رئيس الجمهورية يجري محادثات ثنائية مع نظيره اللبناني بالقاعة الشرفية لمطار هواري بومدين الدولي    الوزير الأول يستقبل سفير باكستان بالجزائر    الألعاب الإفريقية المدرسية/الجزائر2025: ثلاثة اختصاصات في أدوار متقدمة من أجل احراز ميداليات في اليوم الثالث من المنافسات    تنظيم حملات نظافة واسعة النطاق عبر ولايات الوطن تحت شعار "صيفنا لمة وأمان"    الخارجية الفلسطينية تحذر من مخططات الاحتلال الصهيوني بشأن الضم التدريجي للقطاع    العدوان الصهيوني على غزة: استشهاد أكثر من 28 ألف امرأة وفتاة منذ بدء حرب الإبادة    ميلة: المركز الجامعي عبد الحفيظ بوالصوف يتعزز بتخصصين جديدين في طور الماستر    الألعاب الإفريقية المدرسية-2025: السباحة الجزائرية تحرز على خمس ميداليات منها ثلاث فضيات في نهائيات اليوم الاول    قناة أمريكية تسلط الضوء على آخر تطورات القضية الصحراوية    تواصل موجة الحر عبر عدة ولايات من جنوب البلاد    كرة القدم/شان-2024 /المؤجلة إلى 2025 : المنتخب الجزائري يواصل تحضيراته تحسبا لودية موريتانيا    حريق بمستشفى تمنراست: 3 وفيات و4 جرحى    الجزائر تسعى إلى بلوغ نظم غذائية مرنة، شاملة،صحية ومستدامة    التقارير القطاعية حول مكافحة تبييض الأموال في "غاية الأهمية"    ارتفاع حالات وفيات المجاعة وسوء التغذية في غزّة    تكثيف الجهود من أجل ضمان تعافي سوريا    ارتفاع حصيلة وفيات المجاعة إلى 147 فلسطينيا    رسميا.. تقاعد مسبق لمنتسبي سلك التعليم    وكالة "عدل" تردّ على استفسارات أصحاب الملفّات المرفوضة    500 مليون دولار في المرحلة الأولى لانجاز مشروع "بلدنا"    وزير الاتصال يعزّي في وفاة الصحفي والكاتب عبد المجيد كاوة    تفعيل الشراكة الجزائرية الأمريكية في شقّيها الأمني والاقتصادي    تفعيل كل الآليات لكشف عمليات تبييض الأموال وتمويل الإرهاب    تجربة سياحية متوازنة ب"لؤلؤة الزيبان"    المخالفات التجارية تتواصل وأعوان قمع الغش بالمرصاد    "سونلغاز" تضبط برنامجا خاصا    وفاة 3 أشخاص وإصابة 222 آخرين خلال ال24 ساعة الأخيرة    ببشار والبليدة : ضبط أزيد من قنطار من الكيف المعالج    استراتيجية شاملة لمكافحة جرائم التقليد والقرصنة    الروائي بوجدرة: الكتاب الممجدون للاستعمار "ظاهرة ظرفية" آيلة إلى الزوال    استقبل الدفعة الثالثة من الأئمة الموفدين إلى أكاديمية الأزهر .. بلمهدي يدعو إلى تمثيل الجزائر بما يليق بحضارتها وتراثها    أوبك+: لجنة المراقبة الوزارية تشيد بالتزام أغلب الدول باتفاق خفض الإنتاج    شان-2024 (المؤجلة إلى 2025) – تحضيرات : المنتخب المحلي يواجه موريتانيا وديا    مكافحة التقليد والقرصنة: توقيع اتفاقية بين المديرية العامة للأمن الوطني والديوان الوطني لحقوق المؤلف    اقتصاد المعرفة: السيد واضح يبرز بشنغهاي جهود الجزائر في مجال الرقمنة وتطوير الذكاء الاصطناعي    اختتام المهرجان المحلي للموسيقى والأغنية الوهرانية : تكريم الفائزين الثلاث الأوائل    جثمان الفقيد يوارى بمقبرة القطار.. بللو: سيد علي فتار ترك ارثا إبداعيا غنيا في مجال السينما والتلفزيون    تمتد إلى غاية 30 جويلية.. تظاهرة بانوراما مسرح بومرداس .. منصة للموهوبين والمبدعين    غوارديولا.. من صناعة النجوم إلى المدربين    وفود إفريقية تعبر عن ارتياحها لظروف الإقامة والتنظيم الجيد    إشادة بالحوار الاستراتيجي القائم بين الجزائر والولايات المتحدة    الوكالة تشرع في الرد على طلبات المكتتبين    العملية "تضع أسسا للدفع بالمناولة في مجال إنتاج قطع الغيار    الابتلاء.. رفعةٌ للدرجات وتبوُّؤ لمنازل الجنات    ثواب الاستغفار ومقدار مضاعفته    من أسماء الله الحسنى.. "الناصر، النصير"    عنابة تفتتح العرس بروح الوحدة والانتماء    لا يوجد خاسر..الجميع فائزون ولنصنع معا تاريخا جديدا    المخزن يستخدم الهجرة للضّغط السياسي    هدفنا تكوين فريق تنافسي ومشروعنا واحد    "المادة" في إقامة لوكارنو السينمائية    شبكة ولائية متخصصة في معالجة القدم السكري    منظمة الصحة العالمية تحذر من انتشار فيروس شيكونغونيا عالميا    وهران: افتتاح معرض الحرمين الدولي للحج والعمرة والسياحة    النمّام الصادق خائن والنمّام الكاذب أشد شرًا    إجراءات إلكترونية جديدة لمتابعة ملفات الاستيراد    استكمال الإطار التنظيمي لتطبيق جهاز الدولة    رموز الاستجابة السريعة ب58 ولاية لجمع الزكاة عبر "بريدي موب"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



خفايا الصندوق "الكولونيالي" الأسود في الجزائر
استشعار مارسه مستشرقون تحت غطاء "التثاقف والاستكشاف"
نشر في الشروق اليومي يوم 09 - 12 - 2014

شكّل الملتقى الدولي حول "الدكتور محمد بن شنب والإستشراق" المتواصل بحاضرة "المدية"، مناسبة لإماطة اللثام مجددا عن خفايا الصندوق الكولونيالية الأسود في الجزائر، عبر الذي مارسه مستشرقو فرنسا تحت غطاء "التثاقف والاستكشاف"، ولا تزال آثاره بادية، في صورة التنصير والمسخ الثقافي.
