برنامج الجزائر الجديدة في حاجة إلى المؤمنين بالمشروع الوطني    دور كبير للصّحافة الوطنية في مواجهة الهجمات المغرضة    تقدير دعم الجزائر لحل سياسي يحفظ لليبيا وحدتها وسيادتها    الجمعية البرلمانية لحلف شمال الأطلسي: وفد برلماني يشارك بروما في منتدى المجموعة الخاصة بالمتوسط والشرق الأوسط    المديرية العامة للاتصال بالرئاسة تعزي في وفاة المراسل عبد الحليم عتيق    «عدل 3»..برنامج ضخم بأسعار مدروسة    الفلاحة.. طريق مفتوح نحو الاكتفاء الذاتي    تقدير لجهود الجزائر في توطين الصّيرفة الإسلامية    النّخبة الوطنية تحصد6 ميداليات في اليوم الخامس    بعد رواج عودته الى ليستر سيتي: إشاعات .. وكيل أعمال محرز يحسم مستقبله مع الأهلي السعودي    دورة الجزائر الدّولية للدراجات ستحمل طابع العالمية    الجولة 24 من الرابطة الثانية "هواة": أكبر المستفيدين في "معركة" البقاء.. عين مليلة تؤجل الصعود الرسمي لآقبو و"البوبية" تعقد مأمورية "بونة"    الحماية المدنية..يقظة وتأهّب دائم للإنقاذ والتّدخّل    طريق السلام يمرّ عبر تطبيق الشرعية الدولية    إقبال واسع على معرض المنتجات الجزائرية بنواكشوط    غيريرو يغيب عن إيّاب رابطة أبطال أوروبا    عرقاب يستقبل وفداً    من ظاهرة النصب والاحتيال عبر الأنترنت الدرك الوطني يحذّر..    رئيس الجمهورية يُقرّر التّكفّل بالفنّانة بهية راشدي    ثلاث ملاحم خالدة في الذّاكرة الوطنية    جمعية العلماء المسلمين الجزائريين تنظم لقاءً    على الجميع الالتزام بالمرجعية الدّينية الوطنية    المجلس الشعبي الوطني : يوم برلماني حول "واقع سياسة التشغيل في الجزائر"    تربية المائيات : الوزارة تدعو الراغبين في الاستفادة من تحفيزات قانون المالية 2024 الى التقرب من مصالحها    الجزائر-قطر : اتفاق على فتح مجالات تعاون جديدة    يخترع مبررات دائمة لاستمرار العدوان وتوسيع دائرة الصراع .. هنية يتهم نتنياهو ب"تخريب جهود الهدنة"    الأيام السينمائية الدولية بسطيف: 21 فيلما قصيرا يتنافس على جائزة "السنبلة الذهبية"    بموجب مرسوم تنفيذي : إنشاء القطاع المحفوظ للمدينة العتيقة لمازونة بولاية غليزان وتعيين حدوده    جيجل: إعادة فتح حركة المرور بجسر وادي كيسير بعد إصلاحه    جيدو/الجائزة الكبرى لدوشانبي: ميدالية برونزية للمصارعة الجزائرية أمينة بلقاضي    "معركة الجزائر" تشحذ همم الطلبة الأمريكيين للتنديد بالعدوان الصهيوني على غزة    القمة ال15 لمنظمة التعاون الاسلامي ببانجول : الوزير الأول يلتقي برئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي    بلمهدي يشرف على يوم تكويني لفائدة المرشدين الدينيين المعنيين ببعثة حج 2024    التوعية بمخاطر الأنترنت تتطلب إدراك أبعادها    المرافقة النفسية لعدم العودة إلى الإجرام    السيد بلمهدي يشرف على يوم تكويني لفائدة المرشدين الدينيين المعنيين ببعثة حج 2024    النص الكامل لكلمة رئيس الجمهورية خلال أشغال