وجه المصابون بمرض "الفنيل سيتونوري" وهو أخطر مرض نادر يصيب كبد ومعدة الإنسان عند الولادة صرخة استغاثة لإنقاذهم من الموت والإعاقة، بعدما أقدمت الوزارة على منع استيراد الطعام الخاص بهم والذي لا يمكنهم العيش دونه، فضلا عن غلاء هذا الغذاء الذي يكلف الطفل الواحد 60 مليون سنويا، ما جعل أغلب العائلات تعجز عن توفيره لأبنائها الذين مات بعضهم وتعرض البعض الآخر للإعاقة والتشوهات الخلقية.. الشروق استضافت هذه الشريحة ووقفت على معاناتهم ومعركتهم اليومية مع الطعام الذي يجب أن يكون خاليا من الأحماض الأمينية فهم محرومون منه.. أطفال "الفنيل سيتونوري" يصرخون بعيون دامعة: أعطونا غطائنا فنحن نموت ببطئ سألتنها" هل تشتهين وجبة معينة؟".. بقيت صامتة لدقائق، كانت عينها تمتلئ تدريجيا بالدموع، حتى انغمرت أخيرا وسالت على خديها.. ليس الفقر من يحرمها من الأكل، بل هو سجن اسمه" الفنيل سيتونوري"!.. إنها طفلة في الثالثة عشر تقريبا اسمها آية لزول، مصابه بهذه المرض النادر نتيجة نقص أنزيم من الإنزيمات وهو وراثي يعجز جسم الطفل عن تكسير مادة الأحماض الامينية وهي الجزء الأساسي في تكوين مادة البروتين. والذي جعل مرض" الفنيل سيتونوري"، بمثابة القيد والسجن الذي يحد حرية أكل ما تريد آية، هو فرض حمية مدى الحياة، يؤدي عكسها إلى إعاقة جسمية أو عقلية. ردت آية على سؤالنا، غالبت فيه صوتها الذي ابدي أن يخرج، من شدة الثقل الجاثم على صدرها، جراء تراكمات الآلام وكبت الحرمان من تذوق بحرية ما تشتهيه النفس التواقة لأنواع الطعام وبعفوية طفولية، وفضول التلذذ خاصة من شكولاطة وحلويات اشتهي "شكشوكة أمي" وصمدت فجأة كأنها لم تعد تستطيع مقاولة صوتها المبحوح. آية ليست وحدها، هي طفلة من أطفال كثر حبسه مرض "الفنيل سيتونوري"، في سجن الحمية مدى الحياة، جاءت هي وسامي مشري، وآمنة، وسامي طفل آخر في لم يتعد الست سنوات، إلى مقر الشروق، برفقة والدتها، وأولياء مرافقيها ورئيسة الجمعية الوطنية لمرضى "الفنيل سيتونوري"، لتعبر كما يعبرون، عن فئة من أطفال لا يعرفون حرية التلذذ بالأكل. آمنة دراري، شابة بدأت دراستها في الجامعة واختارت تخصص بيولوجي، حتى تكون واحدة من اللذين يبحثون عن حلولا ترفع معاناة أطفال"الفنيل سيتونورري".. معاناة مع نقص الطعام الخاص بهم والذي يراع فيه كمية البروتين، والذي يتناسب مع تخفيض نسبة الحمض الاميني "فنيل الأنين".. معاناة أيضا مع أسعار هذه الأطعمة، تقول" أنا لم أذق الكثير من الأطعمة لأن والدتي كانت قد عرفت هذا المرض من أختي التي راحت ضحية تأخر التشخيص، لكني سوف أناضل من اجل أطفال أصيبوا بمثله، وهم مسجونون في حمية إلى آخر حياتهم". سامي الطفل الصغير والذي لم يكف عن الحركة وهو يتطلع إلى العالم حوله بعيون جميلة، حيث يبدو لك من أول وهلة، وكأنه يتمتع بصحة كاملة، لكن سرعان ما لاحت حالة الانكسار النفسي في حدقتيه، عندما نزل عليه سؤالنا "ماذا تشتهي يا سامي؟"