أفاد أ/"عبد الله ذراع" إنّ الاستشراق انتشر في الجزائر منذ بدايات الاحتلال الفرنسي عام 1830، اعتبارا لأهميتها التاريخية والثقافية والجغرافية كبوابة للعمق الإفريقي، واعتبر عقد مؤتمر المستشرقين الرابع عشر في الجزائر عام 1905، حلقة من حلقات التكامل والتعاون الإستراتيجي القائم بين الاستشراق والاستعمار الفرنسيين، وفيه حاول الفرنسيون إضفاء طابع "الجزائر الفرنسية" التي كان قد مضى على احتلالها حينذاك أكثر من سبعة عقود .
وفي مداخلته الموسومة "الظاهرة الاستشراقية في الفكر الجزائري الحديث"، ذهب "ذراع" إلى أنّ المحتل القديم اهتمّ في الجزائر ب"شرق الهوية" لا "شرق الجغرافيا"، ما جعل فرنسا تراهن على مستشرقيها أكثر من مراهنتها على جيوشها، فظهر ذاك الترابط المتين بين الإستشراق والإستدمار، وهو معنى كرذسه "سلفستر دوساسي" كبير مستشرقي "نابليون"، وكان "دوساسي" صاحب بيان الجيش الفرنسي المعرب الذي وجه للشعب الجزائري أثناء حملة احتلاله عام 1830.
ولاحظ "ذراع" إنّ مراكز "الاستشعار" الفرنسية قطعت الطريق على المفكّر الجزائري الشهير "مالك بن نبي"، وحرمته من دخول مراكز الاستشراق الفرنسية، علما إنّ بن نبي (1905 – 1973) عاش في باريس قلب الاستشراق طوال 30 سنة وسعى لفهم الظاهرة من حيث المرامي ما أهلّه لاكتساب زاد معرفي غزير، ولم يكتف "بن نبي" بالتشخيص، بل وضع الوصفة المناسبة لعلاج الاستشراق المنوّم، بالعودة إلى أصالة وهوية المجتمع.
تعدّدية مهام
لفت الباحث "الطيب بن إبراهيم" إلى أنّ الاستشراق الفرنسي كان متعدّد المهام في الجزائر، ووظّف أساليب "متعددة وبريئة" كالتثاقف والاستكشاف، هدمة لنواياهم، فعمد عموم المستشرقين الفرنسيين للتوغل وبسط نفوذهم مبكرا في الجزائر، وعبّر العديد من الشخصيات العسكرية والدينية الفرنسية عن ذلك بقولهم إنّ "احتلال الجزائر وحده لا يكفي".
وقال "لويس فويو" كاتب "بيجو" سنة 1841: "إن الجزائر ممتلكة مسيحية ولن تكون تونس والمغرب مثلها قبل زمن طويل، والعرب لن يكونوا لفرنسا إلا إذا صاروا فرنسيين ، ولن يكونوا فرنسيين إلا إذا تنصروا"، كما شدّد المستشرق "رودي بارت" على أنّ الهدف الرئيسي من جهود المستشرقين، سواء في المراحل الأولى للاستشراق أو في المراحل التالية هو التنصير.
مثلما ركّز الكاتب الفرنسي "أوغست برنارد":"لم نحضر إلى الجزائر لإقرار الأمن، بل لنشر الحضارة واللغة والأفكار الفرنسية.. وليست الجزائر مستعمرة كالهند الصينية.. ولكنها جزء من فرنسا كما كانت أيام روما.. إننا نريد أن نجعل هناك جنسا يندمج فينا عن طريق اللغة والعادات.. وسيتم هذا بعد نشر لغة فيكتور هيغو".