القمة الإسلامية (15) لمنظمة التعاون الإسلامي    فلسطين: ارتفاع حصيلة الشهداء جراء العدوان الصهيوني على غزة إلى 34 ألفا و683    الصحة العالمية: هجوم الكيان الصهيوني على رفح قد يؤدي إلى "حمام دم"    حماية الطفولة: السيدة مريم شرفي تستقبل من قبل وزير المصالح الاجتماعية بكيبك    البكالوريا.. العدّ التنازلي    الجزائر تستنفر العالم حول المقابر الجماعية بغزّة    إجراءات للوقاية من الحرائق بعنابة: تزويد محافظات الغابات في الشرق بطائرات "الدرون"    ميلة: قافلة طبية لعلاج المرضى بسيدي مروان    رئيس الجمهورية يهنئ نادي فتيات أقبو    المعالم الأثرية محور اهتمام المنتخبين    عزلة تنموية تحاصر سكان مشتة واد القصب بتبسة    أول وفد لرياضيينا سيتنقل يوم 20 جويلية إلى باريس    النزاع المسلح في السودان.. 6.7 مليون نازح    اقترح عليه زيارة فجائية: برلماني يعري فضائح الصحة بقسنطينة أمام وزير القطاع    البروفيسور الزين يتوقف عند "التأويلية القانونية"    الالتقاء بأرباب الخزائن ضمانا للحماية    الشريعة الإسلامية كانت سباقة أتاحت حرية التعبير    برنامج مشترك بين وزارة الصحة والمنظمة العالمية للصحة    إذا بلغت الآجال منتهاها فإما إلى جنة وإما إلى نار    "الحق من ربك فلا تكن من الممترين"    «إن الحلال بيِّن وإن الحرام بيِّن…»    القابض على دينه وقت الفتن كالقابض على الجمر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عواصف "أنفلونزا الخنازير و كورونا" مرّت بردا وسلاما على الحجاج والمعتمرين
للبيت وزوّاره ربّ يحميهم من مختلف الأمراض العالمية
نشر في الشروق اليومي يوم 23 - 05 - 2013

قبل كل موسم حج أو عمرة مرتبطة بشهر الصيام أو المولد النبوي الشريف، تهبّ عاصفة إعلامية من التخويف والترهيب من السفر إلى بيت الله الحرام، عبر ذكر إحصائيات الموت، ومجموعة من الأمراض الخطيرة والمُعدية التي أبادت المئات من البشر في مناطق مختلفة في العالم، في محاولة لكبح جماح الطامعين في زيارة المقدسات.

وفي كل المواسم تمرّ العاصفة بردا وسلاما على الحجيج، ضمن الدعاء الخالد الذي ترجّى فيه الخليل إبراهيم عليه الصلاة والسلام ربه بأن يجعل البلد آمنا، والتاريخ يشهد أن سيول مطر عرفتها البقاع المقدسة وحرارة قياسية ضربت المنطقة، ولكنها لم تعرف أبدا انتشارا للأمراض المعدية والفتاكة، خاصة في السنوات الأخيرة عندما انتشرت الأمراض المُعدية في شرق آسيا خلال العشر سنوات الأخيرة منذ أن ظهر مرض السارس الذي ضرب الصين وما جاورها في ربيع 2003 ومرورا بأنفلونزا الطيور وأنفلونزا الخنازير إلى فيروس كورونا الذي طرق أبواب منطقة الحجاز في الأسابيع الأخيرة، وأثار الهلع الإعلامي والصحي، ولكنه سيبقى لا حدث بالنسبة إلى الشغوفين لأجل السفر إلى البقاع المقدسة، الذين لا يلتفتون أبدا إلى أخبار الأمراض والأوبئة، وفي أسوإ الأحوال يتحدونها ومنهم من يرحب بها في بيت الله الحرام ويرحب حتى بتداعياتها القاتلة.