، فكان رده باردا" حلوة، وشكولاطة". أما سامي مشري الذي كان رفقة والده، فلم يبال بسؤالنا، وفضل أن ينشغل بلعبة الكترونية على هاتف محمول..لكن الصمت أحيانا يحمل الكثير من الحرمان الذي ليس له وصف يوصف.. حيث قال والده إنه تذوق البيض وتذوق أطعمة كثيرة ثم حرم منها فجأة بعد أن شخص مرضه في مرحلة متأخرة. وقالت والدته "سامي عذبني معه لأنه عرف ذوق الأطعمة.. راح يبكي طويلا ذات يوم وبدون توقف وحرمته من البيض بجهد جهيد.. كانت جمرة تحرق في صدري..ذهب إلى الفراش واختفى تحت الغطاء" وأضافت مستطردة" تصوروا كم كانت الألم جسيما عندما سمعته أنا ووالده يتحدث مع نفسي ويقول "سامي لم يأكل البيض .. سامي لم يأكل البيض". نعم.. هي معاناة من نوع خاص، تعانيها فئة من الأطفال في الجزائر والذي يستوجب عليهم اتباع حمية غذائية خاصة للآخر حياتهم، وعلى الأمهات أن يتولين مهمة إضافية في التربية.. مراقبة ومتابعة دائمة ووزن الطعام بصفة دقيقة.. ووسط القائمة الطويلة من الممنوعات، لابد للسلطات الجزائرية وانطلاقا من وزارة الصحة أولا، أن توفر على الأقل وحسب آية وسامي وآمنة" الفرينة والعجائن" الخاصة بمرضهم. رئيسة الجمعية الوطنية لمرضى الفينيسيتونوريا الأطباء يرفضون إجراء التحاليل عند الولادة ما يعرض الأطفال للإعاقة كشفت رئيسة الجمعية الوطنية لمرضى الفينيسيتونوريا، مشري صبرينة، خلال نزولها ضيفة على منتدى "الشروق"، طبيعة هذا المرض الذي يظل غامضا بالنسبة للكثير من العائلات ولا يشخصه الأطباء في بداية الإصابة به، فهو مرض وراثي نادر يصيب الكبد، حيث يفقد الجسم خلال عملية الأيض القدرة على تكسير الحمض الأميني فينيل ألالين، وهو ما يؤدي لتراكمه على مستوى الدم والدماغ وهو ما قد يحدث لدى المريض تأخر عقلي وحركي. وأكدت رئيسة الجمعية بأن المرض موجود في الدفتر الصحي وهناك تحاليل خاصة به تسهل التعرف عليه بعد 3 أيام الى أسبوع من الولادة، فالتشخيص المبكر يجعل والدي الطفل يتبعون حمية غذائية صارمة حتى حليب الأم يمنع عليه ويمنح له حليب خالي من حمض فينيل ألالين، وعندما يصل لمرحلة تناول الطعام تمنع عليه جميع المأكولات التي تحتوي على البروتينات مثل اللحم، البيض، السمك، الجبن، الحليب، العجائن، الخبز. وتقول رئيسة الجمعية أن الطعام المسموح لهم بتناوله أساسا الخضر والفواكه فقط بحصص محددة ومعينة فتستعمل العائلات الميزان في تقسيمها، وعندما يكون حمض فينيل ألالين مرتفعا تمنع عليهم هذه المأكولات أيضا لكن الإشكال يظل كامنا لدى العائلات المقيمة في القرى والمداشر التي لا تجيد حساب الغذاء ووزن الطعام بل وقد لا تملك حتى الميزان، مضيفة أن هناك وجبات خاصة بهم