاتهم في مختلف المحلات التجارية التي أُغلقت بإحكام، وتراجعت عمليات البيع والشراء في الأسواق والعمل في الحقول والمصانع والإدارات، كمصالح البريد والسكك الحديدية..وامتنع التلاميذ والطلبة عن التوجه إلى المؤسسات التربوية، حيث أضحت المدن الجزائرية شبه ميّتة.
وكتب مراسل وكالة الأنباء العالمية «أسوشيتد براس الأمريكية» يومذاك بالجزائر يقول: «إنّي لم أر في حياتي مدينة يخيّم عليها شبح الموت في وضح النهار كمثال القصبة في إقفار شوارعها ورهبة السكون العميق النازل على دورها، كأنّ سكانها في سبات عميق»، وقد قدّرت الصحافة الأجنبية من خلال مراسليها المعتمدين بالجزائر آنذاك نسبة الاستجابة للإضراب ب 90 %.
وقد كان رد فعل الإدارة العسكرية للاحتلال عنيفا حيال هذا الإضراب الشعبي الناجح، من خلال العديد من الأساليب الوحشية والأعمال الهمجية، ومن ذلك مداهمة البيوت ليلا ونهارا وفتح المتاجر والمحلات بالقوة وتكسير أقفال أبوابها عنوة واستباحتها؛ بسرقة محتوياتها بأمر من الجنرال السفاح ماسو، كما عمد العدو إلى طبع وتوزيع منشورات مزيّفة باسم جبهة التحرير الوطني تدعو الشعب لعدم الوقوع في فخ الاستعمار وتحذره من الاستجابة لنداء الإضراب!
وبعد ثلاثة أيام من الإضراب كتبت صحيفة «لوموند» الفرنسية، في عددها الصادر بتاريخ 31 جانفي 1957: «بمجرّد طلوع النهار استأنفت القوات الفرنسية عملية تكسير المتاجر، وشرعت الدوريات في إعطاء الأوامر إلى العمال للالتحاق بأعمالهم ، وإلا فإنهم سيتعرّضون للعقوبات بالسجن ..إن الجزائر في هذا اليوم ظلت صامتة ، واختفى منها سكانها المسلمون»، يضيف صاحب المقال .
كما أنشأت إدارة الاحتلال إذاعة مزيّفة أطلقت عليها «صوت الجزائر الحرّة المجاهدة» منتحلة إذاعة «صوت الجزائر الحرّة المكافحة» . وقد أذاعت من خلالها مجموعة من البرامج وبثّت البيانات المزيّفة المضللة والمضادة لجيش وجبهة التحرير الوطني، للعدول عن الإضراب وتوقيف مساره، ولتؤكّد افتراء على أن هذا الإضراب مؤامرة ومناورة استعمارية يجب التصدّي لها! وهذا بإيقافه، إلى جانب قيام طائرات العدو بإلقاء المناشير التي تدعو الشعب إلى عدم الاستجابة للإضراب، بعد أن لقي صدى واسعا لدى وسائل الإعلام العالمية (المكتوبة والمسموعة والمرئية).
لكن هذه المحاولات وغيرها باءت بالفشل، فحقق الإضراب أهدافه وسجّل نجاحا باهرا كما خُطّط له، حيث بيّن مدى التفاف الشعب الجزائري حول ثورته وقيادته الموحّدة لتحقيق الاستقلال، وقد كانت هذه الاستجابة ضربة قاصمة لدعاة (الجزائر فرنسية)، كما اعتبر المحللون أن هذا الإضراب الشعبي العارم كان عبارة عن صك أبيض يقدّمه الشعب لممثليه الشرعيين، واستفتاء عبّر من خلاله المواطنون عن تمسّكهم بمطالبهم المشروعة وثقتهم في جبهة وجيش التحرير الوطني ممثلا شرعيا ووحيدا لهم. كما ترك الإضراب صدى دوليا واسعا، كان بمثابة الانتصار السياسي المدوّي، الذي أعقبه بعد ذلك الانتصار النّهائي على العدو، وخروجه من أرض الأجداد والآباء، مذموما غير مأسوف عليه في 05 جويلية 1962.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.