وما يحدث في موسم مناسك العمرة في شهر رمضان وموسم الحج هو معجزة طبية بكل المقاييس، حيث يجتمع أكثر من ثلاثة ملايين نسمة من كل الجنسيات والأعراق في مكان واحد، يتبادلون الزفير والشهيق، ويحتكون في وقفة على جبل واحد، ويتلامسون في طواف واحد وسعي واحد، بين الصفا والمروة، ولا يصابون بأي مرض جلدي أو مرض معد. وكل الأمراض التي يصاب بها الحجاج إنما تم استقدامها من بلدانهم الأصلية خاصة الأمراض المزمنة. ورغم أن ديوان العمرة في الجزائر يحاول ظاهريا أن يبدو مسايرا للاحتياطات الصحية التي تنتهجها غالبية الدول من خلال وضع قرابة ثلاثين مرضا بين بدني وعقلي تُسقط فريضة الحج عن طالبها، إلا أن السنوات الأخيرة أبانت توجه العشرات من الحجاج ممن هم مصابون بأمراض خطيرة وحتى عقلية إلى البقاع المقدسة، وهو ما جعل رقم الموتى من الحجاج الجزائريين يرتفع من سنة إلى أخرى، وجميعهم سافروا بأمراضهم الخطيرة، رغم أن الموت يدرك الإنسان أينما كان، ولو في بروج مشيدة أو في مدينة الرسول- صلى الله عليه وسلم- ومكة المكرمة، ناهيك عن أن تواجد ثلاثة ملايين نسمة هو أشبه ببلد قائم بذاته في الحياة وأيضا الموت، لكن ما يُجمع عليه الحجاج وأيضا أهل مكة والمدينة هو عدم تمكن مختلف الأمراض العالمية من زعزعة منظومة الأمان الربانية التي منحها الله لأطهر الأماكن.
وتبقى الأمراض التي يمكن أن صيب زوار بيت الله، أمراضا عابرة أو ناتجة عن عدم الاحتياط من تغيير المناخ إلى الإفراط في الجهد، وأخطر الأمراض على الإطلاق التي كانت تصيب الحجاج في العقود الماضية، وتعرّض حياتهم لخطر الموت هي التهاب السحايا التي تنتقل من شخص إلى آخر عبر الجراثيم، وكان غالبية الذين ينقلون المرض إلى البقاع المقدسة من الحجاج والمعتمرين القادمين من إفريقيا الاستوائية بالخصوص، ولكن نظام التطعيم المفروض حاليا على كل الحجاج والمعتمرين نسف المرض نهائيا.
وبقيت الأمراض العابرة أو تفاقم الأمراض المزمنة هي التي تُحرج زوار بيت الله، ولكن الأمراض النفسية انقرضت نهائيا، حيث يبدو الجميع في كامل قواهم العقلية، وأصبح الحج دواء نفسيا للمعقدين والمنطوين على أنفسهم، إضافة إلى أنه دواء اجتماعي يبني الكثير من العلاقات الاجتماعية الجديدة ويرمم ما أفسده الدهر بين الأهل والجيران، وحتى ما بين الدول التي انقطعت العلاقات بين حكوماتها. وبالرغم من أن الحج هو دولة قائمة بذاتها، تقام غالبا في ظروف مناخية شبه مستحيلة تحت درجة حرارة تقارب أو تفوق الخمسين درجة مئوية إلا أن عدد الصيدليات والعيادات والمستشفيات في مكة والمدينة ليس كبيرا بحجم الملايين من هؤلاء الزائرين.