ومن ثم، ذهب "بن ابراهيم" إلى أنّ كلا من الاستعمار والاستشراق "يمثلان محض محاولة غربية لممارسة وصاية على الشرق، وأنهما شقيقان أبناء رجل واحد وامرأة واحدة، وتاريخ واحد وجغرافية واحدة، و يحملان بعدا روحيا واحدا".
من جانبه، أشار د. "محمد خليفاتي" إلى أنّ المستشرقين لم يتكلموا من فراغ، حيث درسوا الحضارة الاسلامية أكثر من معتنقيها، لكنهم جنحوا إلى التشويه، على منوال "بروكلمان" وافتراءاته بشأن وضع النبي الأعظم للقرآن الكريم، وتوصيفه "البدوي" كشخص مفرط الأنانية، ونفي العبقرية عن العرب، تماما مثل المستشرق "بلانشير" الذي ادعى أًنّ القرآن كان (شتاتا) والمسلمون "زادوا فيه"
واتهامه "زيد بن ثابت".
الاستشراق = التنصير + التجزئة
في مقاربته ل"سؤال الأيديولوجيا والدراسات الاستشراقية الأنثروبولوجية في الجزائر"، لاحظ أ. "عمار بركات" إلى أنّ نزعة الاستشراق انتقلت من التبشير إلى الاستقراء، وهو حراك بدأ في الجزائر بنسق وصفي إبان الاستعمار لفهم خصائص الجزائريين دينيا وثقافيا.
وشرح "بركات" إنّ "أنثروبوجيا التجزئة" على طريقة "دوركايم"، وتصنيفات العشيرة إلى قبائل، وكذا القبائل إلى مجموعات جزئية من السلالات، هي الخلفية التي اتكأت عليها فرنسا في خططها لضرب الوحدة الجزائرية.
في اتجاه آخر، تفاعلت أ/"سكينة بوشلوح" مع طرح "الطيب بن إبراهيم" من كون الاستشراق الفرنسي ظلّ أخطر أنواع الاستشراق بالنظر إلى خطورة مخططاته وآثاره، فضلا عن الجذور الفرنسية – تاريخا وثقافة وانطلاقا - للاستشراق عموما، وجاء على لسان المستشرق "زويمر": "ليست مهمتنا هي تنصير المسلمين، فهذا شرف ليسوا جديرين به، ولكن مهمتنا هي صرف المسلمين عن التمسك بالإسلام، وفي ذلك نجحنا نجاحا باهرا بفضل مدارسنا التنصيرية".
وزويمر نفسه له مقولة شهيرة أخرى قالها بعد ذلك ب30 عاما في مؤتمر المنصرين بالقدس "إنكم أعددتم نشئا لا يعرف الصلة بالله ولا يريد أن يعرفها، وأخرجتم المسلم عن الإسلام ولم تدخلوه في المسيحية، وبالتالي جاء النشء الإسلامي طبقا لما أراده الاستعمار المسيحي، لا يهتم بالعظائم ويحب الراحة والكسل، ولا يصرف همه في دنياه إلا في الشهوات، فإذا تعلم فللشهوات وإذا جمع المال فللشهوات، وإن تبوأ أسمى المراكز ففي سبيل الشهوات يجود بكل شيء. إن مهمتكم تمت على أكمل وجه، وانتهيتم إلى خير النتائج، وباركتكم المسيحية ورضي عنكم الاستعمار".
من جانبه، أوعز المستشرق الفرنسي المعاصر جاك بارك (1910– 1995) إنّ "الاستشراق هو الجناح الفكري للتوسع السياسي، وغياب أحدهما عن الآخر هو بداية تصدع في جدارهما، وهو ضعف لهما ومؤشر لبداية زوالهما"، بما يعكس مدى عمق النزعة الصليبية المتجذرة في الموروث الثقافي لفرنسا، والذاكرة الجماعية لمستشرقيها الذين غالبا ما استخدموا مصطلح "التبشير" على ما ينطوي عليه من انحياز ومغالطة، تبعا لما يضفيه من معاني البشارة والخيرية، في حين أنّ المستشرقين كانوا يدعون صراحة إلى النصرانية.
إفرازات فصام لغوي شعبي
ربط "مالك بن نبي" الاستشراق ب"ظاهرة الازدواج اللغوي" التي أدت بدورها إلى ما سماه "الازدواج الشعبي"، ففي الجزائر كانت سياسة فرنسا لا تقتصر على الميدان الفكري الجامعي والتعليمي فقط وإنما تعدته إلى مجال الحاجات العادية، أي في الشارع والسوق والمقهى وكل المحيط..
نظرة "بن نبي" أيّدها الكاتب "عبد الله شريط":"الاستعمار الفرنسي خلق في مجتمعنا تمزقا في الثقافة والتفكير والأخلاق وفي الحياة الاجتماعية نفسها"، ما يعكس تداعيات الاستشراق الفرنسي الذي كان أكثر أنواع الاستشراق الغربي تجنيدا ل"الغزو الثقافي" و"التبشير" الديني، واعتمد المحتلون على الاستشراق كحليف رئيسي للتنصير والاستعمار والثقافة الفرانكفونية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.