جميعها مستوردة منها العجائن، الفرينة، البيض، الحليب، البسكويت لكنها باهظة الثمن جدا وما صدمهم هو إقدام وزارة التجارة مؤخرا على حضر استيرادها بالرغم من كونها موجهة لفئة المرضى. وحملت محدثتنا المستشفيات مسؤولية فقدان عشرات المصابن بالمرض القدرة على الكلام والحركة لتماطلها في تشخيص المرض وإجراء التحاليل مباشرة بعد ولادة الطفل، فلو تم الأمر مباشرة عند الولادة لكان من الأفضل حيث يمكن إنقاذ الطفل وتجنيب الدولة الخسائر الكبيرة والفحوصات الطبية المتكررة الباهظة الثمن. والد طفل مصاب بمرض الفينيسيتونوريا الوزارة جوعت أطفالنا تحدث المكلف بالإعلام في الجمعية الوطنية لمرضى الفينيسيتونوريا، عجوج محمد، عن رحلته مع مرض ابنه "سامي" فقد كان الطفل في عمر السنيتين عندما لاحظوا أنه مختلف على الأطفال الآخرين لا يتكلم لا يتواصل مع المحيطين به، وتم تشخيص مرضه على أنه التوحد وظل يخضع للعلاج لمدة 4 سنوات، غير أن العائلة لم تتقبل فكرة إصابة ولدها بالتوحد فظلوا يبحثون ويعرضونه على المختصين حتى بلوغه سن 6 سنوات ونصف، عندما تواصلوا مع أحد الأطباء وقد نصهم بإجراء بعض التحاليل الخاصة بالأمراض النادرة ليتضح لهم أنه مصاب بمرض الفينيسيتونوريا لتبدأ رحلة العلاج الثانية. واستغرب الوالد عدم تمكن بعض الأطباء من تشخيص هذا المرض بالرغم من كون أعراضه ظاهرة للعيان فلون بشرة المصاب بيضاء ناصعة بشكل غير طبيعي وشعره أصفر وعيناه زرقاوين، وسر لون بشرته يعود لتراكم نسبة كبيرة من البروتينات في الجسم، ويستطرد الوالد وبعد الشروع في الحمية تغيرت ملامح الطفل فقد أصبح شعره أسودا ولون بشرته طبيعي كما بدا يتحدث قليلا ويتواصل مع المحيطين به ويفهم كلامهم، وهو الآن في عمر 8 سنوات لكنه لايزال غير قادر على النطق الجيد بسبب تأخر التشخيص لكنه سيتحسن حسب ما قالته لهم المختصة في الأرطفونيا. وسرد والد سامي تفاصيل معاناته لتوفير الطعام الخاص بفلذة كبده فهو يلجأ لمعارفه حتى يجلبوا له كميات من تونس، العمرة، فرنسا، وزيادة على عدم توافره فهو باهظ الثمن فسعر علبة من العجائن "معكرونة" بحجم 500 غرام هو 2000 دج لا يؤمن سوى احتياجات يوم واحد للطفل المريض، أما علبة فرينة بوزن 500 غرام يجلبونها من تونس 6000 دج وواصل الوالد بأنهم لايطالبون بوجبات الرفاهية لأبنائهم كالبسكويت، الشكولاطة، السمك واللحم المخصصة لهذه الفئة بل فقط الفرينة والعجائن والحليب. فمصاريف الطعام تصل شهريا ل 200 أورو ناهيك عن مصاريف الطبيب والمختصة في الأرطفونيا. وذكر عجوج محمد معاناة أخرى لهذه الفئة مع التمدرس فبعض الأطفال ممن يعانون صعوبات في النطق لا يتم قبولهم في المدارس، فأحيانا تخصص لهم مديرية النشاط الإجتماعي معلمين لكنهم غير مكونين ولا يملكون أي معلومات حول طريقة التعامل مع هذه