وعلى مدار عشر سنوات منذ أن ظهر مرض السارس، وفتك بالعباد في الصين، ظهر عدد من الحجاج الآسياويين من أندونيسيين وهنود وهم يرتدون الكمامات وقاية من تبادل الزفرات، وما زالت هذه الواقيات مُشاهدة إلى حد الآن، لكن أكثر من تسعين بالمئة من المعتمرين والحجاج لا يأخذون أي احتياط، فبمجرد أن يشاهدوا المسجد النبوي أو الكعبة الشريفة حتى يشعروا بالراحة وينسوا كل الوساوس والأمراض، ويصبح همّهم الوحيد هو الصلاة والدعاء والطواف والسعي وشرب ماء زمزم. ويروي تاريخ فجر الإسلام محنة صحية قاسية ألمّت بالمسلمين في عهد الخليفة الثاني الراشد عمر بن الخطاب فقضت على المئات من الصحابة وهي محنة طاعون عمواس، ولكن بعيدا عن عاصمة الخلافة المدينة المنورة ومكة المكرمة، فسافر الخليفة عمر لتقصي حال الأمة في عمواس، فاستقبله الصحابي أمين الأمة أبو عبيدة بن الجراح، فغادر الفاروق المكان بعد أن علم بأن الطاعون لا يُبقي ولا يذر فقال له البعض: "أهارب من قضاء الله يا عمر؟" فردّ بحكمة: "نعم من قضاء الله ولكن إلى قضاء الله"، ولم يضع الطاعون سلاحه إلا بعد أن فتك بالكثير من الصحابة ومن حفظة القرآن الكريم ومنهم الصحابي الجليل أبو عبيدة بن الجراح، ولجأ الكثير من الصحابة هروبا من الطاعون إلى مكة والمدينة فحمتهم، فكانا وما زالا وسيبقيان بلدين آمنين لا يمسسهما أي مرض.
ومكة المكرمة مرشحة لأن تصبح جنة سلم وسلام وصحة بعد ثلاث سنوات، حيث ستصبح المدينة الأكثر صداقة للبيئة بعد أن تُحمى نهائيا من التلوث، فهي إضافة إلى أنها مدينة من دون مصانع، فإنها ستفتح طرقاتها فقط لوسائل النقل النظيفة من ميتروهات وقاطرات كهربائية، فتمنح أجواء صحية لزائريها وتمنحهم مثلا يقتدى به وتبصم على أنها مدينة الأمان كما تمناها الخليل عليه السلام، وحتى الأطفال الذين يؤدون مع أوليائهم مناسك العمرة والحج مطالبون بتأكيد تطعيمهم من كافة الأمراض مثل الحصبة وشلل الأطفال، وهو ما يضعهم في حالة صحية جيدة طوال فترة إقامة شعائر الله.
والصلاة والصيام خلال شهر رمضان وفرائض الحج نفسها تمنح فسحة من الصحة ومن الوقاية للحاج والمعتمر، حيث إن ماء زمزم والغسيل الدائم والوضوء الذي يسبق الصلوات الخمس يمكّن المسلمين في البقاع المقدسة من تفادي الأمراض المتنقلة عبر المياه والمُعدية مثل التيفوئيد والكوليرا، وحتى التسممات الخفيفة بسبب الأكل والشرب شبه معدومة، في أكبر تجمع شعبي في العالم يجمع الأبيض بالأسود والمريض بالسليم والعجوز بالرضيع، وكل العيادات العالمية التي تقدم وصفات الصحة والعافية تكاد تنقل ما هو موجود في مناسك العمرة والحج من رياضة المشي والغسل والأكل بنظام.
ورغم أن الملايين من زوّار البقاع المقدسة هم من الذين بلغوا من العمر عتيا إلا أنهم يعودون في منتهى الشباب بعد حصص الهرولة في السعي بين الصفا والمروة والمداومة على التوجه إلى المسجدين النبوي والمكي في غسق الليل وقلب الفجر، والطمأنينة النفسية التي يشعر بها زائر هاته الأماكن الطاهرة من خلال الشعور بأداء الأمانة وبلوغ أحد أكبر الأهداف الدنيوية والأخروية إن لم يكن أكبرها على الإطلاق، وإذا كان الرسول قد طلب من المسلمين أن يصوموا ليصحوا، فإن الحج أو العمرة أيضا تمنحهم الصحة البدنية وخاصة النفسية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.