الفئة، وهناك إشكالية أخرى تواجههم تكمن في رفض المعلمين مراقبتهم حتى لا يتناولوا طعام زملائهم وفي الغالب لا يعثر الأهل عن بديل للمجة التي تقدم للأطفال العاديين. وعاد المكلف بالإعلام في الجمعية للحديث عن أصعب مشكلة تواجهها عائلات المرضى والمتمثلة في منع المواد الغذائية الموجهة إليهم من الاستيراد فهناك عائلات لديها 3 و4 مصابين وهي عاجزة عن تأمين ما يحتاجه أبنائها، وهو ما جعلهم يخوضون رحلة ماراطونية محاولين إعلام المسؤولين بدءا من مجلس الأمة ووزارة الصحة لكن بدون جدوى، وهو ما دفعهم للاحتجاج في الأسبوع الأخير من شهر ديسمبر رفقة أبنائهم أمام مقر الوزارة. والدة "أمينة" و"إلهام" عانيت كثيرا ولم تكن الإمكانات متوفرة استهلت الأم ذوراري حورية، قصتها والدموع تختنقها وهي الأم لطفلتين مصابتين بالمرض الأولى إلهام ففي عمر 4 أشهر لاحظت أنها لا تتواصل معها، فبدأت في البحث عن علاج لها وعندما أكملت سنتين استطاعت طبيبة فرنسية تشخيصه، لتبدأ الأم حمية باعتماد الذرة، ماء الجزر والأرز فقط لتتحسن حالتها وهي اليوم تبلغ من العمر 32 سنة، ليشاء القدر أن تنجب الأم طفلة أخرى "أمينة" وبعد ثلاثة أيام حملتها والدتها النفساء في الحافلة وتوجهت لمستشفى مصطفى باشا لإجراء التحاليل لها، وبالرغم من معارضة الأطباء لكنها أصرت لتصدم لما علمت أن "أمينة" مصابة بالمرض أيضا، لكنها لم تفقد الأمل وساعدها كثيرا الأطباء في مستشفى بني مسوس والصيدلي موهوب سليم لتكبر أمينة وتحصل على شهادة البكالوريا وهي اليوم طالبة في البيولوجيا. والدة الطفلة "آية" ابنتي الكبرى أصبحت معاقة لغياب التشخيص والغذاء لا تختلف الصعوبات التي واجهتها أم الطفلة "آية" السيدة لزول آمال عن معاناة سابقاتها، فقد ولدت طفلتها الأولى وحصلت على رضاعة طبيعية كاملة لمدة 3 سنوات، لكن حالتها الصحية ظلت تتراجع وتتدهور وفي سن 4 سنوات عندما خضعت لتصوير الدماغ وجده الأطباء محترقا بالكامل، ثم نصحتها الأخصائية النفسية بإجراء تحاليل للأمراض النادرة ليتبين فيما بعد أنها مصابة بمرض الفينيسيتينوريا، وبدأت في جلسات إعادة التأهيل الحركي حتى سن 7 سنوات استطاعت السير قليلا وهي تبلغ من اليوم 18 عاما معاقة بنسبة 100 بالمائة. تواصل المحدثة سرد قصتها بعدها ولدت "آية" وأصرت الأم على القيام بالتحليل لتكون النتيجة إيجابية فسقطت أرضا، بعدها تمالكت نفسها وبدأت في إتباع حمية لابنتها وتقول الوالدة بأن أول ما يمكن ملاحظته بالإضافة لملامح الطفل رائحة بوله المختلفة، وعن تأمين الطعام أطلعتنا محدثتنا عن لجوئها لأقاربها في الخارج لكن المشكل في طريقة إدخالها للجزائر، مردفة بأن بعض العائلات اضطرت لبيع كل ممتلكاتها والسفر للخارج لإنقاذ أبنائها فهناك جمعيات تتكفل بهم، وهناك أمهات طلقهم أزواجهم لعدم تقبلهم المرض .